الحرب الحالية تهيئ صناعة التأمين لعاصفة من التعويضات

الحرب الحالية تهيئ صناعة التأمين لعاصفة من التعويضات

الطائرات العالقة والسفن المتضررة والمباني التي تعرضت للقصف والديون غير القابلة للاسترداد التي نتجت عن الحرب الروسية - الأوكرانية، كلها جعلت صناعة التأمين العالمية تستعد لارتفاع التعويضات والخوض في نزاعات قانونية طويلة الأمد.
قد تكلف الحرب الروسية الأوكرانية شركات التأمين مطالبات بمليارات الدولارات، حيث يواجه قطاع التأمين على الطيران وحده أكبر خسارة محتملة في تاريخه بسبب بقاء مئات الطائرات جاثمة على الأرض دون حركة في روسيا.
مع تشديد العقوبات الغربية التي حجبت قطاعي الطيران والفضاء في روسيا عن أسواق التأمين وإعادة التأمين، فإن الأمر الوحيد المتوقع هو أن تتزايد تلك المخاطر.
قالت كارولين واجستاف، الرئيسة التنفيذية لـ"لندن ماركت جروب"، هيئة تجارية لقطاع التأمين الدولي في لندن، "الآثار المتضاعفة المترتبة على هذا الوضع الرهيب ستكون محسوسة على نطاق واسع". أضافت، "سيتم التقدم بمطالبات التأمين - التي قد تكون كبيرة في جميع أنحاء السوق، والسوق تعمل الآن على استيعاب نطاقها وحجمها".
سعت شركات التأمين إلى الحد من انكشافها للصراع من خلال رفض أي عقود جديدة قد تضعها أمام مزيد من الخسائر الروسية، أو إعادة صياغة البوالص لاستبعاد البلاد من المطالبات المستقبلية، أو المطالبة بأقساط إضافية مرتفعة لتغطية السفن التي تعبر المناطق المائية التي تعدها الآن خطيرة.
لكن بالنسبة إلى السفن والطائرات والمباني والسلع المؤمنة التي علقت في القتال، فقد يكون الضرر قد حدث بالفعل.
من المتوقع أن تتأثر السوق العالمية للتأمين المتخصص، التي تعد "لويدز أوف لندن" مركزها. شهدت الأسهم في شركات التأمين الموجودة في "لويدز"، مثل "لانكاشير" و"بيزلي" - المتخصصتين في المجالات المنكشفة كالحرب والمخاطر السياسية - انخفاضا حادا الأسابيع الأخيرة. فيما رفضت كلتا المجموعتين التعليق لهذه المادة.
أبلغت مجموعات إعادة التأمين الكبرى، التي تبيع التغطية لشركات التأمين التي تسعى إلى حماية نفسها، عن انخفاضات أقل، مع رفض المديرين التنفيذيين تحديد المبالغ لانكشافهم المتوقع.
تتوقع "لويدز أوف لندن" خسارة إجمالية كبيرة ولكن يمكن التحكم فيها، وفقا لشخص مطلع على الأمر، الذي أيضا قدر الفاتورة النهائية، بعد دفع مستحقات إعادة التأمين، أنها يمكن أن تكون في نطاق يراوح بين مليار دولار وأربعة مليارات دولار.
قال مصدر كبير آخر في "لويدز"، "من الصعب حقا تثبيت الحد الأعلى لهذا النطاق نظرا إلى وجود كثير من الأمور المختلفة التي يجب أن تتكشف".
لكن "لويدز"، التي تلقت ضربة من المطالبات التي تسبب بها كوفيد بمبلغ صاف يزيد على أربع مليارات دولار في 2020، رفضت التعليق على حجم انكشافها الإجمالي لكنها قالت إن روسيا وأوكرانيا تمثلان أقل من 1 في المائة من أقساطها.
فيما بقي بنك إنجلترا متفائلا بشأن تأثير العقوبات على القطاع، لكن الحقيقة هي، كما يقول التنفيذيون في شركات التأمين، إنه من الصعب تقييم الأصول العالقة والمتضررة في منطقة الحرب.
قال فوربس ماكنزي، الرئيس التنفيذي لشركة ماكينزي إنتيليجنس سيرفيسيز في لندن، إن صعوبة التقييمات على الأرض وباستخدام التكنولوجيا مثل الطائرات دون طيار قد أوجدت "شحا في المعلومات" للصناعة.
صور الطائرات الجاثمة على الأرض والسفن التي تضررت في تبادل لإطلاق النار تعني أن الأضواء قد سلطت على شركات التأمين البحري والجوي، ولا سيما البوالص المعروفة باسم "مخاطر الحرب" أو الغطاء "الطارئ" الذي يحمي المالكين في حالة وقوع ضرر أو استيلاء على أصولهم في حال نشوب صراع.
تحركت شركات التأمين البحري بسرعة للحد من الأضرار المالية، حيث صنفت لجنة الحرب المشتركة، وهي هيئة دولية، مزيدا من المياه المحيطة بروسيا وأوكرانيا على أنها مناطق ذات مخاطر مرتفعة، ما يعني أنه يتعين على المالك الاتصال بجهة التأمين الخاصة به إذا رغب في دخولها. لكن المطالبات لا تزال متوقعة، مع تضرر بعض السفن بالفعل.
قال جاريت هانراهان، الرئيس العالمي للطيران في شركة مارش، أكبر وسيط للتأمين في العالم، إن الصراع يهدد بحدوث "أكبر خسارة للطيران في التاريخ" إذا لم يتم استرداد الطائرات العالقة في الخارج.
تشير تقديرات الصناعة إلى أن ما يقارب من 600 طائرة صنعها الغرب في روسيا قد تصل قيمتها إلى 13 مليار دولار. لكن بوالص التأمين لها حدود إجمالية للقيمة التي يمكنها دفعها. قدرت "مارش" أن السيناريو الأسوأ، حيث لا يمكن استعادة الطائرات، من شأنه أن يترك سوق التأمين العالمية أمام خسارة تبلغ نحو خمسة مليارات دولار، وهو أكبر مما تحملته بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر).
أضاف هانراهان أن مثل هذه الخسارة واسعة النطاق ستكون "حدثا يحرك السوق ويغير كل شيء"، متجاوزة حتى الآن الإيرادات المعروضة من هذا النوع من التأمين لدرجة أن بعض شركات التأمين قد تختار الانسحاب من القطاع تماما.
يتوقع كثيرون نزاعا قانونيا حول ما إذا كان يجب الدفع لتلك العقود، مع وجود تقارير تفيد بأن شركات التأمين سارعت إلى إلغاء بعض تغطيات التأمين قصيرة الأجل.
في الأسبوع الماضي، قالت شركة تأجير الطائرات بي أوه سي أفييشن إن شركات التأمين الدولية بدأت "تلغي تدريجيا عناصر معينة" مدرجة في بوالص التأمين ذات الصلة.
يعتمد لب النزاع على متى تقدم شركات التأمين إشعارات الإلغاء، وإذا كانت، مثلا، قد جاءت بعد فرض العقوبات ولكن قبل مصادرة الطائرة.
قال هانراهان، "نعتقد أن المؤمن لا يمكنه إصدار إشعار لتقليل التغطية التأمينية أو استبعادها على أحد الأشياء المؤمن عليها (...) وهي في قبضة خطر مؤمن عليه".
يقول خبراء التأمين في أحاديث خاصة إن شركات التأمين قد تستشهد أيضا بالعقوبات باعتبارها سببا لعدم تمكنها من تلبية المطالبات.
قال مايكل فايس، الرئيس التجاري لشركة إدارة أصول الطائرات أيه بي إل أفييشن، "سينتهي الأمر بها في المحاكم".
من جانبها، تتوقع "هيسكوكس"، إحدى شركات التأمين الكبرى في سوق لندن، أن انكشافها للمطالبات المحتملة من الأضرار التي لحقت بالأصول في أوكرانيا، مثل المباني، قد يصل إلى عشرات الملايين من الجنيهات الاسترلينية. لكن الشركة تخضع لإعادة التأمين بشكل كبير وقالت إن أي ضرر على الأرباح سيكون " من الممكن جدا التعامل معه".
قال الرئيس التنفيذي آكي حسين، "تم تصميم هذه البوالص للاستجابة لهذا النوع من الأحداث. ولهذا السبب نحن نكتبها". في الوقت نفسه، أخبرت شركة أكسا المحللين أنها منكشفة لمخاطر سياسية تبلغ 130 مليون يورو في أوكرانيا، و180 مليون يورو داخل روسيا - على الرغم من إعادة التأمين على نصفها.
يقع التأمين على الائتمان على نطاق واسع أيضا تحت مظلة المخاطر السياسية، الذي يحمي من عدم سداد المدينين، مثل المشتري الروسي للبضائع الأجنبية أو المتلقي للتمويل المصرفي. ألقت العقوبات المالية الأوسع نطاقا بظلال من الشك على هذه المدفوعات.
فيما قال أحد مصرفيي السلع إنه بينما لم يكن قلقا بشأن انكشافات إقراض البنوك أو انكشافات التمويل التجاري - لأنهما مؤمنان - فقد توقع "مطالبات هائلة" في الأفق جراء المخاطر السياسية وشركات تأمين الائتمان التي ستغطي خسائره.
يعاني قطاع الائتمان والمخاطر السياسية المطالبات المتعلقة بكوفيد وإخفاقات بعض تجار السلع مثل "هين ليونج تريدنج"، التي انهارت العام الماضي بسبب دينها البالغ أربعة مليارات دولار.
عند تقدير خسائرها، يتمثل الخوف في أوساط شركات التأمين والوسطاء في إمكانية امتداد العقوبات إلى مجالات الطاقة والشحن التي تعد جوهر سوق لندن. في" لويدز"، شكل القطاع البحري والقطاع الجوي وقطاع النقل وقطاع الطاقة 12 في المائة من الأعمال في 2020. كانت هناك تنبؤات واسعة النطاق بأن المطالبات السيبرانية يمكن أن تزداد أيضا، لكن وسطاء التأمين السيبرانيين لم يبلغوا عن زيادة ملحوظة في الهجمات ضد الشركات.
أما في السر، يجادل كثير من خبراء التأمين بأن أرقام المطالبات الكبيرة التي يتم تناقلها قد لا تتحقق بمجرد انتهاء الصراع. سيعتمد كثير على "نوع التفاهم الذي ستصل إليه روسيا مع بقية العالم"، حسبما يقول سفين ألتوف، عضو مجلس إدارة شركة هانوفر ري لإعادة التأمين، للمحللين.
لكن إذا تصاعدت وتيرة القتال والمطالبات أيضا، فإن المشاركين في السوق يرون أنه قد تكون هناك حاجة إلى طلب الدعم من الحكومة.
عمل هانراهان من شركة مارش وسيطا للتأمين في شركة أميريكان إيرلاينز خلال أحداث 11 أيلول (سبتمبر) المأساوية عندما قدمت الحكومة الأمريكية دعامة للصناعة وقال إنه قد تكون هناك حاجة إلى تدخل الدولة مرة أخرى.
قال إنه إذا تصاعدت الخسائر، فإننا "بحاجة إلى النظر في إمكانية التوصل إلى حل بين القطاعين العام والخاص بالنظر إلى أن الخسارة ستحدث نتيجة لإجراء حكومي".

الأكثر قراءة