الهند تسعى إلى "لحظة أرامكو" عبر بيع حصة من أكبر شركة تأمين في البلاد
اشترى أميت سانت، مستشار مالي في إندور، أكبر مدن وسط الهند من حيث عدد السكان، أول بوليصة تأمين له في 2000. لم يكن هناك أي سؤال أبدا من أين سيشتريها، إذ توجد شركة لايف إنشورانس كوربوريشين "إل آي سي" في الهند التي تديرها الدولة، واحتكرت الصناعة لمدة 44 عاما ووظفت والده لمدة 36 عاما.
قال سانت، "اعتاد والدي على القول إن شركة إل آي سي هي المؤسسة التي صنعت حياتنا". اليوم، تتطلع الحكومة الهندية إلى نوع جديد من الحياة لعملاقة التأمين التي أنشأتها. حيث تخطط لبيع 5 في المائة من أسهمها فيما سيكون أكبر طرح عام أولي في البلاد على الإطلاق، وستجمع ما يصل إلى ثمانية مليارات دولار.
ينظر إلى الصفقة على أنها "لحظة أرامكو" الهندية، كما قال أجاي ماهاجان، الرئيس التنفيذي لوكالة كير للتصنيف الائتماني، مشيرا إلى أكبر طرح عام أولي على الإطلاق لشركة النفط السعودية التي تملكها الدولة. "’إل آي سي‘ هو اسم معروف، في كل زاوية وركن من هذه البلاد (...) إنه مصطلح مرادف للتأمين".
أسست الشركة بموجب قانون خاص أصدره البرلمان بعد أن أممت الهند خدمة التأمين على الحياة في 1956. كانت شركة إل آي سي مكلفة بجعل التأمين على الحياة متاحا في جميع أنحاء البلاد، خاصة في المناطق الريفية النائية. باعت التغطية التأمينية بسعر معقول عبر شبكة من الوكلاء، ووفرت سبلا موثوقة للادخار لملايين الأشخاص في البلاد دون حسابات مصرفية.
في 1999، كان هناك تحولا كبيرا في السوق حول الألفية الجديدة، بعد إنهاء احتكار شركة إل آي سي. لكن الشركة التي يقوم رئيس الدولة في الهند بخصخصتها لا تزال ضخمة.
تشير نشرة الاكتتاب إلى أن أصولها الخاضعة للإدارة بقيمة 495 مليار دولار هي أكثر من ثلاثة أضعاف أصول جميع شركات التأمين على الحياة الأخرى في الهند. تصدر نحو ثلاثة أرباع مجمل بوالص التأمين الفردية في الهند، التي يتم بيع معظمها من قبل وكلائها البالغ عددهم 1.3 مليون وكيل، ما يمثل شبكة أكبر من جميع منافسيها مجتمعين، وفقا لأبحاث مصرف "كريدي سويس".
قال مسؤول تنفيذي كبير في مجال التأمين، "لا يمكننا تصور نطاق حجم الشركة. هذا يمنحها وفورات حجم هائلة".
عندما يتم إدراجها في البورصة، من المتوقع أن تصبح شركة إل آي سي ثالث أكبر شركة في الهند من حيث القيمة السوقية. تتمثل الحالة الاستثمارية للشركة في انتشارها الهائل في جميع أنحاء الهند، إلى جانب توقع أن الطبقة المتوسطة الصاعدة في ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان سترغب في الحصول على منتجاتها الأساسية من التأمين على الحياة، والمعاشات التقاعدية وغيرها من منتجات الادخار طويلة الأجل. كما أنها تبيع التأمين الصحي.
لكن سانت يوضح إحدى المشكلات التي بدأت تؤثر في شركة إل آي سي. على الرغم من ارتباطه بالشركة، قال إنه وجد أخيرا منافسين يقدمون خيارات أفضل وأكثر تنوعا لمنتجات مثل منتجات تأمين تغطي أمراضا معينة.
قال سانت، " شركة إل آي سي لديها فقط المنتجات الأساسية، لا يوجد أي تنويع، على الرغم من أن الشركات المنافسة تغير منتجاتها".
في الأعوام الأخيرة، اقتطعت الشركات المنافسة مثل "سي بي آي لايف" و"إتش دي إف سي لايف" من حصة شركة إل آي سي السوقية. في غضون ذلك، تم تخفيف القيود على الاستثمار الخارجي العام الماضي - تحذر نشرة شركة إل آي سي من "تهديد وشيك لدخول اللاعبين الأجانب إلى السوق".
في شركة إل آي سي، تميل المبيعات تجاه منتجات التأمين على الحياة التي تدفع حصة من أرباح شركة التأمين إلى حاملي وثائق التأمين سنويا، المعروفة باسم "البوالص المشاركة". لديها حصة أصغر من السوق عالية الهامش للبوالص غير المشاركة، التي لا تقدم هذه المدفوعات السنوية. في الغالب يتم بيع البوالص الأخيرة عبر المصارف، حيث يقوم المنافسون بمزيد من أعمالهم عبر صفقات الشراكة.
ينعكس هذا المزيج في هامش "الأعمال الجديدة" لشركة إل سي آي، وهو مقياس رئيس لربحية البوالص الجديدة. بينما تجاوز هامش أكبر أربع شركات للتأمين 20 في المائة في النصف الأول من العام المالي 2022، بلغ هامش شركة إل آي سي 9.3 في المائة فقط، وفقا لمصرف جيفريز الاستثماري.
لكن في الوقت نفسه، هناك إمكانية واضحة للنمو. تمثل إيرادات التأمين 4 في المائة فقط من الناتج الاقتصادي في الهند، ما يعد منخفضا مقارنة بالأسواق الكبيرة الأخرى، وفقا لشركة موديز. أدت الجائحة إلى زيادة الطلب على التأمين على الحياة والتأمين الصحي، كما قال محللون.
ينبغي لشركة إل آي سي أيضا الاستفادة من زيادة أعداد الأشخاص الذين يبحثون عن الادخار من أجل التقاعد باستخدام المنتجات المالية مثل الصناديق المشتركة والمعاشات التقاعدية. قال جيغنيش شيال، محلل في شركة إنكريد كابيتال، "عدد متزايد من الأشخاص يحولون الأموال من حيازاتهم التقليدية مثل النقود أو العقارات أو الذهب إلى منتجات مالية". أضاف أنه حتى إذا انخفضت حصة شركة إل آي سي السوقية، فإن "الشركة ستسمر بالنمو".
اتخذت الحكومة خطوات لتعزيز جاذبية شركة إل آي سي قبل عملية الإدراج، وذلك عبر مراجعة التشريعات التي تتطلب منها مشاركة 95 في المائة من الأرباح مع حاملي وثائق التأمين المؤهلين. الآن، ستكون شركة إل آي سي قادرة على الاحتفاظ بحصة أكبر من الأرباح، ما يتماشى بشكل أكبر مع أقرانها في القطاع الخاص.
يتوقع بعض المحللين أن شركة إل آي سي ستعمل بجدية أكبر لكسب المال مدفوعة بهذا التغيير وتدقيق المستثمرين الخارجيين. قال ديباك جاساني، رئيس أبحاث التجزئة في شركة إتش دي إف سي للأوراق المالية، "الإدراج يجلب كثيرا من الانضباط والإلحاح من جانب أي إدارة لمواكبة المنافسة. بعد إدراجها، ستطرح عليها أسئلة كثيرة من قبل المحللين (...) لذلك سيتعين عليها الاستعداد، وأن تكون أكثر ابتكارا، وأكثر ذكاء".
المصارف المشاركة في الطرح العام الأولي تقوم بتسويقها بقوة لمستثمري التجزئة، بما في ذلك حاملي بوالص التأمين الحاليين وموظفي شركة إل آي سي ووكلائها، الذين سيكونون مؤهلين للحصول على خصومات. تأمل نيودلهي أيضا في جذب المستثمرين الدوليين، والترويج للأسهم كرهان على ازدهار الهند المتزايد.
قال رئيس آسيا لشركة إدارة أصول دولية، "إننا مهتمون بالطرح العام الأولي. في السياق الهندي، يبدو الأمر منطقيا".
أضاف المسؤول التنفيذي في شركة إدارة الأصول أن بعض المستثمرين الأجانب نفروا بسبب ملكية الدولة لشركة التأمين، الأمر الذي جعلها بطريقة معينة "أشبه بالبيروقراطية" أكثر من كونها مؤسسة مالية مستقلة.
يجادل بعض المحللين بأن الطرح العام الأولي سيجلب مزيدا من الشفافية، حتى مع استمرار امتلاك الدولة 95 في المائة من الشركة. على الرغم من ذلك، تشير نشرة الطرح العام الأولي إلى أن شركة إل آي سي "قد تكون مطالبة باتخاذ إجراءات معينة لتعزيز أهداف الحكومة الاقتصادية أو تلك المتعلقة بالسياسات". تقول النشرة، إن المصالح الحكومية "يمكن أن تتعارض مع مصالح مساهمينا الآخرين".
قال المسؤول التنفيذي في مجال التأمين، "تبدو الشركة كأنها جهة مصرفية للحكومة في بعض الأحيان"، مشيرا إلى استثمارات شركة إل آي سي كاستحواذها على مصرف آي دي بي آي المتعثر في 2019. قال الشخص إن شركة إل آي سي أثبتت في غالب الأحيان أنها "منتقية ذكية للأصول، لكن الأمر المثير للقلق هو ’هل سيتم إجبارها على فعل أمر مشابه مرة أخرى؟‘".
بالنسبة إلى المستثمرين، يعد التقييم أيضا مجهولا كبيرا. عانت الأسهم في شركة بايتم للمدفوعات الهندية بعد إدراجها في العام الماضي. يتعلق السؤال بما إذا كانت السوق مستعدة للترحيب بطرح عام أولي على مستوى شركة إل آي سي.
سيكون التوقيت أمرا مهما. نيودلهي تريد أن يحدث الطرح العام الأولي بشكل سريع لإتاحة عائداته للميزانية الوطنية في العام المالي الحالي، الذي ينتهي في آذار (مارس). لكن بعد بداية واعدة هذا العام، انخفضت الأسهم الهندية إلى المؤشر الأحمر، بسبب بيع المستثمرين الأجانب بوتيرة قياسية. هناك مخاوف سوقية بشأن تداعيات الارتفاعات المتوقعة في أسعار الفائدة الأمريكية، في حين ارتفعت أسعار النفط تحسبا للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا - وهو مصدر قلق كبير لاقتصاد الهند المستورد للنفط.
لكن نيرمالا سيترامان، وزير المالية الهندي، تجاهل المشكلات المحتملة، قائلا إن الطرح العام الأولي "كان خطوة طال انتظارها وأنا سعيد لأننا توصلنا إليها (...)التقلبات الحالية لا تهمنا، ولا تشغل بالنا في سياق شركة إل آي سي".
مستثمرو التجزئة، على الأقل، لا يبدو أنهم فقدوا حماسهم - وهذا يشمل سانت.
قد يشتري معظم بوالصه من مكان آخر الآن، لكنه حريص على أسهم شركة إل آي سي، ويعتقد أن مشاركة الحكومة المستمرة هي سياسة بيعية. قال إن دعم الدولة يجلب "الأمان". "على الأقل لن تتجمد أموالك".