هل يتعين على الاحتياطي الفيدرالي التعايش مع منحنى مقلوب؟
تشير أسواق السندات إلى قلق متزايد من احتمال أن يعرقل البنك المركزي الأمريكي التعافي من الوباء عن طريق المبالغة في رد فعله تجاه التضخم الحاد الذي يجتاح أكبر اقتصاد في العالم.
تراجعت السندات الحكومية الأمريكية قصيرة الأجل وسجلت انخفاضا حادا هذا العام، في عمليات بيع اكتسبت زخما بعد إصدار بيانات الأسبوع الماضي أظهرت ارتفاع أسعار المستهلكين في كانون الثاني (يناير) بأسرع معدل خلال أربعة عقود. انخفاض السعر أدى إلى ارتفاع العائد على سندات الخزانة لأجل عامين ـ التي تعد شديدة الحساسية لتوقعات السياسة النقدية ـ إلى 1.6 في المائة الإثنين، صعودا من 0.5 في المائة قبل ثلاثة أشهر.
ارتفعت كذلك عوائد الديون المستحقة على أعوام عديدة في المستقبل - عادة ما تكون مقياسا لتقييم المستثمرين لتوقعات النمو الاقتصادي - لكن بدرجة أقل من تلك الموجودة في الطرف الأقصر من النطاق.
كانت النتيجة "تسطحا" دراماتيكيا في منحنى العائد، كون الفجوة الضيقة بين العوائد قصيرة وطويلة الأمد معروفة. وتأتي هذه الخطوة في الوقت الذي يتوقع فيه المتداولون الآن أن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي بتقديم زيادات في أسعار الفائدة بنحو سبعة أرباع نقطة مئوية هذا العام في محاولته لتهدئة التضخم. ومع ذلك، فإن تسطح المنحنى يشير إلى أن المستثمرين يتوقعون أن تأتي هذه السياسة بنتائج عكسية من خلال تباطؤ الاقتصاد بشدة.
قال جورج سارافيلوس، الرئيس العالمي لأبحاث العملات في دويتشه بنك، "تتحرك الولايات المتحدة الآن بشكل أكثر تحديدا نحو بيئة مرحلة متأخرة حيث يتم إعادة تسعير توقعات بنك الاحتياطي الفيدرالي لأسباب سيئة"، مضيفا أن قيود العرض في الاقتصاد تغذي التضخم "ما يتطلب من البنك المركزي إبطاء النمو".
تقلص الفارق بين عوائد السندات لأجل عامين وعشرة أعوام إلى 0.4 نقطة مئوية الإثنين، وهو أضيق نقطة له على أساس الإغلاق منذ نيسان (أبريل) 2020، بعد أن انخفض بشكل حاد في أعقاب بيانات التضخم الأمريكية الأسبوع الماضي. قبل عام كان الفرق في هذين العائدين نحو 1.2 نقطة مئوية.
حتى إن أجزاء من منحنى العائد بدأت في الانقلاب رأسا على عقب، وعادة ما تكون هذه إشارة مشؤومة للتوقعات الاقتصادية للمستثمرين. مثلا، ارتفع عائد السبعة أعوام الإثنين فوق عوائد العشرة أعوام. يسلط هذا الضوء على التوازن الصعب الذي يتعين على بنك الاحتياطي الفيدرالي تحقيقه بين رفع أسعار الفائدة لترويض التضخم، وعدم التحرك بعيدا لدرجة تعيق التعافي الاقتصادي. الانعكاس الكامل للمنحنى - مثل انخفاض عائد العشرة أعوام إلى ما دون أسعار الفائدة قصيرة الأجل - كان في الماضي مؤشرا موثوقا للركود.
قال إدوارد الحسيني، محلل أسعار الفائدة في "كولومبيا ثريدنيدل"، "هذا وقت صعب للغاية بالنسبة إلى الاحتياطي الفيدرالي. قد يضطر إلى التعايش مع منحنى مقلوب لبعض الوقت للضغط على مخاطر التضخم".
على الرغم من أن منحنى العائد الثابت عادة ما يكون علامة على تباطؤ الاقتصاد، إلا أنه لا يوجد دليل على ذلك حتى الآن. سجلت الولايات المتحدة في وقت سابق من هذا الشهر نموا في الوظائف أعلى مما كان متوقعا في كانون الثاني (يناير) وتصاعدت أرقام التوظيف بشكل غير متوقع في كانون الأول (ديسمبر) وتشرين الثاني (نوفمبر). نما الاقتصاد الأمريكي العام الماضي بأسرع وتيرة سنوية منذ 1984.
يجادل بعض المستثمرين بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى ارتكبت خطأ من خلال التسامح المفرط مع التضخم، وهي تخاطر الآن بمضاعفة الخطأ من خلال التشديد السريع للغاية أثناء محاولتها اللحاق واحتواء التضخم. تحدد الأسواق الآن احتمالا كبيرا لأن يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بشكل غير عادي ويزيدها نصف نقطة مئوية في آذار (مارس).
قال مارك داود ينغ، كبير مسؤولي الاستثمار في "بلو باي آسيت مانجمنت"، "نعتقد أن ارتفاع 0.5 نقطة مئوية يمكن أن يضر أكثر مما ينفع حيث يمكن أن تراه الأسواق على أنه اعتراف ضمني بخطأ في السياسة، ما يتطلب من صانعي السياسة ضغط المكابح بشكل مفاجئ وزيادة مخاطر الركود في الأرباع المقبلة".
المعضلة الحالية ليست فريدة ولا تقتصر على الاحتياطي الفيدرالي وحده. في المملكة المتحدة، حيث رفع بنك إنجلترا بالفعل أسعار الفائدة مرتين، كان تسطح منحنى العائد أكثر دراماتيكية. يتوقع المتداولون ست زيادات في أسعار الفائدة هذا العام، على الرغم من آفاق النمو الأضعف مقارنة بالولايات المتحدة.
الفجوة بين عائدات عامين وعشرة أعوام هي فقط 0.09 نقطة مئوية، بينما منحنى العائد مقلوب في عدة أماكن. عوائد السندات لأجل ثلاثة أعوام، عند 1.48 في المائة، أعلى من عوائد السندات لأجل 50 عاما.
في نهاية المطاف، كما يجادل بعض المحللين، قد يحتاج محافظو البنوك المركزية إلى الاختيار بين كبح جماح التضخم وإبقاء التعافي على المسار الصحيح.
قال جورج جونكالفيس، رئيس استراتيجية أسعار الفائدة الأمريكية في "إم يو إف جي"، "إذا تمكن بنك الاحتياطي الفيدرالي من محاربة التضخم على المدى القصير، لكن بالمقابل أدى ذلك إلى ركود، فإنه يكون قد حافظ على مصداقيته، وأبقى الولايات المتحدة خارج عالم التضخم المصحوب بالركود".
"ومن ثم يجب أن تكون آفاق النمو الحقيقي في المستقبل البعيد أفضل. هذا مدى التفاؤل الذي يمكنني الحصول عليه في هذه المرحلة".