حقوق الإنسان «الرقمية»

حقوق الإنسان «الرقمية»
حقوق الإنسان «الرقمية»
احترام الحقوق الأساسية على الأنترنت أو خارجه صميم ما يعنيه أن تكون إنسانا.

لم نكن بحاجة إلى ظهور جائحة ما لندرك أهمية الإنترنت، سواء في المعاملات التجارية أو الدراسة، أو التسوق، أو التواصل، أو البحث عن شريك، أو الحفاظ على شريان الحياة بين العائلات وبين الأصدقاء، لكن الوباء ذكرنا أنه عندما نتولى إدارة الإنترنت، ينبغي أن نتبع الطريقة الصحيحة في ذلك. ويكشف أسلوب إدارتنا للعالم الرقمي كثيرا عن هويتنا.
ولكن كيف؟ هذا ما تجيب عنه في هذا التقرير مارجريت فيستاجر، في استعراضها للتجربة الثقافية والاجتماعية الأوروبية في هذا المجال. فيستاجر نائبة الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية لأوروبا صالحة للعصر الرقمي، كما أنها تعمل مفوضة الاتحاد الأوروبي للمنافسة،
أولا، تقول فيستاجر من المهم أن نعرف على وجه التحديد ما نأمل في تحقيقه. فعلى سبيل المثال، نريد أن يتمكن الناس من الوصول إلى شبكات ميسورة التكلفة، واكتساب مهارات في مجال التكنولوجيا. ونريد أن تكون لدينا حرية اختيار البيانات التي نشاركها مع غيرنا، ومتى نشاركها، ومع من؟ ونريد أن نكون على دراية بالبصمة الكربونية للأجهزة اللوحية، وبمقاطع الفيديو التي نبثها. كما نرغب أن نتمتع بالحماية على شبكة الإنترنت بقدر الحماية نفسها التي نحظى بها خارجها. ونريد أن نكون قادرين على قطع الاتصال بالإنترنت.
يجب أن يكون بمقدور الجميع في أوروبا -وبقية العالم- الاعتماد على هذه المبادئ الأساسية. كما يجب أن يعلم الجميع أن هذه الحقوق موجودة وتستحق الحماية. وتقول الحكومات الوطنية، وأعضاء البرلمان الأوروبي، إضافة إلى 82 في المائة من الأشخاص في جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27، أنهم يريدون من المفوضية الأوروبية تحديد إطار عمل مشترك للحقوق والمبادئ الرقمية، وتريد تعزيزه أيضا.
والآن، هذا ما فعلناه بالضبط، إذ يضع الإعلان الذي اقترحته اللجنة للحقوق والمبادئ الرقمية، الذي صدر أواخر الشهر الماضي، الأشخاص في المقام الأول. إذ ينبغي أن تركز السياسات الرقمية على الإنسان، وأن تكون مصممة بحيث لا يبقى أحد وراء الركب. وفي وقت تضطلع فيه التقنيات الرقمية بدور بارز بصورة متزايدة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، نريد أدوات آمنة صالحة للجميع، وتحترم حقوقنا وقيمنا.
ومن هذا المنظور، قمنا بتجميع المبادئ والحقوق المقترحة في ستة فصول. أولا، يجب أن يكون للتكنولوجيا هدف جيد وهو خدمتنا، نحن الناس، نحن الذين نتمركز في جوهر التحول الرقمي. ويجب أن نكون قادرين على تحقيق تطلعاتنا ونحن على علم بأننا آمنون، وأن حقوقنا الأساسية ستحترم.
ثانيا، التضامن الاجتماعي هو المفتاح. ويجب أن يكون كل شخص قادرا على الشعور بالانتماء ويمكنه الاستفادة من أن يصبح أكثر رقميا. وهذا هو السبب في أن إطارنا المقترح يتضمن التزامات بشأن التعليم الرقمي، والاتصال، والخدمات العامة الرقمية. ويندرج أيضا الوصول الموثوق إلى الرعاية الصحية الرقمية في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي "الذي كان سيساعدنا إلى حد كبير خلال الوباء" في هذا الفصل.
ويركز الفصل الثالث على حرية الاختيار. إذ يجب ألا تحدد تقنيات الذكاء الاصطناعي قرارات الأشخاص مسبقا، ويجب أن تكون الخوارزميات شفافة، ويجب أن تكون عينات البيانات غير متحيزة إلى أقصى حد ممكن. وهذه المبادئ ضرورية ليس فقط لحماية حقوقنا، ووكالتنا الشخصية، لكن أيضا لحماية صحتنا وسلامتنا.
رابعا، يجب أن نضمن مشاركة واسعة النطاق في مجال العالم الرقمي. وهذا يعني بذل جهود لحماية ديمقراطياتنا، سواء من خلال وضع تدابير لحماية حرية التعبير أو قواعد ضد المحتوى غير القانوني أو المعلومات المضللة. ونريد أن يحفز النظام البيئي للمعلومات عبر الإنترنت النقاش الديمقراطي، وليس إيجاد فقاعات تصفية أو إثارة الانقسام والاستقطاب. وينبغي أن يكون لدى الناس إمكانية الوصول إلى مصادر متنوعة للمعلومات بلغة يفهمونها.
خامسا، تعد السلامة والأمن والتمكين من الأمور الحاسمة. إذ ينبغي أن يتمتع كل فرد بإمكانية الوصول إلى التقنيات، والمنتجات، والخدمات الرقمية الآمنة من الهجمات الإلكترونية، والمصممة لحماية خصوصية المستخدم. وينبغي بصورة خاصة أن نحمي أطفالنا من الجرائم التي ترتكب أو يسهل ارتكابها على الإنترنت.
وتكمن الأولوية النهائية في الاستدامة. إذ ينبغي أن نضمن وصول المستخدمين إلى المعلومات المتعلقة بالبصمة البيئية للتكنولوجيا، وينبغي علينا تعزيز التقنيات التي ستساعدنا في تحقيق أكثر ما نطمح إلى تحقيقه فيما يتعلق بالمناخ. ولحسن الحظ، تمتلك التقنيات الرقمية القدرة على مساعدتنا في خفض الانبعاثات أكثر مما تسببه، من خلال تمكين نماذج أعمال أكثر ابتكارا، وخدمات أكثر كفاءة، وإدارة أفضل للموارد.
وباختصار، يجسد إعلاننا أهم الأمور في الحياة اليومية للأوروبيين. ويتعلق الأمر بالتمكين، والمشاركة، وإمكانية الوصول، واستخدام الموارد والأمن. كما يتعلق أيضا باستخدام التكنولوجيا بطرق توحد الناس بدلا من تقسيمهم. ومن خلال توضيح هذه المبادئ والحقوق، لدينا نقطة مرجعية أوضح- مخطط للتحول الرقمي. وهذه هي الخطوة الأولى لواضعي السياسات الذين يطورون مبادرات جديدة، وللشركات التي تعمل على تطوير تقنيات جديدة.
ومن خلال مبادئنا الرقمية، نضع معيارا أوروبيا نأمل أن يرسخ مناهج مماثلة حول العالم- تماما كما فعلنا مع حماية البيانات وحقوق المستهلك. ويعقد عديد من شركائنا الدوليين مناقشات مماثلة، وعندما ناقشت أخيرا نهجنا في واشنطن العاصمة، كان بإمكاني أن أرى أن هناك كثيرا من القواسم المشتركة مع المقترحات في الولايات المتحدة بشأن قانون الحقوق الرقمية.
وليحظى هذا القانون بالرؤية التي يستحقها، نريد أن يتم التوقيع على الإعلان ربيع هذا العام من قبل رؤساء البرلمان الأوروبي، والمجلس الأوروبي، والمفوضية الأوروبية. ونعتزم أيضا تضمينه في مراقبتنا السنوية للتقدم المحرز نحو تحقيق أهداف الاتحاد الأوروبي الرقمية لـ2030، وسنستشير الأوروبيين حول اهتماماتهم وأولوياتهم الرقمية كل عام.
وعندما استطلعت آراء الأوروبيين قبل بضعة أشهر، خلصنا إلى أن ثمانية من كل عشرة أدوات رقمية تتوقع أن تجلب على الأقل عديدا من المزايا والعيوب. لكن نسبة كبيرة من المستجيبين "ما يقارب 40 في المائة" لم تكن على دراية بأن لديهم الحقوق الأساسية نفسها "حرية التعبير، والخصوصية، وعدم التمييز"، سواء على الإنترنت أو خارجه.
وتخبرنا مشاوراتنا أنها ستثير مشاعر الاستياء. فكلما ازدادت رقمنة مجتمعاتنا، احتجنا إلى زيادة الوعي بحقوقنا وإنفاذها عبر الإنترنت. ويجب أن يصبح إعلان الحقوق والمبادئ الرقمية هو تفكيرنا الافتراضي. كما ينبغي أن يدعم النهج المرتكز على الإنسان في التحول الرقمي في كل ما نقوم به. إن الأمر بسيط. وهو أن احترام الحقوق الأساسية، سواء على الإنترنت أو خارجه، هو في صميم ما يعنيه أن تكون إنسانا.

الأكثر قراءة