الحكمة ضالة المؤمن
حين نتحدث عن الحكمة فنحن نبحث في توجه عام جديد ينتشر هذه الأيام مع اعتقاد الناس ببلوغهم أعلى درجات المنطق والعقلانية فيما يتعاملون به وما يمارسونه من أنشطة وما يخططون له في مستقبلهم. لعل الاعتقاد الذي سيطر على تفكير كثير من المبادرين في المجتمعات أدى إلى أفكار واستنتاجات غير ملائمة لقدرات البشر سواء في حالهم اليوم أو قادم أيامهم.
لا بد من التذكير بأن الطفرات التقنية التي تحدث في عالمنا اليوم مختلفة تماما عما كان مسيطرا في أزمان سابقة، وقد يكون المنطق الذي حكم نهايات أمم سبقتنا مهما اليوم لإعادة تقويم ما يتداوله كثيرون من محاولات الخروج عن المألوف وإيجاد نشاطات وقدرات خارقة للطبيعة، يذكيها الاعتقاد الذي يؤمن بعدم وجود حدود لما يمكن عمله أو تحقيقه من الأهداف.
هنا نعود إلى واقع الناس وما نشاهده يوميا من النصائح والحكم التي يحاول الكبار إقناع المجتمع بها، وهم كانوا أول رافض لها في سابق عهدهم. يقول أحدهم، "عندما اكتشفت أن أبي على حق، أصبح ابني يرفض كل ما أقول باعتباره غير ملائم لعصره". هذه حال أغلبنا في البيئة الحديثة التي تشكك في كل شيء وتلزم الجميع بإيجاد الطرق الخاصة بهم. المؤسف أن هناك نظريات إدارية تؤسس لهذا، لكنها لا تؤكد القيود التي يجب أن نعتمدها في التعامل مع العالم من حولنا.
كلنا يتابع ما تحمله وسائل التواصل من القصائد والخطب المنبرية والوسوم المختلفة التي يحاول كل من يرسلها أن يضع فيها من الحكمة ما ينفع الآخرين، أو ينبئهم بما مر عليه من المواقف وكيف تكونت قناعات معينة عنده. هذا التوجه الذي يسيطر اليوم، قد يصبح من الماضي وهو يجد منصاته في فئات عمرية مرتفعة نفقد منها كل عام جزءا، لتتحول المؤثرات إلى حالة من الابتعاد التدريجي عن الماضي، ليصبح يومنا ماضيا للقادمين، لكن إلى متى؟ هذا هو السؤال الأهم.
لعل من الملائم أن نذكر هنا أن حالة الدفء المجتمعي والعلاقة الحميمة التي عاشتها المجتمعات السابقة وبقي منها نزر يسير، هي الضالة التي يبحث عنها كثيرون ممن يعيشون حالة الفقد لما تمتعوا به في السابق، ولعل الجهود البلدية في إعادة الدفء للمجتمعات من خلال الاهتمام بذوي الحكمة ومنحهم الفرصة للقاء والتواصل، تبقي لنا بعض الحكمة التي هي ضالة المؤمن.