الجامعات .. ونظام الفصلين أم الثلاثة؟
شهد التعليم في المملكة قفزات كبيرة خلال العقود الماضية، وذلك انعكاسا لاهتمام الدولة، فعلى سبيل المثال، تتصدر المملكة دول الخليج في نسبة الإنفاق على التعليم التي تصل إلى نحو 19 في المائة من حجم الميزانية في 2021 مقارنة بالبحرين (9.8 في المائة) والإمارات (14.8 في المائة). وانعكست الجهود الكبيرة لتطوير التعليم أن أصبحت المملكة من الدول الرائدة في التعليم الجامعي، فهي تحتضن على أراضيها أكثر من 50 جامعة حكومية وخاصة، وتتصدر الدول العربية في الناتج البحثي وبراءات الاختراع المسجلة دوليا. وعلاوة على ذلك أولت الدولة اهتماما خاصا بتمكين المرأة، ما جعل الإناث يمثلن 53 في المائة من الطلاب في الجامعات الحكومية، ونحو 52 في المائة في الجامعات الخاصة في 2019. وبرزت جهود وزارة التعليم المميزة أن تجاوزت النظم التعليمية جائحة كورونا بأقل الأضرار من خلال إطلاق مبادرات نوعية، مثل: بوابة التعليم الوطنية "عين"، وقنوات "عين" التلفزيونية، ومنصة "مدرستي"، وغيرها.
وفي سياق استنفار بعض الجامعات للتحول من نظام الفصلين إلى الثلاثة، استوقفني تقرير عن دراسة أجرتها جامعة الأمير سلطان، حول خيار الفصلين أو الثلاثة للجامعات، فأحببت إشراك القراء بما توصلت إليه الدراسة، وما ورد فيها بدقة وأمانة، وبالتفاصيل المناسبة للحيز المحدود المخصص لهذه المقالة.
كما هو معروف ينقسم نظام التعليم في المملكة إلى أربع مراحل: التعليم ما قبل الابتدائي (من 3 إلى 5 أعوام)، والابتدائي (من 6 إلى 11 عاما)، والمتوسط والثانوي (من 12 إلى 17 عاما)، والتعليم الجامعي (من 18 إلى 22 عاما)، ويستمر التعليم إلزاميا إلى 14 عاما. ويدار قطاع التعليم في الغالب من قبل الحكومة، إذ لا يمثل القطاع الخاص سوى 11 في المائة تقريبا.
ولا شك أن مبادرة وزارة التعليم بشأن التحول إلى تطبيق نظام الفصول الثلاثة تهدف إلى تحسين مخرجات التعليم من خلال زيادة عدد أيام الدراسة إلى 183 يوما، وهو المتوسط العالمي، ما يتيح مجالا أوسع لإثراء العملية التعليمية وتعظيم الاستفادة من الموارد التعليمية المتاحة.
وتشير الدراسة إلى أن أنظمة الفصلين والثلاثة والأربعة مطبقة في العالم، لكن هناك أنظمة أكثر شيوعا وانتشارا من بعضها الآخر. فهناك دول كثيرة تطبق نظام (الفصلين) فقط، مثل: ألمانيا وكوريا الجنوبية وهولندا والفلبين وإندونيسيا ومصر وكولومبيا وباكستان. وهناك دول تطبق نظام (الفصلين في الأغلب مع وجود نظام الفصول الثلاثة أو الأربعة)، ومنها: الولايات المتحدة وكندا والصين واليابان ونيوزيلندا والإمارات العربية. وهناك دول تطبق (نظام الفصول الثلاثة في الأغلب مع وجود نظم أخرى)، مثل: بريطانيا وتركيا وكينيا. وأخيرا، هناك دول تطبق (نظام الفصول الأربعة مع وجود نظم أخرى)، مثل: أستراليا والبرازيل. وعلاوة على ذلك، تشير الدراسة إلى تجربة جامعة كاليفورنيا الفريدة التي تسمح بوجود أنظمة متعددة فيما بين فروعها وكلياتها، وتشير أيضا إلى تحول معهد روتشستر للتكنولوجيا من نظام الفصول الأربعة إلى نظام الفصلين في 2012.
وتخلص الدراسة إلى أن مزيجا من نظام الفصلين الدراسيين ونظامي الفصول الثلاثة والأربعة مطبق من قبل مؤسسات التعليم العالي على مستوى العالم، مع بعض التفاوت الواضح من منطقة جغرافية إلى أخرى. ففي حين أن لكل نظام مزايا وعيوبا، فإن لنظام الفصلين الدراسيين مزايا أكثر وضوحا، علاوة على أن التوجه العالمي نحو نظام الفصلين، في المقابل يوفر نظام الفصول الدراسية الثلاثة مزيدا من المرونة في اختيار المقررات وتغيير التخصص بالنسبة للطلاب.
وأخيرا، أتمنى إشراك الجامعات أو منحها بعض الاستقلالية في اختيار النظام التعليمي المناسب وفق نظام الجامعات الجديد!