الإغلاقات الصينية تربك المشهد الاقتصادي العالمي في أسوأ أوقاته .. ستترك بصمات موجعة

الإغلاقات الصينية تربك المشهد الاقتصادي العالمي في أسوأ أوقاته .. ستترك بصمات موجعة
القدرة على التعامل مع تحديات كورونا ربما ينجح في بعض المقاطعات. "الفرنسية"
الإغلاقات الصينية تربك المشهد الاقتصادي العالمي في أسوأ أوقاته .. ستترك بصمات موجعة
الإغلاقات الصينية تربك المشهد الاقتصادي العالمي في أسوأ أوقاته .. ستترك بصمات موجعة
الإغلاقات الصينية تربك المشهد الاقتصادي العالمي في أسوأ أوقاته .. ستترك بصمات موجعة
الإغلاقات الصينية تربك المشهد الاقتصادي العالمي في أسوأ أوقاته .. ستترك بصمات موجعة

غطت الحرب الروسية الأوكرانية على العديد من الأحداث الأخرى في الاقتصاد الدولي، رغم أن بعضها ربما تكون له تداعيات كبيرة وخطيرة على مستقبل الوضع الاقتصاد العالمي برمته، وعلى أقل تقدير قد يؤدي لإرباك المشهد الاقتصادي المرتبك بالفعل ويزيد من تعقيداته.
ربما أبرز تلك الأحداث وأكثرها قلقا، ما يحدث في الصين حاليا، فقد أوقف العديد من الشركات متعددة الجنسيات عملياتها في الصين، ليس بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، ولكن بسبب وباء كورونا الذي يبدو أنه يلوح في الأفق.
وقامت حكومة بكين بتوسيع نطاق عمليات الإغلاق مرة أخرى بسبب الوباء، ووفقا لبعض التقديرات فإن عمليات الإغلاق الراهنة تعد من بين أكبر عمليات الإغلاق منذ بداية الوباء، ونتيجة لذلك فإن عشرات الملايين من الأشخاص في جميع أنحاء الصين يواجهون قيود الإغلاق من جديد، بما لها من انعكاس اقتصادي ليس فقط على الاقتصاد المحلي، وإنما أيضا على الاقتصاد الدولي نظرا لمكانة الصين الاقتصادية.
عمليات الإغلاق طالت مناطق حيوية في الصين، من بينها مقاطعة جيلين بأكملها ومركز التكنولوجيا شنتشن، بعد أن أبلغت السلطات عن أعداد قياسية من حالات الإصابة بالوباء، تلك الأوضاع دفعت السلطات إلى إخضاع جميع سكان الإقليم الشمالي الشرقي البالغ عددهم 24 مليون نسمة لأوامر الحجر الصحي، مع الأخذ في الاعتبار أن تلك هي المرة الأولى التي تفرض فيها الصين قيودا على مقاطعة بأكملها منذ إغلاق مقاطعة هوبي وعاصمتها مدينة ووهان في بداية الوباء.
ووصلت القيود المفروضة إلى حد منع سكان مقاطعة جيلين من التنقل، وعلى أي شخص يرغب في مغادرة المقاطعة التقدم بطلب للحصول على إذن بذلك، وجاء هذا القرار بعد إغلاق دام خمسة أيام لسكان مدينة شنتشن الجنوبية والبالغ عددهم 12.5 مليون نسمة، وتعليق جميع خدمات الحافلات ومترو الأنفاق، لكن التطور الأبرز والأكثر قلقا هو أن دائرة الوباء تتسع لتصل إلى مدينة لانجفانج المتاخمة للعاصمة بكين.
من جانبه، يرى الدكتور دي.إم سكوت أن ارتفاع معدلات الإصابة بوباء كورونا في الصين مرة أخرى، وسياسات الإغلاق الحكومي واسعة النطاق، ربما لم تأت في وقت أسوأ للاقتصاد الدولي من هذا الوقت.
ويقول لـ"الاقتصادية" إن "التطورات التي تشهدها الصين ستؤدي إلى تفاقم مشكلات سلاسل التوريد العالمية، وسلاسل التوريد تواجه بالفعل تحديات كبيرة حتى قبل ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس كورونا في الصين مجددا، وإذا لم يتم احتواء الوباء سريعا في الصين، فإن تقلص عملية الإنتاج وتعطل سلاسل التوريد يعني أن موجة التضخم العالمي سترتفع بشدة، وستترك بصمات موجعة للغاية ليس فقط على الاقتصادات المتقدمة، بل الأكثر صعوبة على الاقتصادات الناشئة والنامية".
ويرجح الدكتور دي.إم سكوت أن تسفر عمليات الإغلاق الحالية في الصين عن زيادة تكاليف شحن الحاويات، التي لا تزال مرتفعة للغاية، وتزاحم في سلاسل التوريد العالمية التي لا تزال تحاول الفرز من خلال التأخيرات المرتبطة بالوباء.
جزء من مخاوف عودة وباء كورونا للتفشي في الصين، يرجع إلى الدور المحوري الذي تلعبه بوصفها "حاضنة إنتاج" لمعظم الشركات الدولية، خاصة أن السلطات الصينية أخبرت معظم الشركات في المناطق المتضررة بضرورة إغلاق مصانعها.
وبالفعل أوقفت شركة فوكسكون التي تصنع هواتف أيفون لشركة أبل عملياتها في شنتشن، دون أن تحدد موعدا للعودة للإنتاج، وربطت ذلك بقرار السلطات الصينية، وقامت الشركة بتعديل خطط الإنتاج، لتقليل التأثير المحتمل لخفض الإنتاج، نتيجة إغلاق مصنعها، لكنها استفادت من أن لديها عدة مواقع إنتاج أخرى في الصين، خاصة أن مصنعها في تشنجتشو وهو أكبر مصنع في العالم لإنتاج هواتف أيفون، لا يزال مفتوحا ولم يتعرض لقيود الإغلاق.
أما شركة تويوتا لإنتاج السيارات، فأغلقت مصنعها دون تحديد جدول زمني لاستئناف العمل، وتبعتها في ذلك شركة فولكسفاجن الألمانية.
عمليات الإغلاق تلك تركت تأثيرات واضحة في مؤشر شنغهاي الذي انخفض بنسبة 5 في المائة، ومؤشر هانج سنج الذي انخفض بنسبة 6 في المائة وهو النظير الصيني لمؤشر ناسدك الأمريكي ويدرج فيه العديد من عمالقة التكنولوجيا الصينية.
مع هذا فإن بعض الاقتصاديين لا يزالون يبدون تفاؤلا بإمكانية السيطرة على الموقف، إذ ترى الدكتورة فيبي أوليفر أستاذة الاقتصاد الآسيوي في جامعة كامبريدج، أن الشركات الدولية في الصين كونت خبرة جيدة من الموجة الأولى لوباء كورونا، بما يمكنها من التكيف والتعامل مع الظروف الاستثنائية تلك.
وتوضح لـ"الاقتصادية" أنه "تلك المرة لا تعد الأولى التي تواجه فيه الشركات الصينية والدولية العاملة في الصين الإغلاق، كما أن عمليات الإغلاق الراهنة جرت في مناطق بعضها لا يعد ضمن مواقع الإنتاج الرئيسة، فالمقاطعات الثلاث الأكثر تضررا حاليا هي خنان وشنشي وتيانجين، وتحتل الاقتصاد الخامس والـ14 والـ23، على مستوى المقاطعات الصينية ـ ويبلغ إجمالي الناتج المحلي للمقاطعات الثلاث 1.5 ترليون دولار".
وتضيف قائلة "لكن الوضع يمكن أن يتغير تماما إذا امتدت عمليات الإغلاق لتطول مناطق مثل شنغهاي أو المناطق المحيطة بها، لأن تلك المناطق هي مراكز التصنيع الرئيسة للمنتجات التكنولوجية، وعلى الرغم من أنه تم إغلاق المدارس في شنغهاي وجزء من السكان البالغ عددهم 24 مليون نسمة يعملون من المنزل، إلا أن المصانع لا تزال تعمل ولم تغلق".
التفاؤل النسبي بقدرة الشركات الدولية في التغلب على تحديات الموجة الجديدة من وباء كورونا في الصين، لا تنفي تصاعد القلق بتأثير تلك التطورات في الانتعاش الاقتصادي للصين هذا العام ومن ثم في معدل النمو العالمي.
وفي الوقت الذي حقق فيه ثاني اقتصاد في العالم انتعاشا رائدا على مدار العامين الماضيين، هناك مخاوف متزايدة الآن بشأن آفاق نموه في العام الجاري بسبب المخاطر والتحديات السلبية الجديدة، وفي الواقع فإن صناع القرار الاقتصادي في الصين يدركون تلك الحقائق بشكل جلي.
وخلص مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي الصيني في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، إلى أن الاقتصاد الصيني لا يزال يواجه انكماشا في الطلب واضطرابات في العرض وتراجع في التوقعات، ومن ثم فإن عودة وباء كورونا وسياسات الإغلاق التي أسرعت بكين بتبنيها، تمكن من الجزم بأنها أكبر خطر على الاقتصاد الصيني في 2022.
بدوره، قال لـ"الاقتصادية" رينهولد ليجرينزي المحاضر في قسم الاقتصاد في جامعة لندن، إن "المراهنة على أن الشركات الكبرى ذات الطابع الدولي ستكون قادرة على التعامل مع التحديدات الناجمة عن انتشار وباء كورونا في بعض المقاطعات الصينية مجددا، ربما ينجح في بعض الأحيان وليس في الظروف كافة، وهناك مخاوف حقيقية من تأثير تفشي الوباء في أصحاب الأعمال الصغيرة، وجزء كبير من هؤلاء يقوم بإمدادات الشركات الدولية بالكثير من الأجزاء والمستلزمات المطلوبة للعملية الإنتاجية".
ويستدرك قائلا "هناك توقع واسع النطاق بأن النمو الاقتصادي الصيني سيتباطأ بشكل كبير هذا العام، وربما يكون أبطأ نمو للناتج المحلي الإجمالي منذ عقود، والقيادة الصينية تدرك ذلك، فالنمو المستهدف لهذا العام 5.5 في المائة، وهو أدني مستوى منذ ثلاثة عقود، والعام الماضي توسع الاقتصاد الصيني بنسبة 8.1 في المائة، لكن وتيرة النمو تراجعت بشكل حاد في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام".
مع هذا يرى الدكتور موهان تشترجي الاستشاري في عدد من المنظمات الدولية والخبير في الاقتصاد العالمي، أن انتشار وباء كورونا في الصين ليس هو الخطر الحقيقي على الاقتصاد الوطني والعالمي، وإنما المشكلة تكمن في السياسة الصينية الخاصة بكيفية احتواء المرض، وتعرف رسميا باسم "صفر كورونا"، فالصين وبخلاف الدول الغربية تريد التخلص التام من وباء كورونا وترفض التعايش معه باعتباره مرضا.
وقال لـ"الاقتصادية" إن "سياسة صفر كورونا تبدو الآن وبشكل متزايد عبئا اقتصاديا ليس فقط على الصين، وإنما على الاقتصاد الدولي ككل، فسياسة الاحتواء كانت جيدة في الموجة الأولى عندما ظهر المرض، ولكن بعد التطعيم فإن تلك السياسة تقدم مخاطر أكثر من فوائدها، وباتت تشكل عبئا أكثر على الاقتصاد العالمي، وتؤثر في الانتعاش الاقتصادي على الصعيدين المحلي والعالمي".
ويعتقد تشترجي أن وضع الصين باعتبارها مصنع العالم لا يتحمل القيام بعمليات إغلاق مستمرة كلما انتشر الوباء في مقاطعة ما، لأن ذلك يعني توقف عجلة الإنتاج، وفي ظل انخفاض المخزون العالمي من العديد من السلع الاستراتيجية أو حتى قطع الغيار ومستلزمات الإنتاج، فإن ذلك يسبب موجة تضخمية عنيفة، يمكن أن تسفر عن ركود اقتصادي نتيجة تراجع الطلب العالمي، وهو ما يدفعه للقول إنه من المهم أن تجتاز الصين هذا التحدي، ليس فقط من أجل مصلحة الاقتصاد المحلي، بل أيضا لمصلحة الاقتصاد العالمي.

الأكثر قراءة