رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


بالرقمنة .. الاقتصاد يتغير ويتجدد

حتى منتصف عقد تسعينيات القرن الماضي، لم يكن مفهوم "الاقتصاد الرقمي" حاضرا فضلا عن تسميته. والسبب واضح، يتعلق فقط بوضعية الشبكة الدولية "الإنترنت" البدائية - إن جاز القول - وبطئها في أوائل العقد التاسع. كانت التعاملات على الإنترنت آنذاك تنحصر في الاتصالات الخاصة الفردية، قبل أن تعم الشبكة المتصفحات التجارية، التي تتوالد بصورة فلكية كل يوم. وكان لا بد من متصفح "متصفحات" يحاكي التشابك على الإنترنت، ليس من جانب واحد، بل من الطرفين. أي أن يكون متصفحا تفاعليا. في البداية كان بمنزلة نافذة للعرض "منتجات خدمات وغيرها"، إلا أنه صار أداة للعرض والطلب والتفاعل والتواصل التجاري في كل المجالات، بما فيها "مثلا" التعليم والعمل عن بعد حتى العلاج عن بعد، وغير ذلك.
الاقتصاد الرقمي ينمو بصورة كبيرة ومستمرة، سواء في أوقات الأزمات الاقتصادية العالمية أو في أيام الازدهار، وأثبت في الأعوام الماضية قدرته على رفع الإنتاجية البشرية، وخروج بعض الصناعات من السوق تأثرا به. بل بات أداة تتحدى وجود شركات كبرى تقليدية، باستثناء تلك التي عرفت مستقبل هذا الاقتصاد الواعد على الساحة العالمية. فتوسع نطاق الاقتصاد الرقمي يشمل بالطبع بالدرجة الأولى الدول المتقدمة وأغلبية الدول النامية، لماذا؟ لأن وصول سكان هذه الدول إلى الإنترنت عبر الأجهزة الملائمة لها، وتطوير شبكات الاتصال من خلال زيادة سرعتها، أصبحا متاحين. فنصف سكان العالم يمكنهم الوصول إلى التكنولوجيات المرتبطة بالإنترنت، وتصل نسبتهم "مثلا" بين مواطني الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية "تضم 38 دولة" إلى 80 في المائة.
ويرى خبراء أن الجانب الأهم من المنافسة الشرسة بين الولايات المتحدة والصين يرتبط بصورة أساسية بالاقتصاد الرقمي، عبر القدرة على تسريع الاتصالات من خلال الإنترنت، فضلا عن الجانب المتعلق بالبيانات التي تستحوذ عليها الشركات في هذا الميدان. وهو جانب له أهميته الاستثمارية، حتى الأمنية. فساحة البيانات تبلغ قيمتها حاليا 2.8 تريليون دولار، وهي ساحة تتسع على مدار الساعة، ولا سيما بعد أن أصبح الاقتصاد الرقمي يشمل كل أجزاء الاقتصاد الكلي، ومنها قطاعات التكنولوجيا والإعلام، والاتصالات، والتجارة الإلكترونية، والخدمات المصرفية، حتى قطاعات اقتصادية تقليدية مثل الزراعة والتعدين أو الصناعات، التي تتأثر بالتقنيات الناشئة. ولأن الأمر كذلك، فقد بلغت سوق الاقتصاد الرقمي في 47 دولة 32.6 تريليون دولار في 2020، بزيادة سنوية وصلت إلى 3 في المائة. مع ضرورة الإشارة إلى أن الناتج الإجمالي العالمي بلغ نحو 94 تريليون دولار في العام الماضي.
تتصدر الولايات المتحدة وبعدها الصين المشهد العام للاقتصاد الرقمي. ويبدو هذا طبيعيا، لأنهما أوليتا هذه الساحة أهمية كبيرة، وشجعتا الشركات والخبراء على مزيد من الابتكارات. هاتان الدولتان تستحوذان في الواقع على 94 في المائة من إجمالي تمويل الشركات الناشئة في مجال الذكاء الصناعي، و70 في المائة من كبار الباحثين في هذا المجال. ما يعني أن بقية الدول "بما في ذلك أوروبا" قد تجد نفسها "وفق الخبراء" في مواقع ثانوية في ميدان يتسع وينمو بسرعة فائقة، إلى درجة أنه غير بالفعل مفهوم الملكية والاستثمارات في ساحة البيانات والتكنولوجيا، فضلا عن الساحات الأخرى ذات الصلة. فالمفاهيم الاقتصادية التي سادت القرنين الماضيين، ربطت بين الملكية المادية والثراء، لكن الأمر بات متغيرا على الساحة الآن، وهو يتغير أيضا بسرعة مستمرة ومتوالية في ظل الاقتصاد الرقمي.
ورغم كل هذا النمو السريع للاقتصاد الرقمي، إلا أنه لا تزال هناك قوانين قديمة وتقليدية معمول بها مبنية على المفاهيم الاقتصادية السابقة، أي أن هذا الاقتصاد يحتاج أيضا إلى بعض الوقت من أجل قوانين شاملة متجددة تتماشى مع تطوره ونموه وابتكاراته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي