روسيا تهدد الغرب بهجمات "بيرل هاربور سيبرانية"
بعد فترة وجيزة من ثورة الميدان التي أطاحت بالرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش في 2014، أجريت محادثة مع معلق روسي في موسكو. مرددا صدى جملة الكرملين المعتادة، قال إن خسارة روسيا لأوكرانيا كانت مأساة. لكنه أضاف في تصريحات خاصة أنه كان من الممكن أن يكون الوضع أسوأ لو "فازت" روسيا.
كانت حجته أنه إذا نجحت موسكو في دعم "النظام الدمية" نظام الحكم الذي تتحكم به قوى خارجية في كييف، فربما قد تنجرف روسيا إلى حرب أهلية، وتقاتل تمردا في غرب أوكرانيا وتواجه عقوبات من الخارج. ستكون روسيا مستنزفة الدماء والموارد والاحترام الدولي لأعوام قادمة. مثلما أدى تدخل موسكو في أفغانستان في 1979 إلى تفكك الاتحاد السوفيتي، فإن التدخل في أوكرانيا قد يعرض نظام الرئيس فلاديمير بوتين للخطر. نظرا للتدخل في أوكرانيا الذي بدأ صباح الخميس، فقد اقترب ذلك السيناريو من الواقع.
لكن ما هي التداعيات التي قد يخلفها التدخل الروسي على بقية العالم؟
تسبب هجوم موسكو بالفعل في ارتفاع أسعار الطاقة. وقد يؤدي إلى تهديدات ضد دول الناتو المحاذية لروسيا وبيلاروسيا. لكن أحد أكثر المخاوف التي تقشعر لها الأبدان هي أن الصراع الإقليمي من الممكن أن يتصاعد إلى مواجهة عالمية غير مرئية في الفضاء السيبراني. يمكن القول إن الحرب السيبرانية بدأت منذ أعوام وأصبحت الآن حالة دائمة في العالم الحديث حيث تتطلع القوى المتنافسة للتجسس على بعضها بعضا وسرقة الأسرار وتقويض البنية التحتية ونشر المعلومات المضللة. السؤال الوحيد المفتوح هو إلى أي مدى يمكن أن يصبح الوضع محتدما.
وصفت نيكول بيرلروث في كتابها كيف أصبحت أوكرانيا نقطة الصفر في هذه الحقبة الجديدة من الحرب السيبرانية حيث حاول المتسللون الروس باستمرار تقويض البلاد. منذ 2014، تعرضت جميع الوكالات الحكومية، واللجنة الانتخابية المركزية، وشبكات الكهرباء، والبنوك والمطارات في أوكرانيا لهجمات متفرقة.
خلال الشهر الماضي، قام المخترقون بتخريب 70 موقعا أوكرانيا تاركين وراءهم رسالة مفادها، "كن خائفا وتوقع الأسوأ". قبيل التدخل الروسي، استهدفت عديد من الوزارات والمصارف الحكومية الأوكرانية. عديد من المنظمات الغربية مكشوفة بشكل غير مباشر، وفقا لوزارة الخارجية الأوكرانية، أكثر من 100 شركة من أصل 500 شركة في قائمة فورتشن تستخدم خدمات تكنولوجيا المعلومات الأوكرانية.
لأعوام، كانت روسيا أكثر دول العالم نشاطا في القرصنة وقد طورت قدرات سيبرانية هائلة.
في تقرير الدفاع الرقمي لشركة مايكروسوفت، الذي نشر في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، نسبت 85 في المائة من جميع الهجمات السيبرانية الحكومية المنسوبة إلى روسيا خلال العام السابق. كانت الدول الثلاث الأولى المستهدفة هي الولايات المتحدة وأوكرانيا والمملكة المتحدة. جادل بعض المعلقين بأن الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن يواجه الغرب هجوم "بيرل هاربور سيبراني".
في حديثهم قبل هجوم الخميس، عد خبراء أمنيون غربيون أنه من غير المرجح أن يشن بوتين هجوما سيبرانيا هائلا ضد إحدى دول الناتو، لأن ذلك لن يؤدي إلا إلى رد فعل ضار. قال أليكس يونجر، الرئيس السابق لجهاز المخابرات السرية البريطاني، في منتدى "فاينانشيال تايمز" الأربعاء، "إن افتراض حدوث الأسوأ من المشكلة ليس مفيدا". أضاف، "الهجمات السيبرانية يمكن أن تكون مدمرة لكنها لا تقارن بصواريخ أرض - أرض التي تهبط على ضواحي كييف". كما أن التركيز على السيناريوهات السيبرانية المتطرفة قد يؤدي إلى تشتيت الانتباه عن الضرر المزمن الناجم عن سرقة الملكية الفكرية، وإضعاف الأفضلية الاستراتيجية والتهديدات الإجرامية التي يمكن معالجتها على أفضل وجه من خلال القيادة الحازمة ومستوى صحة الأمن السيبراني.
قال كيران مارتن، الرئيس التنفيذي السابق للمركز الوطني للأمن السيبراني في بريطانيا، إن أكبر التداعيات السيبرانية لأزمة أوكرانيا قد تأتي من التلوث العرضي أو تصعيد الهجمات الإجرامية الروسية. أشار إلى تجربة هجوم البرمجيات الخبيثة "نوتبيتيا"، التي أطلقت ضد أوكرانيا في 2017، والتي تسببت في أضرار اقتصادية تقدر بنحو عشرة مليارات دولار. عديد من الشركات الكبرى، بما في ذلك تعرضت ميرسك وفيديكس وميرك، لضربة شديدة. لكن روسنفت، شركة النفط الروسية العملاقة، سلطت الضوء أيضا على عشوائية هذه الهجمات وصعوبة السيطرة عليها.
حقيقة أن بوتين قد تدخل في أوكرانيا، مع تؤكد محدودية الأسلحة السيبرانية. في النهاية، لجأ الزعيم الروسي إلى القوة العسكرية الساحقة لتحقيق أهدافه في أوكرانيا. ليس من المنطقي بالنسبة له إثارة صراع أوسع مع الغرب من خلال شن هجمات سيبرانية. لكن للحرب طريقة في تشتيت المنطق. كما قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: "لن يكون هناك حروب خارجية في القرن الـ21".
* المدير السابق لمكتب "فاينانشيال تايمز" في موسكو