رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


ثقافة انكشاف الذات

انكشاف الذات مصطلح يستخدم في حالتين، الحالة الأولى: استبصار الفرد في ذاته بمساعدة المرشد الذي يستخدم الطرق المناسبة للفرد حسب عمره، وتعليمه، وخبرته بهدف الوقوف على نقاط القوة والضعف، وذلك بالصدق مع الذات، ومحاورتها بصراحة ووضوح، بدلا من خداعها، وهذا يتطلب جسارة يكسر من خلالها حاجز الخوف، أو الخجل، وإذا ما نجح المرشد في الوصول إلى هذه المرحلة، فهذه خطوة مهمة تزيد من ثقة الفرد، وتجعله في حالة محاورة ومواجهة لذاته دون وجل وتردد.
الحالة الثانية: تكون في حالة الانكشاف للآخرين، أي: حين الإفصاح للآخرين عن المكنونات من مشاعر، ورغبات، ومشكلات يعانيها طالب الخدمة، وليس بالضرورة أن يكون الإفصاح للآخرين عنها مما يخجل منه، أو يعاب عليه، إلا أن شخصية الفرد من النوع المنفتح على الآخرين، ولا يرى غضاضة في كشف أوراقه، كما يقال، بحسنها وسيئها. أما لو كان الفرد من النوع الكتوم، المتحفظ على كل شيء مهما صغر أو كبر، فهذا سيمثل عقبة تحول بينه وبين إقامة علاقات حميمية مع الآخرين، لأن التحفظ في حد ذاته يحدث الشك لدى الطرف الآخر، ولا يتشجع على إقامة علاقة صداقة، أو العمل مع من يمارس الكتمان في أشد صوره.
أساليب انكشاف الذات المستخدمة من قبل الإخصائي النفسي أو الطبيب قد تكون صعبة، وتحتاج إلى وقت طويل، كما في التحليل النفسي، ودون تحكم من طالب الخدمة، كما قد تكون على هيئة عمليات إسقاطية، كما في حالة هفوات اللسان، أو القلم، أو باستخدام الاختبارات النفسية الإسقاطية، حيث يصعب على الفرد التحكم في نوع استجابته على المثيرات التي تعرض عليه، وبذا يكشف المرء عن رغبة لم تتحقق، أو مخاوف ربما ليس لها أساس في واقع حياة الفرد، وفي هذه الحالة يأتي دور المرشد في الانتباه لهذه المؤشرات ليبني عليها جسر انكشاف الذات.
مع التقنية الحديثة، وتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي لم يعد عند البعض أي معوقات، أو حواجز تمنع انكشاف ذاته، حتى إن البعض يصور تفاصيل حياته اليومية بكل جوانبها، وكأنه يقول: لا توجد محددات ثقافية، أو اجتماعية، أو مشاعر إنسانية يتم من خلالها مراعاة مشاعر الآخرين، خاصة من يعانون شظف العيش، وضعف الإمكانات.
في وسائل التواصل الاجتماعي لم يعد هناك شيء مخفي، وإنما انكشاف كلي للذات، فلو أراد باحث عمل بروفايل نفسي لشخص، ما عليه إلا المتابعة اليومية لما يقول، ويصور، وينشر على الملأ ليرسم دقائق الأمور منذ الاستيقاظ، حتى ساعة النوم ليعرف ماذا أكل، وشرب، وأين، ومتى، ومع من، وكيف؟ ويمكن القول إن ما كان يستحيل معرفته بكل الحيل أصبح متاحا على الملأ، حتى كأن الواحد من هؤلاء يمشي عاريا في الشارع، وداخل منزله، ومن يفعل ذلك كأنه يطبق المثل القائل «بيدي لا بيد عمرو».
ما من شك أن التقنية الحديثة أحدثت ثقافة جديدة تخلخل من خلالها كثير من المسلمات، فما كان سرا لم يعد كذلك، وما كان يخاف عليه من العين لم يعد كذلك، وما كان عيبا أصبح مقبولا عند هؤلاء، وهذا في حد ذاته يمثل أسلوب حياة ليس بالضرورة مقبولا من كثير من الناس، مع أن من يكشف ذاته طواعية ربما يحقق له ذلك راحة نفسية، أو شهرة، ومزيدا من المتابعين، ومن ثم مكاسب مادية.
سؤال منطقي يلح علي: ماذا بعد مرحلة انكشاف الذات؟ أي ما الذي نتوقعه من تغيرات سلوكية، وقيمية، واجتماعية تنعكس على حياة الناس والعلاقات بينهم، أم أن مرحلة انكشاف الذات مرحلة عابرة، مثلها مثل حركة الهيبز في أمريكا خلال الستينيات وجزء من السبعينيات، حين خرج الشباب على قيم المجتمع وثقافته في مظهرهم وسلوكهم، ثم حصلت ردة عنها لتتم العودة إلى مرحلة ما قبلها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي