«العراب» .. نسخة مطورة خصيصا لجيل اليوم
بمناسبة الذكرى الـ50 لعرضه، عادت تحفة فرانسيس فورد كوبولا المخرج العبقري المتجسدة في فيلم "العراب" The Godfather- لتتربع على عرش صالات السينما، التي اكتظت بعشاق أفلام المافيا والجريمة المنظمة، والذين ذهبوا بكل حماس وشوق لمشاهدة النسخة المطورة من الفيلم وفي ذاكرتهم أحداث عايشوا تفاصيلها مع واحد من أعظم الأفلام في تاريخ السينما العالمية، المصنف كثاني أفضل فيلم على مستوى التاريخ بعد فيلم Shawshank Redemption.
عندما أصدر فرانسيس فورد كوبولا المخرج الأمريكي المخضرم الحائز خمس جوائز أوسكار، وماريو بوزو كاتب السيناريو الإيطالي الأمريكي، فيلم "العراب" 1972. كان لرجال العصابات بالفعل شخصية بارزة في الفيلم، وكانت عبقرياتهما وعبقرية روبرت إيفانز المنتج والأب الروحي للفيلم هي إعادة ابتكار لهؤلاء المجرمين كسلالة نفسية مختلة.
وجاءت النسخة الجديدة بجودتها العالية، التي تم ترميمها تحت إشراف المخرج نفسه، لترسخ شخصية المجرم المحبب والمختل في الوقت نفسه، مستندة إلى إبداع طاقم الفيلم الذين فاجأوا العالم آنذاك بهذه التحفة الخالدة، التي عدت على نطاق واسع واحدة من أعظم الأفلام في كل العصور. وكعمل ملحمي، نجح الفيلم في رسم صورة مميزة لمجرمي المافيا، بشكل أكثر وضوحا وقوتهم الوحشية، باعتبارهم سلالة مختلة وقادرة، من خلال دراما نفسية عائلية، تقترن فيها أعمال العنف الدموية المرعبة، بطقوس الالتزام والاحترام الأسريين".
«أمير الظلام» وحبكة مستوحاة من أحداث حقيقية
تدور أحداث فيلم، من بطولة مارلون براندو وآل باتشينو، فى الفترة التي تمتد بين 1945 و1955، حول تحول مايكل كورليوني "آل باتشينو" من شخص عادي إلى زعيم مافيا عديم الرحمة، بينما تؤرخ أيضا عائلة كورليوني تحت زعامة فيتو كورليوني. لكن تكمن المفارقة الكبرى في أن شخصية دون "كورليوني" القوية، التي جسدها النجم مارلون براندو، استوحاها بوزو من شخصية والدته "ماريا"، المولودة في نابولي. حسب تصريحات صحافية سابقة لكاتب الفيلم الذي قال فيها "كلما تحدث براندو، كأني لا أزال أسمع صوت والدتي"، كما كشف الكاتب أن المشهد الذي تخلص فيه "فيتو" من المسدس في مداخن الأسطح، مستوحى أيضا من موقف حقيقي حدث مع والدته، "إذ ألقى أحدهم بندقيته في فوهة مدخنتنا، وأخذتها أمي وخبأتها له، حتى عاد واستعادها، وقال لأمي، هل ترغبين في سجادة؟ فأرسلت معه أخي ليحضرها، دون أن تعرف أنها مسروقة".
إبداع التصوير
أبدع ماريو بوزو الروائي وكاتب السيناريو الإيطالي الأمريكي، في تصوير دقيق لواقع الجريمة المنظمة في رواية "العراب" 1969، على الرغم من أنه لم يصادف رجل عصابات في حياته. ففي كتابه "أوراق العراب واعترافات أخرى"، قال يوزو "أشعر بالخجل من الاعتراف بأنني كتبت (العراب) بالكامل من خلال البحث، فلم أقابل قط رجل عصابات حقيقيا"، لكن روايته بِيع منها أكثر من 21 مليون نسخة حول العالم، وتحولت إلى ميلودراما المافيا التي أهدته جائزتي أوسكار.
ومن المعلومات المتداولة حول فيلم العراب الشهرة التي صبغت اسم جوردون ويليس المصور السينمائي، باعتباره "أمير الظلام"، بعد أن تعمد إضاءة معظم مشاهد الفيلم بشكل خافت، ليعكس الأحداث المظلمة التي تخيم على السيناريو. وقد أضفت تلك الإضاءة الخافتة القشعريرة المخيفة على "العراب" التي تبدأ في السريان من المشهد الافتتاحي، فنرى متعهد دفن الموتى يطالب الدون العجوز فيتو، بالانتقام من شابين اغتصبا ابنته.
4 ألاف ساعة عمل استغرقتها عملية ترميم النسخة المطورة
استغرقت عملية ترميم الفيلم ما يقرب من ثلاثة أعوام، وتمت تحت إشراف المخرج فرانسيس فورد كوبولا، للوصول إلى أفضل دقة ممكنة، إضافة إلى عملية ترميم البقع والتمزقات التي احتاجت إلى ما يقرب من أربعة آلاف ساعة وإلى عملية تصحيح الألوان التي استغرقت ألف ساعة تقريبا، في محاولة للوصول إلى نسخة أقرب إلى العمل الأصلي من قبل كوبولا وجوردون ويليس المصور السينمائي.
أسباب اختيار المخرج
لم يكن فرانسيس فورد كوبولا، مخرج الفيلم، الاختيار الأول لشركة باراماونت، حيث عرضت الشركة الفيلم على ما يقرب من 30 مخرجا آخر، لكنهم رفضوه جميعا. وفي تلك الأيام كان عمر المخرج لا يتعدى 29 عاما، كانت الفكرة المطروحة هي صنع الفيلم في مقابل مليوني دولار أو أقل، وكان كوبولا الأنسب لهذه المهمة، كونه مخرجا إيطاليا - أمريكيا، يمتلك - إلى حد ما - فهم العلاقات داخل الفيلم من منطلق جذور إيطالية داخل المحيط الأمريكي. وفي ذلك الوقت كان كوبولا أول طالب سينمائي يحصل على فرصة إخراج فيلم روائي طويل، بعد أن حقق نجاحا متواضعا في فيلم YOU'RE A BIG BOY NOW، وكان هناك جدل دائر في الأوساط السينمائية حول معدات جديدة خفيفة الوزن ومنخفضة التكاليف، وكان استوديو باراماونت مهتما بعمل نسخة رخيصة من الرواية.
في الواقع لم يسر كوبولا على نهج الرواية في أثناء تحضيره للفيلم، لكنه كسر التسلسل وعمل ملخصا بسيطا للأحداث، وكتب فكرته عن الحياة في الأربعينيات ثم بدأ في تصور صورة كل مشهد ونمطه. عندما تولى إخراج الفيلم قام بقص صفحات الرواية التي دون فيها ملاحظاته ولصقها بالترتيب في دفتره، ليتمكن من تحليل كل مشهد على حدة. يقول كوبولا في أحد حواراته "إنه لم يكن يعرف شيئا عن المافيا لكنه كان مفلسا وبحاجة إلى العمل على الفيلم، لذلك ذهب إلى المكتبة واختار ثلاثة كتب كلاسيكية حول المافيا لقراءتها".
عندما تشاهد الأجيال الجديدة الفيلم لأول مرة، لا يمكنهم أن يتخيلوا عدد المصادفات والمشاحنات التي حدثت ليخرج الفيلم في صورته النهائية. فقد كان الفيلم أشبه بـ"عنزة سوداء" في "باراماونت"، على حد تعبير كوبولا. لم يعجب الفيلم مجتمع هوليوود، ولم تعجبهم الفكرة ولم يحبوا كوبولا، ولم يقتنع منتج الفيلم بالنجم "آل باتشينو" لقصر قامته، كما اشترط جيف رئيس استوديو باراماونت ستانلي على النجم مارلون براندو للقيام بدور فيتو كورليوني، أن يخفض من أجره، وأن يتحمل أي تكاليف إضافية في حال عدم التزامه بالمواعيد، وأن يخضع براندو لتجربة أداء.
وعلى الرغم من تلك الأحداث والصعاب التي مر بها إنتاج الفيلم، إلا أن تلك الخلطة الفنية المثيرة التي صنعها كوبولا ومعه آل باتشينو ومارلون براندو والكاتب "بوزو" والمصور السينمائي جوردي ويليس، جعلت من فيلم "العراب" تحفة فنية متألقة في تاريخ السينما العالمية، لا تزال أصداؤها تدوي في ذاكرة الأجيال، وجاءت النسخة المطورة من الفيلم لتجذب أجيال اليوم أكثر من كلاسيكيات الأمس.