مالذي يروج له إعلان ’ميتا كويست 2‘؟

مالذي يروج له إعلان ’ميتا كويست 2‘؟

قبل بضعة أعوام، كنت جالسة في شقتي في وقت متأخر من إحدى ليالي يوم السبت، أشاهد مسلسل "بريكينج باد" بلا انقطاع. كانت الساعة الثالثة صباحا تقريبا، ولكني لم أستطع على ما يبدو أن أتوقف عن المشاهدة. في تلك اللحظة، انقطع التيار الكهربائي وغرقت في ظلام صامت. شعرت فجأة بالاكتئاب نوعا ما - ثم اتضح لي أن العالم المثير الذي كنت مغمورة فيه كان مجرد وهم.
انتابني شعور مشابه بالحزن عندما شاهدت آخر إعلانات الشركة المعروفة سابقا باسم "فيسبوك". حيث يظهر إعلان شركة ميتا، الذي تم عرضه خلال مباريات سوبر باول هذا الشهر، كلبا متحركا يؤدي أغنية من ثمانينيات القرن الماضي بعنوان "دونت يو فورجيت أباوت مي"، في مكان مخصص للألعاب بتصميم فضائي مع مجموعة من الأصدقاء الآليين المتحركين. لكن عندما يغلق "كويستيز"، يتفرق أعضاء الفرقة ويتم بيعهم لينتهي الأمر باستخدام الكلب كمجسم غير متحرك ليضحك عليه الناس في مختلف المواقف المهينة.
بعد إنقاذ الكلب من كومة من الخردة، ومن بين فكي ضاغطة القمامة، تم إحضاره إلى "بوزوورث سبيس سنتر" - وهو متحف يبدو أنه سمي على اسم كبير مسؤولي التكنولوجيا القادم إلى "ميتا" - ثم أعيد استخدام الكلب ليكون لافتة كلاب في "سبيس كافيه".
مع إغلاق المتحف ذلك اليوم، يضع شخص ما نظارة واقع افتراضي على رأس بطلنا الكلب ليجد نفسه يدخل في "هورايزون وورلدز"، وهي منصة الواقع الافتراضي الاجتماعية سريعة النمو من "ميتا" التي، لسبب ما، لا يمتلك أي شخص فيها أي أرجل. هنا، "يجتمع شمله" في العالم الافتراضي مع أصدقائه الذين يملكون أطرافا فقط، ويقومون بعدها بإعادة تشكيل فرقتهم الغنائية أمام جمهور افتراضي. في الواقع، ربما لا يزال الكلب يقف وحيدا في الظلام، لكن علينا أن نفهم من هذا، أنها نهاية سعيدة.
يبدو الإعلان وكأنه نقد لاذع لرأسمالية مشاهير التكنولوجيا - قد يأتي بإيحاءات من المسلسل التلفزيوني البائس "بلاك ميرور"، لمؤلفه تشارلي بروكر. مع ذلك، كما يتضح لنا، أنه عبارة عن فيديو ترويجي لنظارات الواقع الافتراضي الجديدة "ميتا كويست2"، التي تحتاج إلى شرائها من أجل الوصول إلى عالم الميتافيرس هذا، بأسعار تبدأ من "299 دولارا".
جعلني هذا الإعلان أطرح أسئلة كثيرة. ماذا سيحدث عندما يضطر كلبنا المحبوب إلى نزع جهاز الرأس مرة أخرى والعودة إلى كونه كلبا يستخدم كلافتة للكلاب؟ هل سيعود إلى حالة البؤس السابقة؟ هل سعادته الوحيدة الآن موجودة فقط في العالم الافتراضي الذي قدمته له "ميتا كويست2"؟ لن نعرف ذلك أبدا.
ما تروج له "ميتا" هنا، هو فكرة أنه لا يهم ما إذا كانت حياتك الحقيقية مروعة أم لا، لأنه مقابل 299 دولارا فقط يمكنك الهروب من هذا البؤس لتعيش في الخيال. لكن ما لا يشير إليه الإعلان، بالطبع، هو أنه كلما زاد الوقت الذي تقضيه في العالم الافتراضي، قل حتما الوقت المخصص للأشخاص الموجودين في العالم الواقعي - أو لفعل أشياء أخرى قد تفيد شخصيتك غير الافتراضية، مثل العمل، أو النوم، أو التمرين، أو التناسل أو حتى الانقطاع عن التكنولوجيا.
يبدو أن الرسالة هي، قد تكون حياتك الحقيقية مزرية، لكن لا تخف - يمكنك الحصول على حياة أخرى مزيفة. إذا كان الأمر كذلك، فهذا لا يمثل فقط رؤية مستقبلية قاتمة للغاية، بل أيضا يمثل رؤية راديكالية تماما، حيث يتم من خلالها إعادة ترتيب قيمنا بشكل أساس. في الغرب، من زمن الإغريق القدماء إلى العصر الحديث - من أفلاطون في كهفه إلى رواية "عالم جديد شجاع" للكاتب ألدوس هكسلي - تم قبول فكرة أن للواقع قيمة كمادة من أجل الإيمان، بغض النظر عن مدى قبح هذا الواقع أو سوئه.
الرضا بخيال بديل إنما ينظر إليه على أنه شر يجب أن نتجنبه بأي ثمن، لأنه إذا لم نر العالم كما هو، بكل ما فيه من فروق ومعاناة وحقائق غير مريحة، فكيف يمكننا إذا أن نأمل في تحسينه؟ مع ذلك، من خلال جهاز ميتا كويست 2، يقوم مارك زوكربيرج مؤسس فيسبوك - الذي يصر على شعار "ربط الناس ببعضهم" - بمحاولة إقناعنا بفعل ذلك.
يأتي كل هذا في وقت تخبرنا فيه "ميتا" أنها تهتم برفاهيتنا أيضا - حيث قدمت الشركة أخيرا ميزة "خذ استراحة" على "إنستجرام"، "لتمكين المستخدمين من اتخاذ قرارات مستنيرة حول كيفية قضاء وقتهم". هل ستظهر تحذيرات مشابهة في الميتافيرس؟ أم هل ستبعث برسائل تذكير لنا للعودة إلى الخيال؟
تشير التعليقات الموجودة أسفل إعلان "ميتا" على موقع يوتيوب إلى أن المستخدمين قد لا يكونون مستعدين تماما حتى الآن "للعيش في المستقبل"، على الرغم من كونها إحدى قيم شركة ميتا الجديدة. يقول أحد المعلقين، "لا شيء يجعلني أرغب في ترك جهاز كويست خاصتي، والذهاب إلى الخارج أكثر من هذا الإعلان التجاري". قد لا يكون معظمنا على استعداد لتسليم أنفسنا للعالم الذي يريد زوكربيرج بيعنا إياه. لكن حقيقة أن رجلا لديه مثل هذه القوة، والموارد والبيانات في متناول يده يعتقد أننا قد نكون مستعدين لذلك، هو أمر مثير للقلق في حد ذاته.

الأكثر قراءة