وراء كل ابتكار قصة .. أحاديث عن أشياء من حولنا

وراء كل ابتكار قصة .. أحاديث عن أشياء من حولنا
يعرض الكتاب قصة تفوق الحجر على المقص، والورق على الحجر، والمقص على الورق.
وراء كل ابتكار قصة .. أحاديث عن أشياء من حولنا

أحيانا يتحول العنوان إلى عائق يصد القراء عن الكتاب، وتنقلب كلماته من التحفيز على الإقبال نحو التولي والإدبار عن الاهتمام والعناية بمضمون المؤلف، ولا سيما لدى طائفة من القراء، ممن اكتسبوا مناعة ضد أسلوب الإغراء وتقنيات التسويق التي اكتسحت السوق الثقافية العربية. ينطبق هذا الأمر على كتاب البريطانية جين كامبل "أشياء غريبة يقولها الزبائن في متاجر الكتب" (2012)، المترجم إلى اللغة العربية، بقلم الجزائرية إكرام الصغيري، بعنوان "أشياء غريبة لم تعرفها من قبل" (2019).
يقترب أسلوب صياغة العنوان من دائرة الكتب التسويقية التي تعدك بكل شيء، ولا تقدم لك أي شيء، لدرجة أن القارئ النبيه عادة ما يحتاط من عناوين هكذا، باعتبارها فخاخ دور النشر لضمان الترويج ورفع نسب المبيعات. فيما مضمون الكتاب شيء آخر تماما. فعلى مدار نحو 200 صفحة، نطالع تاريخ 35 قصة غريبة من حولنا، يرجح أن الأغلبية من بيننا لم تطرحها كموضوع للتأمل والتفكير يوما.
يعرض الكتاب بأسلوب طريف معلومات عن أشياء في حياتنا اليومية، وحقائق غريبة من التاريخ الإنساني القديم والحديث، فيخبرنا مثلا بأصل فرشاة الأسنان، وطرق تبريد الألبان قبل اختراع الثلاجة، وبأن القهوة الساخنة كانت وراء اختراع أول كاميرا الويب في العالم، ويحكي لك السر وراء قيادة 35 في المائة من سكان العالم سياراتهم على اليسار، ويخبرك عن أصل مكعب روبيك الذي صمد في خزانة الألعاب لأكثر من جيل، وتاريخ لعبة مشهورة عالميا مثل السودوكو، وعن قصص البلديات التي يمنع فيها الموت.
نتعرف من خلال الكتاب على أن الألعاب النارية اختراع صيني بالخطأ، إذ تفيد الرواية بأن طباخا صينيا في مقاطعة هونان، عاصمة الألعاب النارية في العالم حاليا، أعد بالخطأ خليطا ثلاثيا من الفحم والكبريت ونترات البوتاسيوم، انفجر بعد تعرضه للنار، فأنتج تشكيلة جميلة من الألوان. في الصين، وارتباطا بالألعاب دائما، يقدم الكتاب حفريات في جذور لعبة "حجر ورق مقص" (شوشيلينج) القائمة على عنصر المفاجأة، إذ يقوم المشاركون، في وقت واحد وبيد واحدة، بتشكيل الرموز الثلاثة، وتكون النتائج وفق قاعدة: تفوق الحجر على المقص، والورق على الحجر، والمقص على الورق. وعرج على لعبة مشابهة بالأصابع، باسم "موشي-كين"، وفيها يهزم الضفدع "الذي يمثله الإبهام" اليرقانة "التي يمثلها الخنصر"، التي تهزم بدروها الثعبان "الذي تمثله السبابة"، الذي يهزم الضفدع، وهكذا دواليك.
وعن قصة الموضة الجندرية الحديثة للأطفال التي كانت السبب وراء فرز اللون الأزرق للصبيان والوردي للفتيات، فألوان أغراض الطفل لم تكن محددة بنظام معين حتى أواسط القرن الـ20، فلا أعراف اجتماعية تفيد بأن الوردي للفتاة والأزرق للصبي، حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث شاعت الفكرة، ولقيت نجاحا منقطع النظير، بعد التأثر بالموضة الفرنسية، حيث درجت الثقافة الفرنسية التقليدية على اقتران الوردي بالفتيات والأزرق بالأولاد، عكس ما تجري به القواعد في الثقافة الألمانية البلجيكية.
يتزين الجميع، رجالا ونساء وأطفالا، بساعات يدوية للأناقة والجمال، دون أن يراودهم السؤال عن السبب وراء التفكير في اختراع ساعة المعصم. زمنيا، يعود الأمر إلى 1901، بعد نجاح الطيار البرازيلي سانتوس دومون في القيام بأول رحلة حقيقية على الإطلاق حول برج إيفل، وفي غمرة الاحتفال حكى لصديقه لويس كارتييه عن عائق التحقق من ساعة الجيب أثناء الطيران، قصد ضبط مدة التحليق في السماء. هذه الشكوى كانت الدافع وراء ابتكار ساعة معصم مسطحة بإطار مربع مميز.
في عالم الأغذية، نقرأ أن لعب الورق كان السبب وراء اختراع أول ساندويتش "الشطيرة" في التاريخ، هذا الطعام المثالي البسيط وسهل التحضير الذي انتشر في إنجلترا، 1762، بواسطة الإيرل الرابع جون مونتاجو. تفيد الراوية بأن الرجل كان مهووسا بلعب الورق، فكان يجلس إلى الطاولة ساعات عديدة، ما جعله يطلب، في إحدى الحفلات، من طباخه إعداد أكلة يمكن تناولها دون مغادرة المكان، وهكذا جاءت فكرة أول ساندويتش في العالم. يذكر أن المستكشف جميس كوك أطلق اسم مونتاجو على اثنين من الأرخبيلات التي اكتشفها، التي تعرف اليوم باسم جزر ساندويتش.
عادة ما ينظف المرء أسنانه بعد الأكل، لكن الفرشاة كأداة للحفاظ على أسنان نظيفة ولثة صحية لم تكن متاحة، ما يجعل الأفراد يستعينون بوسائل أخرى مثل القماش الخشن والماء، ثم اهتدوا إلى مزج الملح بالطباشير في محاولة للتخلص من الوسخ. طور الإنسان بعدها أنواعا من معجون الأسنان، مصنوعة من مكونات غريبة، لن يقدر كثيرون اليوم على التفكير فيها وبالأحرى استعمالها "رماد حوافر الثيران، قشر بيض محروق، عظام...". أما عن أول ظهور لفرشاة للأسنان فيعزى إلى الصينيين بداية القرن الـ15، فيما اقترن اختراع الأداة بشكلها الحالي، ببريطاني داخل أسوار السجن 1770.
سنويا، نتطلع إلى قائمة الأعمال المتوجة بجوائز الأوسكار، من أجل الاستمتاع بالمشاهدة أو تكرار ذلك، دون أن نعرف أي شيء عن أصل تسمية هذه الجائزة، وعن تاريخ هذا التمثال، الممنوع من البيع، الذي تكلفت صناعته نحو 18 ألف دولار. تحكي الرواية أن أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية تمنح لقب "جائزة الأكاديمية للاستحقاق" (كما هي معروفة رسميا) صاغته مارجريت هيريك أمينة مكتبة الأكاديمية، عندما رأت التمثال لأول مرة، 1931، عندما قالت "إنه يشبه عمها أوسكار". كلمات نقلها صحافي حضر الواقعة، معتبرا موظفي الأكاديمية منحوا تمثالهم الشهير لقب "أوسكار".
وأنت تقف أمام الشباك الأوتوماتيكي للبنك لسحب الأموال، تذكر أن آلة توزيع الشوكولاتة أرشدت الأسكتلندي جون شيبارد، الذي أمضى نهاية أسبوع بدون مال، إلى التفكير في آلة لتوزيع الأموال على زبائن البنوك. وتحقق ذلك عمليا، أواسط 1967، في شمال مدينة لندن، التي شهدت أول جهاز توزيع آلي، في شكل شاشة مستطيلة مدمجة في الجدار. وكانت البطاقة البنكية حينذاك، لا تمنح إلا للعملاء المميزين لدى البنك، مع أنها صالحة للاستخدام مرة واحدة فقط، حيث تتولى الآلة ابتلاع كل بطاقة بعد منح صاحبها المبلغ المالي.
يخبرنا الكتاب في قصص أخرى عن أسباب تغريم بلدية سيليا الإيطالية أي شخص من المقيمين فيها لا يخضع لفحص سنوي، وعن دواعي مخاطبة رئيس بلدية لانجارون الإسبانية المواطنين بمرسوم، طالبهم فيه "بأخذ أقصى قدر من العناية بصحتهم حتى لا يموتوا، إلى أن تتخذ البلدية الخطوات اللازمة للحصول على أرض مناسبة لراحة الموتى ليرتاحوا في مجد"، وعن قصة ابتكار أول جهاز مشي في العالم كوسيلة لمعاقبة سجناء إنجلترا وإصلاحهم... وغير ذلك من الأخبار الطريفة التي لا يشير إليها عنوان الكتاب، لا تلميحا ولا تصريحا.

الأكثر قراءة