الملاريا تقدم درسا في تطعيم الأطفال ضد كوفيد

الملاريا تقدم درسا في تطعيم الأطفال ضد كوفيد

تعرف الفرضية بشكل فضفاض باسم "التأثير الارتدادي". إذا كان الأطفال في المناطق المعرضة للملاريا محميين من المرض في بداية حياتهم، فهل يفشلون في بناء مناعة كافية في مرحلة البلوغ ويصبحون أكثر عرضة للإصابة لاحقا؟
تشير دراسة نشرت الأسبوع الماضي في مجلة "نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسين" إلى أن التأثير الارتدادي بالنسبة لمرض الملاريا على الأقل يعد خرافة. أظهر الأطفال والرضع الذين ينامون بانتظام تحت ناموسيات معالجة بالمبيدات الحشرية في المناطق الريفية في تنزانيا ميزة كبيرة في البقاء على قيد الحياة حتى مرحلة البلوغ مقارنة بأقرانهم غير المحميين. يضيف هذا الاكتشاف تفاصيل أكثر عن صورة سطحية مدهشة لكيفية بناء الأطفال للمناعة في عالم غني بمسببات الأمراض، يشمل الآن فيروس كوفيد- 19. كما يؤكد البحث قيمة افتراضات اختبارات الإجهاد في العالم الحقيقي.
تعود نشأة الدراسة حول الناموسيات إلى أكثر من عقدين من الزمن، عندما جمع الباحثون من معهد إيفاكارا الصحي في تنزانيا بيانات عن نحو 6700 طفل ولدوا بين 1998 و2000. عندها وجدوا أن الناموسيات المعالجة بمبيدات الحشرات تقلل من خطر وفاة الأطفال من أي سبب 27 في المائة "لأن عدوى الملاريا تضعف المناعة ضد الأمراض الأخرى".
لكن الباحثين ظلوا منزعجين من احتمال حدوث التأثير الارتدادي، الذي ظهرت مؤشرات عليه في أماكن أخرى: الأطفال الذين تلقوا عقاقير وقائية مضادة للملاريا، شبيهة بتلك التي يتناولها السياح أو اللقاحات، بدوا أكثر عرضة للإصابة بالمرض في وقت لاحق. أثار ذلك قلقا من أن الأطفال الرضع الذين ينامون تحت الناموسيات كانوا ببساطة يراكمون على أنفسهم دينا كئيبا من المناعة يتعين عليهم دفعه في وقت لاحق.
لكن فريق البحث، ومعهم عالمة الأوبئة، جوانا شيلنبيرج، التي تعمل الآن في كلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة، قرروا تعقب الأطفال الذين ناموا تحت الناموسيات لمعرفة ما إذا كانت هناك بالفعل زيادة في الوفيات لاحقا. لكنهم وجدوا العكس. كان الأطفال الذين ينامون بانتظام تحت الناموسيات المعالجة أكثر نجاحا 43 في المائة للبقاء على قيد الحياة حتى سن البلوغ. كان ذلك بعد حساب التأثيرات المحتملة الأخرى، مثل التعليم الذي تلقاه الآباء والأمهات.
قالت شيلنبيرج، "كانت مجموعة البيانات هذه شديدة الفوضى وقمنا بتحليلها بكل الطرق الممكنة"، قالت ذلك وهي مسرورة بالنتائج لكن أيضا لأنه تم تتبع 89 في المائة من المجموعة الأصلية. أضافت، "بغض النظر عن الطريقة التي نظرنا بها إلى البيانات، فإن جميعها تروي القصة نفسها: فوائد مكافحة الملاريا في المراحل المبكرة من العمر، وفي هذه الحالة باستخدام الناموسيات المعالجة، تستمر عقدين من الزمن".
قال بيتر برودين، الاختصاصي في مناعة الأطفال في إمبريال كوليدج لندن، إن الدراسة أشارت إلى أن الناموسيات تحقق توازنا جيدا بين حماية الأطفال الصغار جدا من الأمراض الخطيرة، مع السماح بالتعرض المنخفض للبعوض الذي يكسب المناعة في وقت لاحق. وهذا يعكس، كما قال، الخطورة التي يتعامل معها الجهاز المناعي للرضيع في الأشهر القليلة الأولى، أن يكون مفتوحا بدرجة كافية للسماح للميكروبات بالدخول واستعمار الجسم "لأنه ضروري للصحة" ولكن أن يكون دفاعيا بدرجة كافية لإبعاد العدوى الخطيرة. حيث يأتي الدعم المناعي الإضافي في الأشهر الأولى من الأجسام المضادة لدى الأم.
يثير هذا الأمر الآن الجدل حول ما إذا كان يجب تطعيم الأطفال الصغار ضد فيروس كوفيد- 19. يشير بعضهم إلى أن المتحور أوميكرون الذي تقل حدته عن سابقيه، يمكن أن يعمل لقاحا طبيعيا. لكن برودين لا يتفق مع ذلك، فهو يعتقد أن التطعيم يوفر حاليا تعرضا أكثر أمانا وخضوعا للرقابة من العدوى وينطوي على مخاطر أقل من العواقب غير المقصودة، مثل ظهور المتحورات الجديدة.
قال، "عندما سئلت، اقترحت عليهم تطعيم الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين خمسة أعوام و11 عاما، بالنظر إلى الخطر الضئيل ولكن الحقيقي للإصابة بمتلازمة إم آي إس-سي "متلازمة الالتهاب متعدد الأنظمة عند الأطفال" والأعراض الطويلة للإصابة بكوفيد". أضاف، "لقد تم تطعيم ملايين الأطفال في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، لو كانت هناك آثار جانبية للقاحات، لكنا قد رأيناها الآن". ينبغي للقوانين الصادرة لإيقاف العمل بالعزل للمصابين والمخطط لها في المملكة المتحدة وسط معدلات عدوى عالية، أن تركز الانتباه من جديد على الحاجة إلى حماية الأطفال.

الأكثر قراءة