في عالم ما بعد كوفيد .. الجميع بحاجة إلى مراجعة سرعة النمو

في عالم ما بعد كوفيد .. الجميع بحاجة إلى مراجعة سرعة النمو
الهند في طريقها لأن تكون أسرع الاقتصادات الكبرى نموًا في العالم هذا العام.

طفرة ساخنة للنمو العالمي تتصدر عناوين أخبار مثيرة للقلق. الهند في طريقها لتكون "أسرع الاقتصادات الكبرى نموا في العالم"، وفرنسا تحقق "أقوى نمو لها منذ 52 عاما". يشير جو بايدن إلى أحدث بيانات النمو ربع السنوية باعتبارها دليلا على أن الاقتصاد الأمريكي ينمو "أسرع من الاقتصاد الصيني" للمرة الأولى منذ عقدين وأنه "أخيرا يبني اقتصادا أمريكيا للقرن الـ21".
مع الأسف، بدا 2021 جيدا للغاية فقط لأن كثيرا من الاقتصادات انكمشت بشكل حاد في العام السابق. وميض الارتداد هذا لا يخبر شيئا عن القرن الـ21. السؤال هو كيف يمكن أن تنمو الاقتصادات بسرعة بعد الجائحة، بمجرد أن تتلاشى الآثار الأساسية وإنهاء التحفيز. تشير الاتجاهات في التركيبة السكانية والإنتاجية إلى أنه من المرجح أن ينمو الاقتصاد العالمي بشكل أبطأ في العقد الحالي مقارنة بالعقد الماضي.
لمحة تاريخية توضح السبب. بعد الحرب العالمية الثانية أدت طفرة المواليد إلى مضاعفة النمو السكاني العالمي تقريبا إلى 2 في المائة، وهو ارتفاع تاريخي. تضاعف نمو الإنتاجية ثلاث مرات إلى نحو 2 في المائة، مدعوما بتكنولوجيات جديدة وطفرة استثمارية هائلة. مع زيادة عدد العاملين، وكل منهم ينتج المزيد، تضاعف نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى مستوى غير مسبوق، يقترب من 4 في المائة. كانت معجزة النمو في فترة ما بعد الحرب في ذروتها بحلول خمسينيات القرن الماضي.
في الثمانينيات ظهرت الشقوق والتصدعات. تراجعت معدلات النمو السكاني مع انخفاض معدلات الخصوبة. بدأ نمو الإنتاجية يتباطأ لعدد من الأسباب المثيرة للجدل. لكن ظهرت قوى جديدة للحفاظ على استمرار عصر معجزة النمو.
أولا، طفرة الديون. في ظل السيطرة على التضخم، يمكن للبنوك المركزية أن تخفض أسعار الفائدة إلى مستويات منخفضة قياسية، في حين سمح التحرير المالي بمزيد من الإقراض والاقتراض. ثانيا، ظهر توافق جديد في الآراء بشأن السوق الحرة فتح الحدود أمام التجارة والمال والعمال، وبعد ذلك البيانات. مدفوعا بالديون والعولمة، استمر الناتج المحلي الإجمالي العالمي في النمو بمعدل قريب من 4 في المائة.
الأزمة المالية في 2008 شكلت منعطفا رئيسا. تباطأت تدفقات التجارة والأشخاص وانهارت تدفقات الأموال. فقط تدفقات البيانات مستمرة في النمو. في دول العالم المتقدم، كثير من الأسر التي تضررت من الأزمة خفضت الديون. استمر إجمالي الدين في التضخم، مدفوعا بالحكومات والشركات، لكنه فعل ذلك بوتيرة أبطأ، ما وفر دفعة أضعف للنمو.
تراجع نمو الإنتاجية العالمية إلى 1 في المائة، حتى مع استمرار انتشار التكنولوجيا الرقمية الموفرة للعمالة. مع تباطؤ متوقع، بدأت معدلات المواليد المنخفضة في إحداث تراجع في معدل نمو السكان العاملين "الذين تراوح أعمارهم بين 16 و64 عاما"، لينخفض من 1.5 في المائة إلى نحو 1 في المائة.
لهذا السبب لم يتجاوز نمو الاقتصاد العالمي 2.5 في المائة سنويا في العقد الأول من القرن الحالي - وهي أبطأ وتيرة عقدية في تاريخ ما بعد الحرب. أثرت العوامل الأربعة 4Ds - انخفاض عدد السكان، وانخفاض الإنتاجية، وتراجع العولمة والديون - جميعها في النمو. أدت الجائحة إلى تضخيم تلك العوامل فقط.
تسبب الفيروس في تراجع معدل المواليد، وتراجع الهجرة، وموجة من حالات التقاعد، وترك الوظائف التي تزيد من ضغوط انخفاض عدد السكان على النمو. على الرغم من ارتفاع الإنتاجية عادة في بداية التعافي، إلا أنها استمرت هذه المرة في الضعف في كثير من الاقتصادات. دول عظمى، بداية من الولايات المتحدة إلى الصين، تتجه نحو الداخل أكثر وتؤيد "الاكتفاء الذاتي" على العولمة.
مع إنفاق الحكومات مبالغ طائلة لمواجهة عمليات الإغلاق الوطنية، وصلت الديون إلى مستويات عالية جديدة. لكن الآن، مع ارتفاع أسعار الفائدة، سيتردد المقترضون من جميع الأنواع في تحمل مزيد من الديون لدعم النمو. الأثر المتزايد للعوامل الأربعة يشير إلى استمرار الاتجاه نحو تباطؤ النمو.
ليست هناك دولة مثل جزيرة في معزل عن هذه الاتجاهات العالمية. الجميع بحاجة إلى إعادة النظر في مدى سرعة نموهم في العصر الجديد. الدول ذات الدخل المرتفع مثل الولايات المتحدة التي لا تزال تهدف إلى تحقيق نمو سنوي 3 في المائة ستكون محظوظة إذا ارتفعت 2 في المائة في هذا العقد. تحتاج الدول ذات الدخل المنخفض، مثل الهند، إلى خفض مؤشر النجاح لديها من 7 في المائة إلى 5 في المائة، أو تحسينه.
ما يزيد الأمر تعقيدا أن التضخم عاد مدفوعا بنقص مؤقت في الإمدادات وبرامج تحفيز ضخمة، لكن من المرجح أن يكون مستمرا من خلال تقلص القوى العاملة وارتفاع الأجور. مع عودة التضخم مرة أخرى، لن يشعر صناع السياسة بعد الآن بالقدرة على الحفاظ على استمرار النمو بجرعات ثابتة من التحفيز. سيحتاج المستثمرون، الذين اعتادوا على دعم البنوك المركزية للأسواق عند أول علامة على وجود متاعب، إلى فطم أنفسهم عن وسائل الراحة التي يوفرها الدعم المستمر من الدولة.
بدلا من تضخيم الارتفاع المؤقت في بيانات النمو، حان الوقت لإدراك أن عالم ما بعد الجائحة الذي شكلته العوامل الأربعة من المرجح أن يؤدي إلى تباطؤ النمو وارتفاع التضخم.

*رئيس منظمة روكفلر الدولية

الأكثر قراءة