البعوض يزرع الورد
يكثر البعوض في هذه الأيام يحوم حولك. يقترب منك متجها نحو أذنك. تسمع طنينه ولا تراه، وأعتقد أن قربه الشديد يشعرك أن حشرة ضخمة تهاجمك، وعندما تلتفت لا تكاد تراها، وإذا حطت فوق جلد لا تشعر بها إلا حين تغرس نابها، إن جاز التعبير، في طبقات جلدك وتمتص دمك ثم ترحل مخلفة ألما وسيلا من الشتائم لا يشفي الغليل.
وبسبب ما يخلفه البعوض من ألم وأمراض وإزعاج يسعى البشر إلى التخلص منه وقتله بشتى الطرق، وفي الواقع لا يمكننا قتل كل البعوض على الكرة الأرضية، ولو أردنا، ليس لكثرة أنواعه التي بلغت الآلاف، وإنما لأن عددا لا يستهان به من أنواعه لا تسهم في نشر الأمراض الخطيرة مثل الملاريا وزيكا وحمى الضنك والشيكونجونيا، بل تسهم في تقدم البشرية والنظام البيئي والحياة ككل وتقدم خدمات جليلة.
والغريب أن أنثى البعوض هي من تمتص الدم من الإنسان والحيوان على حد سواء لتحصل منه على البروتين اللازم للإخصاب ونضج البيوض، أما الذكور فبريئون من دمك براءة الذئب من دم يوسف، فالدم ليس غذاء البعوض، إنما غذاؤه نكتار الورد فينتقل من زهرة إلى زهرة، وبذلك يلعب دورا مهما في تلقيح النباتات عامة والورد خاصة والنباتات المائية، حيث يقضي هناك جل وقته.
وكما أنه ليس في الحياة شر محض فكذلك لدغ البعوض ليس كله شرا، فخلف ذلك الألم يكمن خير لا تعلمه، فالبعوض يملك فما شبيها بالمحقنة، وعندما يخترق محقن البعوض الجلد، يقوم بضخ كمية من لعابه داخله ليمنع تجلط الدم الممتص. يقول الباحثون إن كلا من "خرطوم البعوض واللعاب" مفيدان في البحث العلمي وتطوير أدوات الطب البشري، فحجم وأبعاد المحقن وطريقة اختراقه للجلد أسهم في أبحاث تصميم إبر أفضل وبألم أقل، ولعابه المحتوي على بروتين "الأنوفلين"، أدى إلى اكتشاف علاجات جديدة لتجلط الدم.
وأخيرا أسهم التصوير البطيء في منح المهندسين فرصة لرؤية كل حركة صغيرة لجناح البعوض، ومن ثم دراسة التوافق بينها وبين حركة الساق ومعدل سرعة الجناح لتطوير طائرات دون طيار في خفة حركة البعوضة، كما تقوم يرقاته بتنظيف الماء عن طريق تناول النفايات البيولوجية والطفيليات، وبالتأكيد لا تجعل هذه العملية المياه صالحة للشرب، لكن لها فوائد في البحث حول مكافحة التلوث البيولوجي.
ويعد البعوض الغني بالبروتين وجبة رئيسة وأحيانا وجبة خفيفة لعديد من أنواع الحيوانات والطيور والحشرات ويساعد على ذلك تنقله في أسراب ضخمة.