الخلاف حول البيانات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يختبر السيادة الرقمية

الخلاف حول البيانات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يختبر السيادة الرقمية

ما مدى استعداد الاتحاد الأوروبي لتأكيد سيادته الرقمية؟
الإجابة عن هذا السؤال لها آثار عميقة على بنية قطاع التكنولوجيا، وكذلك تدفقات البيانات العابرة للحدود التي تدعم بشكل متزايد النشاط الاقتصادي العالمي.
في أنقى صورها، تعني السيادة الرقمية إبقاء جميع البيانات الأوروبية في أوروبا، تحت سيطرة الجهات التنظيمية الأوروبية، وخاضعة للتخزين والمعالجة من قبل شركات تكنولوجيا المعلومات الأوروبية. قد لا تتحقق جميع هذه الشروط في كل الحالات، لكنه طموح بدأ يؤثر بشكل كبير في السياسة الرقمية للاتحاد الأوروبي.
أي شخص يشك في القرار ليس عليه البحث بعيدا، أنظر إلى مسودة قانون البيانات التي تم الكشف عنها في بروكسل هذا الأسبوع. وضعت آخر أهم تشريعات البيانات للكتلة، اللائحة العامة لحماية البيانات، معيارا جديدا صارما لحماية البيانات الشخصية. يستهدف قانون البيانات المعلومات غير الشخصية - وهي تدفقات البيانات التي يتم التخلص منها عبر خطوط الإنتاج الحديثة، وأساطيل النقل والمنازل "الذكية".
يسعى القانون المقترح إلى منح العملاء مزيدا من التحكم في كيفية استخدامهم لهذه البيانات. مثلا، سيكون لمالك غسالة "ذكية" الحرية في اختيار كيفية استخدام المعلومات التي يتخلص منها، ما يسمح له باختيار شركة مختلفة لمراقبة وإصلاح الغسالة بدلا من الشركة التي اشتراها منها.
إنها رؤية لسوق أوروبية داخلية أكثر انفتاحا للبيانات - لكنها معرضة لخطر أن تكون منعزلة بإحكام عن بقية العالم.
متطلبات القانون من الشركات لحماية البيانات من مراقبة الحكومات الأجنبية يمكن أن تجعل الأمور أكثر صعوبة بالنسبة إلى شركات التكنولوجيا الأمريكية، حتى لو قامت بتخزين ومعالجة جميع بيانات عملائها الأوروبيين في أوروبا. تعد المتطلبات جزئيا استجابة لقانون كلاود الأمريكي، الذي سهل على السلطات الأمريكية الوصول عبر الحدود للمطالبة بالبيانات التي تحتفظ بها الشركات الأمريكية في الخارج.
إن المخاوف من هذا القبيل لها بالفعل تأثير عملي. حيث واجهت شركة مايكروسوفت رد فعل عنيفا في فرنسا بعد أن حصلت على عقد للعمل كمزود سحابي لمستودع بيانات صحية حكومي جديد، لتتم إدارته داخل فرنسا. أيدت محكمة فرنسية حق الشركة الأمريكية للقيام بالعمل لكن تم اتخاذ قرار لاحقا بنقل العمل إلى مزود خدمة أوروبي على أي حال.
السؤال الآخر هو ما إذا كان سيتم إلقاء حواجز متعمدة لإعاقة شركات التكنولوجيا الأمريكية الرائدة. في شكله الأولي، من شأن قانون البيانات أن يحد من مدى استفادة "مراقبي المعلومات" - وهو المصطلح المستخدم في قانون الخدمات الرقمية للاتحاد الأوروبي للإشارة إلى هذه الشركات - من حريات نقل البيانات الجديدة التي يتم اقتراحها لشركات أخرى.
من وجهة نظر أمريكية، تبدو المقترحات مثل هذه دائما وكأنها سياسة صناعية مصممة لمساعدة أوروبا في دعم قطاع التكنولوجيا الخاصة بها.
على الأقل عندما يتعلق الأمر بالتقاتل على البيانات الشخصية، هناك مبرر أقوى للضوابط. من المفهوم أن ترغب الحكومات الأوروبية في حماية مواطنيها من أعين السلطات الأمريكية المتطفلة - خاصة بعد المعلومات التي كشف عنها سنودن عن المراقبة الرقمية واسعة النطاق. مع ذلك، توجد أسباب أقل لإقامة سياج جغرافي حول البيانات الصناعية.
أحاط مروجو المبادرة عن أهدافهم بنوع من السرية. ففي معرض حديثه مع "فاينانشال تايمز" الشهر الماضي، قال تييري بريتون - عضو لجنة الاقتصاد الرقمي في الاتحاد الأوروبي، والرئيس التنفيذي السابق لشركة أتوس الفرنسية لتكنولوجيا المعلومات - إن الهدف هو "إعداد أنفسنا بحيث يتم استخدام البيانات من أجل الأوروبيين، من قبل الأوروبيين وبقيمنا".
لا يزال مشروع قانون البيانات بعيدا عن أن يصبح قانونا معتمدا. يهدد حاليا، الإلحاح المستمر للتدخلات من قبل المنظمين الوطنيين في أوروبا، بموجب قواعد الخصوصية للنظام الأوروبي العام لحماية البيانات، بإبطاء عمليات نقل البيانات عبر المحيط الأطلسي.
في وقت سابق من هذا الشهر، قضت هيئة تنظيم البيانات الفرنسية بأن موقع جوجل أناليتيكس لم يعد بإمكانه إرسال بيانات حول مستخدمي الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة، مرددا صدى قرار هولندي سابق.
في أكبر وأهم حالة من نوعها، قال مسجل البيانات الأيرلندي هذا الأسبوع إنه أكمل مسودة أمر لمنع شركة ميتا العملاقة للشبكات الاجتماعية من إرسال بيانات مستخدميها في الاتحاد الأوروبي عبر المحيط الأطلسي. أدى هذا التهديد الذي يلوح في الأفق بالفعل إلى أن تحذر الشركة في الإيداعات التنظيمية من أنه في ظل الوضع الحالي، من "المرجح" أن تضطر إلى إغلاق خدمات فيسبوك وإنستجرام في أوروبا.
يعمل المفاوضون الأمريكيون والأوروبيون على حل وسط من شأنه أن يحبط مثل هذه التهديدات، مع توقع التوصل لاتفاق بحلول منتصف العام. لكن التنازلات السابقة مثل هذه تم رفضها من قبل المحاكم الأوروبية، ويبدو أن التحدي القانوني من المدافعين عن الخصوصية في أي صفقة جديدة هو أمر لا مفر منه.

الأكثر قراءة