في معركة الحرية والحقوق المدنية .. المحافظون أقل ليبرالية مما يعتقدون

في معركة الحرية والحقوق المدنية .. المحافظون أقل ليبرالية مما يعتقدون

إذا كان العامان الماضيان قد أظهرا أي شيء فإنه في الاختيار بين السلامة والحقوق المدنية، سيختار "البريطانيون المحبون للحرية" الأول. تتحدث حكومة بوريس جونسون بأسلوب جيد حول الحرية ولكن، بداية من قوانين كوفيد إلى القيود الجديدة المفروضة على الحق في الاحتجاج، يبدو أن لديها غرائز مشابهة. فيما يتعلق بالنظام العام والسلامة العامة، فإن المحافظين أقل ليبرالية مما يعتقدون.
أحدث جبهة في هذه المعركة هي مشروع قانون الأمان على الإنترنت الوشيك، الذي صمم لمعالجة الأضرار المترتبة عن استخدام الإنترنت التي تتنوع من إمكانية وصول الأطفال إلى المواد الفاضحة إلى الخوارزميات التي تحجب المحتوى الزائف، والعنيف والمتطرف بشكل قوي. تقفز المملكة المتحدة مبكرا، حيث اتفق السياسيون من جميع الأطياف على أن عمالقة التكنولوجيا يعطون الأولوية للربح على ما يثير قلق عامة الشعب منذ أمد طويل. يبدو أنهم شاهدوا ذلك عاجزين بينما تقوم قوى التكنولوجيا بإعادة تشكيل المجتمع دون أيما رادع. مرة أخرى، الأمن العام له الأولولية.
جوهر مشروع القانون هو محاولة تحميل شركات التكنولوجيا الكبرى المسؤولية عن التحكم في المحتوى على مواقعهم. هناك جرائم جنائية جديدة للأفراد بما في ذلك الاتصالات التي تتسم بالتهديد، وتلك التي تهدف إلى التسبب في الأذى أو الإزعاج. يقتضي إثبات العمر لتصفح بعض أنواع المحتوى، على الرغم من أن آليات ذلك غير واضحة.
ستكتسب هيئة تنظيم الاتصالات في بريطانيا "أوفكوم"، الجهة المشرعة، صلاحيات للمطالبة بخطط من وسائل التواصل الاجتماعي الكبرى وشركات البحث حول كيفية تعاملها ليس فقط مع المواد غير القانونية، لكن بشكل أكثر إثارة للجدل، مع فئة المحتوى التي حددت على نطاق واسع باعتبارها "قانونية ولكنها ضارة" للأطفال أو البالغين. يمكن أن يشمل ذلك التنمر عبر الإنترنت أو الترويج باستخدام الخوارزميات لمحتوى كاذب أو خطير. وفي محاولة لبقائها سريعة الاستجابة، يمكن لنادين دوريس، وزيرة الثقافة، التوقيع على أحكام جديدة لتصبح قانونا أو تغيير المطالب من هيئة تنظيم الاتصالات دون موافقة برلمانية مسبقة "على الرغم من قدرة النواب على نقض هذه القرارات".
يريد التشريع في الوقت نفسه حماية حرية التعبير والمحتوى ذي "الأهمية الديمقراطية"، على الرغم من منعه لإزالة المخرجات من المؤسسات الإخبارية بشكل أساس. لكن على الرغم من أن أوليفر دودن، وزير الثقافة السابق، أمال المقترحات أكثر نحو حماية حرية التعبير، إلا أن دوريس ترى هذا أكثر من خلال منظور حماية الطفل. إحدى الحالات الفظيعة التي ما زالت تدور في أذهان أعضاء البرلمان هي انتحار المراهقة مولي راسل، التي ربما تكون خياراتها الأولية للمشاهدة قد عرضتها لطوفان من المنشورات التي تدور حول القلق وإيذاء النفس. مع ذلك، فإن شركة ميتا التي تملك "فيسبوك" تقاوم المطالب بنشر جميع البيانات ذات الصلة بالحادثة.
مشروع القانون يتسم بحسن نية ويحظى بتأييد واسع. تمت مناقشته أيضا منذ 2019. يقول أحد المطلعين على التشريع، "المملكة المتحدة هي أول من يفعل ذلك، لكن عاجلا أم آجلا عليك أن تفعل ما لا ترغب فيه. من غير الممكن أن تقف مكتوف الأيدي إلى الأبد". ينبع القلق من أن هذا قد يصبح مثل نموذج بريكست الخاص بجونسون، الذي يتمثل في القفز إلى المياه أولا ثم تعلم السباحة بعدها.
تحذر شركات التكنولوجيا من أن التشريع سيجمد الاستثمار في المملكة المتحدة. يشعر أعضاء البرلمان بالقلق من أن تكون الشرطة مفرطة في الحماس في تطبيق القانون. "قانوني لكن ضار" هو وصف واسع بضرورة الأمر، لكنه غامض أيضا. لا الدولة ولا شركات التكنولوجيا الكبرى هم الحكام المثاليون في تحديد المعلومات الكاذبة. يخشى آخرون أن تكون صلاحيات هيئة تنظيم الاتصالات غير كافية وأنه لا يوجد تركيز على الميتافيرس.
عندما كان الذين فقدوا حرياتهم من محطمي التماثيل أو المتظاهرين البيئيين، كانت الحكومة قابعة في منطقتها المريحة. قال شخص أصبح فيما بعد مساعدا في "داونينج ستريت": "يذهب الناس إلى العمل بأعداد أكثر من الذين يذهبون إلى الاحتجاجات". لكن هنا، يشعر بعض أعضاء حزب المحافظين بقلق أكبر، خوفا من "يقظة" عمالقة التكنولوجيا من استخدام القانون الجديد لاستبعاد الآراء ذات الميول اليمينية أو المثيرة للجدل.
من الواضح أن مشروع القانون يمكن أن يكون أفضل واكتساحه الواسع هو نقطة ضعف. ولدى لجنة التدقيق قبل سن التشريعات 25 صفحة من التوصيات بما في ذلك إدخال مزيد من المخالفات الجنائية، كما يفعل الوزراء، ورسم خط واضح منهم لما تفضل تسميته بالمحتوى "المنظم". دعت هيئة تنظيم الاتصالات، بدلا من السعي لاتخاذ إجراء، إلى قواعد ميثاق ملزم للممارسة وزيادة التركيز على سمات التصميم التي تنشر محتوى سيئا.
لكن من ناحية، فإن دعاة حرية التعبير على حق. يقود هذا المسار في اتجاه واحد فقط وستؤدي المخاوف الجديدة إلى فرض قيود جديدة. مع ذلك، قد يكون هناك مبالغة في هذه المخاوف. لكن مصدر القلق الأكبر هو أن مشروع القانون لا يفي بتوفير الحماية الإضافية التي يطالب بها العامة.
لكن لا يمكن لكل الشكوك أن تكون عذرا لمزيد من الركود. الضرر الأكبر يكمن في الاستمرار في التقاعس عن العمل. "لقد كنا نتحدث عن هذا الموضوع منذ أعوام وفي تلك الفترة لم تتحسن المشكلة، بل تفاقمت"، كما قال داميان كولينز، رئيس لجنة التدقيق.
لذا فإن مشروع القانون فيه عيوب ويحتاج إلى التشديد. لكنه قد يتعرض للمناقشة المكثفة والمفيدة عندما يقره البرلمان. لكن على الوزراء تجنب اتخاذ موقف دفاعي، وقبول أنهم سيخطئون في الأمور للتكيف بسرعة عندما تنحرف الأمور. سيكون من المفهوم أن يشعر كثير من الناس بالقلق من تفويض هذه الحكومة بهذه السلطات. من الأمور المشجعة أن دوريس المولعة بالقتال مالت نحو النبرة الجماعية للبرلمانيين التي تؤيد إنشاء لجنة دائمة لضبط التغييرات.
قد يكون مفيدا التشبيه بالقوانين العديدة للمصانع في بريطانيا في القرن الـ19، حينما كان كل منها يعتمد على آخر قانون في تنظيم الممارسات الصناعية، ولا سيما فيما يتعلق بتوظيف الأطفال وساعات العمل. تعرضت معظمها للمقاومة في كثير من الأحيان، مع إلقاء خطابات تنذر بنهاية العالم. لكن بمرور الوقت أعادوا ضبط توازن المجتمع. يجب التعامل مع مشروع قانون الأمان على الإنترنت على أنه الطلقة الأولى، مع ضمان إدخال تعديلات سريعة عندما يكون التوازن خاطئا.
غالبا ما تستخدم الشركات عبر الإنترنت مفهوم "الحد الأدنى من المنتجات القابلة للاستمرار" من أجل إطلاق خدمة ثم تكييفها بما يتماشى مع بيانات المستخدم. بالمثل، لن يتم العثور على النموذج التنظيمي الصحيح إلا في المشاركة الحية. ستفهم شركات التكنولوجيا الأمر بالتأكيد إذا توصل الوزراء إلى أن النهج الصحيح هو التصرف بسرعة وتنفيذ القرارات.

الأكثر قراءة