المستثمرون يستعدون لانسحاب البنوك المركزية من أسواق السندات
يستعد أكبر المشترين في أسواق السندات ليصبحوا بائعين، مع بدء البنوك المركزية التي اشترت تريليونات الدولارات من الديون منذ الأزمة المالية في 2008 بتقليص محافظها الاستثمارية الضخمة.
من المتوقع على نطاق واسع أن تطلق البنوك المركزية الرائدة مثل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا عملية "التشديد الكمي" في الأشهر المقبلة، ما يعقد توقعات مستثمري السندات الذين يصارعون بالفعل مع التضخم الجامح وشبح رفع أسعار الفائدة بشكل كبير هذا العام.
يمثل تشديد السياسة النقدية الذي يلوح في الأفق تناقضا صارخا مع تدابير الاستجابة لفيروس كورونا التي تم فرضها في أوائل 2020، حين خفضت البنوك المركزية حول العالم تكاليف الاقتراض إلى أدنى مستوى لها في التاريخ وأطلقت نوع برامج شراء الأصول على نطاق واسع التي تم استخدامها لكبح جماح الأزمة المالية العالمية قبل عقد من الزمان.
قال رالف بريوسر، الرئيس العالمي لأبحاث أسعار الفائدة في بانك أوف أمريكا، "سيتقلص حجم الميزانيات العمومية للبنوك المركزية عموما لأول مرة في التاريخ. وقد تجرب بعض البنوك المركزية أيضا بيع السندات بشكل نشط، حيث لا نملك أي خبرة أيضا".
أطلق بنك إنجلترا إشارة البدء بسياسة التشديد الكمي في وقت مبكر من هذا الشهر، قائلا إنه سيبدأ عملية التخفيض التدريجي لمخزون الدين البالغ 895 مليار جنيه استرليني، الذي اشتراه على مدار الـ13 عاما الماضية عن طريق وقف إعادة استثمار السندات الحكومية التي يحتفظ بها عند استحقاقها، وكذلك تخفيف عبء الشركات بمقدار 20 مليار جنيه استرليني. عندما ترتفع أسعار الفائدة من 0.5 في المائة في الوقت الحالي إلى 1 في المائة - ما تتوقع الأسواق حصوله خلال أيار (مايو) - فإن البنك المركزي البريطاني سيفكر أيضا في بيع السندات الممتازة بشكل نشط.
يقول مستثمرون إن من المرجح أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي عملية التشديد الكمي في وقت لاحق من هذا العام. قد يقدم مزيدا من التفاصيل حول خطط خفض ميزانيته العمومية البالغة تسعة تريليونات دولار في اجتماعه الشهر المقبل، حيث من المتوقع على نطاق واسع أن يرفع أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ بداية الجائحة.
الآن مع ارتفاع معدلات التوظيف والنمو، سيسمح تخفيض الميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي بسحب بعض الحوافز التي قام بضخها في بداية 2020 لدعم الاقتصاد الأمريكي.
تأتي هذه الإمكانية في الوقت الذي ترتفع فيه أسعار الفائدة أكثر بست مرات في الولايات المتحدة بحلول نهاية هذا العام، حيث يراهن متداولون على أن الاحتياطي الفيدرالي سيتحرك بشكل حاسم لكبح ارتفاع التضخم.
من المفترض أن ينضب مصدر كبير آخر للطلب على السندات، حيث من المتوقع أن يقوم البنك المركزي الأوروبي بالتخلي التدريجي عن مشترياته من الديون في وقت لاحق من هذا العام - على الرغم أنه من المعتقد أن التشديد الكمي للبنك المركزي الأوروبي لا يزال بعيد المنال.
في حين أن التوقعات بزيادات سريعة في أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا قد حركت الأسواق في الأشهر الأخيرة، يبدو أن السندات اتخذت إلى حد كبير التشديد الكمي بشكل طبيعي. تم بيع الديون طويلة الأجل، التي ينظر لها بشكل عام على أنها استفادت إلى حد كبير من برامج التسهيل الكمي، بشكل أقل حدة بكثير من السندات قصيرة الأجل، التي تتتبع من كثب توقعات أسعار الفائدة.
يعد بعض المشاركين في السوق أنها إشارة إلى أن أسواق السندات راضية بشكل ملحوظ عن احتمالية تراجع البنوك المركزية خطوة إلى الوراء.
كريج إنشز، رئيس أسعار الفائدة في شركة رويال لندن أسيت مانجمنت، "توجد السندات طويلة الأجل بشكل فاعل في حالة من المثالية غير الواقعية. هل قامت السوق بتسعير التشديد الكمي؟ كلا. يبدو أن الناس يركزون بشكل كلي على ارتفاع أسعار الفائدة ولا يفكرون في الميزانيات العمومية".
قال الاحتياطي الفيدرالي في اجتماعه في كانون الثاني (يناير) إن إجراء تخفيض كبير في ميزانيته العمومية "من المرجح أن يكون مناسبا". في مجموعة من "القواعد" التي طرحت في الاجتماع نفسه، قال الاحتياطي الفيدرالي إنه لن يبدأ بخفض حجم ميزانيته العمومية إلا بعد رفعه لأسعار الفائدة لكنه من ناحية أخرى لم يقل شيئا بشأن متى ستكون هذه الخطوة.
قال الاحتياطي الفيدرالي أيضا إنه يمكن أن يقلص ميزانيته العمومية بوتيرة أسرع مما فعل عندما نفذ التشديد الكمي أخر مرة خلال الأزمة المالية من 2008 إلى 2009. حينها، انتظر الاحتياطي الفيدرالي حتى 2017 للبدء – بعد عامين تقريبا من أول رفع لأسعار الفائدة.
بالنسبة إلى بعض المستثمرين، فإن موقف الارتياح لأسواق السندات تجاه بداية التشديد الكمي هو أمر منطقي.
قال سلمان أحمد، الرئيس العالمي للاقتصاد الكلي في شركة فيديليتي إنترناشونال، "إذا نظرت إلى قوة التسهيل الكمي، لم يكن الأمر يتعلق كثيرا بشراء البنك المركزي للسندات من السوق، بل الإشارة القوية التي أرسلها بأن أسعار الفائدة ستظل منخفضة لفترة طويلة. ينطبق الأمر نفسه على التشديد الكمي - ينبغي التفكير فيه من حيث ما يبينه لنا بشأن سياسة أسعار الفائدة".
بما أن الاحتياطي الفيدرالي لم يشر إلى أن تخفيض الميزانية العمومية هو بديل لرفع أسعار الفائدة - حيث أصر بشكل متكرر على أن أسعار الفائدة قصيرة الأجل تظل أداته الأساسية لترويض التضخم - تفترض الأسواق أن السياستين مكملتان لبعضهما بعضا، وفقا لأحمد. قال، "ستكون البداية المبكرة للتشديد الكمي إشارة إلى أن أسعار الفائدة سترتفع بشكل أسرع. ولن ينظر إليه على أنه بديل لسياسة أسعار الفائدة ما لم تخبرنا البنوك المركزية بذلك".
عبر المحيط الأطلسي، من المحتمل أن تقدم المملكة المتحدة دلائل مهمة حول كيفية استجابة الأسواق لارتفاع أسعار الفائدة المصاحبة للتشديد الكمي. حتى الآن، يبدو أن ارتفاع أسعار الفائدة المصاحبة للتشديد الكمي كان له تأثير أكبر بكثير، حيث كان أداء الدين طويل الأجل أفضل بكثير من السندات قصيرة الأجل في عمليات البيع المكثفة التي جرت هذا العام.
قال ستيفين ميجر، الرئيس العالمي لأبحاث الدخل الثابت في بنك إتش إس بي سي، "أنا متأكد من أن الاحتياطي الفيدرالي سيراقب المملكة المتحدة. إنها على الأرجح تجربة سيطرة مفيدة جدا. إذا نظرت إلى "العوائد المنخفضة طويلة الأجل في المملكة المتحدة"، المقصود هو أن هناك كثيرا من المشترين الراغبين إذا ابتعد البنك المركزي عن الطريق".