لمنتج آمن .. بالقانون والابتكار
يعد البلاستيك ثورة صناعية، اقتحم الأسواق العالمية، وسيطر على المشهد بمنتجاته الرخيصة غالبا، وهي قوية، وخفيفة، وقابلة للتشكل، ما جعلها تدخل في كل صناعة بدءا من السلع المنزلية، والمعدات الطبية، ومواد التعبئة، والتغليف، بل أخيرا أصبحت أوراقا نقدية، فهي منتجات مفيدة بلا شك، ويصعب جدا على العالم اليوم مقاومة إغراء استخدام هذه المواد، والعودة إلى أشكال أخرى تتسم بالندرة، وصعوبة التصنيع، والتشكل.
لكن مع هذه المزايا، فإن العالم اليوم يواجه خطر التلوث من المواد البلاستيكية، وهذا لم يعد مجرد فرضيات علمية، بل هي حقائق مرتكزة على أدلة علمية، ففي حين أن الآثار الصحية للبلاستيك لم تفهم بعد بشكل كامل، تظهر الأبحاث أن الأكثر شيوعا هو البلاستيك الدقيق، وهي جسيمات يصغر قطرها عن 4.75 ملليمتر، ويقدر العلماء أن هناك 14 مليون طن من هذه الجسيمات الصغيرة توجد في قاع المحيطات، فهذه المواد البلاستيكية لا تتحلل إلى مركبات أخرى، بل تذهب بشكل سهل عبر ممرات التصريف، لتنتقل بعد ذلك إلى البحار، ومن ثم تعود لتدخل منظومة السلسلة الغذائية للكائنات الحية عبر الأسماك، والمخلوقات البحرية، التي بدأت فعليا تتأثر بهذه السموم.
ووفقا لتقارير الصندوق العالمي للطبيعة هناك 700 نوع من الأسماك، والطيور، والحيتان، وجميعها تتضرر من البلاستيك أو تقوم بابتلاعه، وفي دراسة أخرى تبين أنه يدخل جسم الإنسان نحو خمسة جرامات كل أسبوع من جزيئات البلاستيك، من خلال هواء التنفس ومياه الشرب، وفي الأسماك والبحريات الأخرى. إضافة إلى ذلك يتسبب البلاستيك في خسائر تقدر بنحو 622 مليون دولار كل عام في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وحدها بسبب تكاليف النفايات والتنظيف، ما يؤثر في سبل عيش المجتمعات، التي تعتمد على السياحة.
ورغم هذه التحذيرات العلمية فقد تم بين 1950 و2015، إنتاج 8.3 مليار طن من البلاستيك على مستوى العالم، وارتفع إنتاج البلاستيك إلى 400 مليون طن كل عام، ومع توقع تضاعف إنتاج البلاستيك في الأعوام الـ20 المقبلة، فإن التلوث البلاستيكي سيزداد سوءا.
وانطلقت منذ عدة أعوام مفاوضات دولية من أجل الوصول إلى معاهدة عالمية ملزمة بشأن التلوث البلاستيكي، في إطار شامل تغطي جميع أنواع ومصادر هذا التلوث، بينما اتخذت 69 دولة حول العالم، إجراءات عدة تنوعت بين فرض حظر كامل على توزيع واستيراد الأكياس البلاستيكية، وكذلك إجراءات لتحسين إدارة النفايات، إلى تقييد الاستيراد، والحد من تصنيع وبيع واستخدام والتخلص من مواد مختارة من البلاستيك، والبلاستيك الدقيق، وفرض ضرائب وقيود على بعض المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد.
كما أن هناك أكثر من 40 اتفاقية وآليات أخرى من بينها حوارات جنيف للتلوث البلاستيكي، وهي سلسلة من المناقشات حول مختلف القضايا المتعلقة بالبلاستيك تنظمها شبكة البيئة في جنيف، إلى جانب اتفاقيات بازل وروتردام واستكهولم. لكن مع هذه الجهود فقد حذرت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أخيرا من أن إعادة تدوير البلاستيك لم تزل عند أقل من 10 في المائة من الكمية المنتجة منه في العالم، بينما تم حرق الباقي أو انتهى به المطاف في مدافن النفايات. لعل الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة الضعيفة في مواجهة قضية أجمع العالم على خطورتها، وهو ما أشار إليه مدير مركز القانون البيئي الدولي، الذي أوضح أن هناك ثغرات في الأطر القانونية الحالية، فضلا عن الافتقار إلى التنسيق بين مختلف الوسائل وأن معاهدة عالمية شاملة يمكن أن تعالج مثل هذه القضايا.
من الأسباب كذلك، وفقا لمنظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد"، أن تجارة البلاستيك تشكل ما لا يقل عن 5 في المائة من قيمة التجارة العالمية، بقيمة تتجاوز تريليون دولار، وفق آخر الإحصائيات، فكل اقتصاد تقريبا يشارك في قطاع البلاستيك بطريقة أو بأخرى، إما كمصدر أو كمستورد، فمن الصعوبة بمكان تحقيق تقدم كبير في هذا المستوى من التبادل التجاري.
ووفقا لتقارير منظمة التجارة العالمية، فإنه بين 2009 و2018 لم يحرز تجار التجزئة، وشركات السلع الاستهلاكية تقدما في جعل مزيد من عبواتهم البلاستيكية قابلة لإعادة التدوير، حيث لا يزال حجمها يقتصر على 6 في المائة من مجمل المواد المستخدمة، ومن أهم الأسباب كذلك أن هذه المنتجات القابلة للتدوير ذات تكلفة أعلى.
الحل نحو بناء تحالف دولي جاد لمكافحة تلوث البلاستيك يعتمد على شقين، الأول قانوني من خلال التوصل بشكل سريع لمعاهد ملزمة تغطي كل الجوانب، وتكون فيها مسؤولية المنتج موسعة في إدارة النفايات، مع فرض قيود مشددة على الاستخدام. أما الشق الثاني فيكمن في الابتكار من خلال دعم أساليب الاقتصاد الدائري للبلاستيك، مع تشجيع الابتكار العلمي لإنتاج بلاستيك ذي منفعة بيئية، حيث أشارت التقارير الاقتصادية إلى أن 1.2 في المائة فقط من الابتكارات المتعلقة بالبلاستيك ذات منفعة بيئية، وبالتالي، فإن العمل مطلوب لزيادة هذه النسبة بشكل مؤثر.