المواد الأولية ومتغيرات الحرب
بدأت الحرب الروسية ـ الأوكرانية ترك أثر في سوق قطع الغيار والمعادن والمواد الأساسية في صناعة السيارات حول العالم. فروسيا على وجه الخصوص تتمتع بقدرات كبيرة في مجال المواد الأولية المستخدمة في هذه الصناعة. ولأنها كذلك، فهي تسهم بالطبع بدور في هذا القطاع الحيوي المتحول.
أما لماذا متحول؟ فلأن مستقبل صناعة السيارات والمركبات صار مرهونا بإنتاج مختلف تماما عما هو سائد الآن. العالم يمضي قدما نحو العربات والآليات التي تعمل بالطاقة الكهربائية.
والخوف من نقص المواد المستخدمة في هذا القطاع العالمي الكبير، لا يقتصر على إمكانية توقف إنتاج هذه المواد، بل في شحنها ونقلها، في ظل اضطراب كبير في نطاق سلاسل التوريد والنقل والشحن، كان موجودا أصلا بفعل جائحة كورونا، أي قبل اندلاع الصراع الحالي بين موسكو وكييف.
هذا ما يفسر تأكيدات جمعية مصنعي السيارات الألمانية، أن الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، أدت إلى تعطل طرق النقل، والمعاملات المالية، وأن هذه الصناعة ستواجه نقصا في بعض المواد الخام.
وهذا النقص يشمل إمكانية التوقف النهائي عن استخراج المواد الأساسية الآتية من روسيا وأوكرانيا، خصوصا في ظل غياب المؤشرات الدالة على حل سياسي سريع لها حتى الآن.
اندلاع الحرب عزز في طريقه التأثيرات السلبية في قطاعات الشحن بكل أشكالها، فضلا عن أن المخزون من القطع والمواد الخام كان منخفضا أساسا قبل هذه المواجهة المتصاعدة.
فلم تتوقف مصانع السيارات عن إبداء مخاوفها طوال الأعوام الأخيرة من نقص المخزون، ورفعت حدة مخاوفها مع بدء عجلة الاقتصاد العالمي في الدوران بعد ركود مخيف أيضا بفعل كورونا وآثاره في الساحة الاقتصادية بشكل عام.
لا شك في أن النسبة الكبرى من المواد الضرورية لهذه الصناعة تأتي من روسيا وليس من أوكرانيا، بصرف النظر عن حجمها على أساس دولي.
فالمعادن الروسية في النهاية ستؤثر بصورة أو بأخرى في وتيرة إنتاج السيارات، حيث تواجه شركات صناعة المركبات الرئيسة بأنواعها مخاطر مالية كبيرة لاضطرارها إلى الخروج من السوق الروسية تماشيا مع العقوبات الدولية المفروضة على هذا البلد.
فهذه الشركات تخشى بالفعل خسارة هذه السوق الرئيسة على المدى المتوسط، وإذا ما استمرت الأزمة مدة أطول ستضطر هذه الشركات إلى إعادة النظر بصورة جذرية في استراتيجياتها في السوق الروسية.
ومع ذلك فسوق السيارات في روسيا لا تشكل سوى 2 في المائة تقريبا من إجمالي السوق العالمية. فالمشكلة تكمن أولا وأخيرا في إمدادات المواد الأولية، وبعض قطع الغيار التي تصنع في أوكرانيا على وجه الخصوص.
روسيا هي سادس أكبر مصدر للألمنيوم في العالم، وكانت الأسواق الدولية قبل الحرب تواجه عجزا في هذا الميدان أصلا.
كما أنها تتمتع بقدرات عالية في إنتاج النيكل والحديد المقاوم للصدأ، وكلها مواد أساسية في صناعة السيارات والمركبات والآليات بشكل عام.
ولأن الأمر كذلك، لم يكن غريبا أن يرتفع سعر النيكل 250 في المائة، ما أجبر بورصة لندن على وقف تداول هذا المعدن.
واستخدامات المعدن باتت متعاظمة، لأنه يدخل في صناعات كثيرة، وعلى رأسها البطاريات التي ستكون أساس "وقود" السيارات في المستقبل القريب. هناك كثير من المواد الأولية التي أصابتها العقوبات الغربية المفروضة على روسيا.
وتعطل الإمدادات الروسية - الأوكرانية من هذه المواد الأساسية، أصاب الساحة الغربية وأربك مشهد صناعة السيارات وغيرها بشكل عام، إلا أن الصين تبقى حتى اليوم أكثر الرابحين، لأنها الأقل تأثرا في هذا الميدان.