إدراج شركة آرم في بورصة ناسداك ضربة هائلة للندن

إدراج شركة آرم في بورصة ناسداك ضربة هائلة للندن
أسهم التكنولوجيا الـ37 التي تم طرحها في لندن العام الماضي انخفضت، في المتوسط، نحو العُشر من سعر إدراجها.

عندما انقضت شركة سوفت بنك قبل ستة أعوام على شركة آرم هولدنجز واستحوذت عليها مقابل 24.3 مليار جنيه استرليني، عارضت شركة بيلي جيفورد الصفقة. لكن مدير الصندوق الاسكتلندي فشل في حشد دعم كاف من زملائه المساهمين لرفض الصفقة، كما قال جيمس أندرسون، المدير المشترك لصندوق استثمار الرهن العقاري الاسكتلندي التابع لشركة بيلي جيفورد الذي تبلغ قيمته 20.7 مليار جنيه استرليني.
تم عقد الصفقة وتحولت آرم إلى شركة خاصة تابعة لمجموعة التكنولوجيا اليابانية. حزن أندرسون ومستثمرون آخرون على رحيل إحدى أنجح شركات التكنولوجيا في بريطانيا من مؤشر فاينانشيال تايمز 100.
هذا الأسبوع كانت شركة آرم ـ مقرها كامبريدج ـ مرة أخرى موضع بحث جاد عن النفس في حي المال في لندن. بعد انهيار عملية بيع بقيمة 66 مليار دولار لشركة نفيديا بسبب مخاوف المنافسة، أعلنت شركة سوفت بنك عن خططها لتجاوز المملكة المتحدة وإدراج الشركة المصممة للرقائق في بورصة ناسداك في نيويورك.
يعد قرار شركة سوفت بنك تصويتا بعدم الثقة في لندن. وهو يأتي في الوقت الذي تواجه فيه بريطانيا مخاوف عميقة بشأن قدرتها على إنشاء أبطال تكنولوجيا محليين والاحتفاظ بهم في عالم ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويضاعف القرار الضغط على حكومة بوريس جونسون لتسريع إصلاحات تعكس التراجع الذي تشهده عمليات الإدراج منذ مدة طويلة.
مناقشة تعويم شركة آرم في بورصة ناسداك تمثل "ضربة محتملة هائلة" للندن، كما قال أندرسون، الذي جعلته رهاناته المبكرة على شركة فيسبوك وأمازون وتسلا أحد أنجح المستثمرين في العالم. "إنها مشكلة حقيقية لأنه إذا كانت لديك شركة التكنولوجيا البريطانية الكبيرة المتبقية التي يمكن إدراجها في لندن واخترت ألا تقوم بذلك، فإن فرصك في بناء نظام بيئي ومنح الناس الخبرة وامتلاك هذا الحضور تختفي إلى حد كبير".
ردد مسؤول تنفيذي كبير في شركة إدارة أصول بمليارات الدولارات صدى هذا القلق. قال: "لا تتعلق المشكلة الأكبر كثيرا بما إذا كانت الشركات تدرج أسهمها في لندن، بل بشكل أكبر إذا كانت الشركات تتشكل وتنمو هناك".
عانت الشركات العامة في المملكة المتحدة بسبب التقييمات المنخفضة منذ استفتاء بريكست عام 2016، بعد أن فوتت انتعاشا كبيرا في الكثير من الأسواق المتقدمة الأخرى، ما أغرى المستثمرين الناشطين ومشتري الأسهم الخاصة على حد سواء.
كان العام الماضي أفضل عام لبورصة لندن منذ عام 2007 فيما يتعلق بتمويل عمليات الطرح العام الأولية، حيث جمعت 16.9 مليار جنيه استرليني، وفقا لشركة ديلوجيك. لكن البورصات الرئيسية في الولايات المتحدة جمعت 14 ضعف ما جمعته المملكة المتحدة، فيما جمعت البورصات في الصين الكبرى – التي تضم بورصات البر الرئيسي وهونج كونج – أربعة أضعاف.
انخفضت الأسهم التكنولوجية البالغ عددها 37 التي تم طرحها في لندن العام الماضي نحو العُشر من سعر الإدراج في المتوسط، وفقا لحسابات بنك كوين الاستثماري الأمريكي.
بحسب مارك كيلي، المدير العام لبنك كوين، ليس فقط أن عددا أقل من الشركات اختارت الإدراج في لندن مقارنة بالولايات المتحدة "لكن أداء الأسهم الكبرى كان أسوأ (...) وهذه ليست إشارة رائعة بشكل خاص مقارنة بقطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة".
كانت هناك نجاحات مثل الطرح العام الأولي في أيلول (سبتمبر) لشركة الجينوم البريطانية، أكسفورد نانوبور، إلا أن التقلبات البارزة والفرص الضائعة هي التي تبقى في عقول المستثمرين. في آذار (مارس) من العام الماضي، خسرت شركة دليفيرو أكثر من ربع قيمتها في ظهورها الأول في بورصة لندن.
شركة جي بي بولهاوند، وهي مجموعة رأس مال مغامر مقرها لندن، استثمرت في شركتي ريفولت وكلارنا، جمعت الأسبوع الماضي 200 مليون يورو للاستحواذ على شركة صورية واختارت أمستردام للإدراج عوضا عن لندن.
في غضون ذلك، مجموعة التجارة الإلكترونية، تي إتش جي ـ كانت أضخم طرح عام أولي في المملكة المتحدة منذ عام 2015 عندما جمعت 1.9 مليار جنيه استرليني في طرح أسهمها عام 2020 ـ خسرت حوالي ثلاثة أرباع قيمتها منذ ذلك الحين وتواجه انتقادات متزايدة بسبب إدارة الشركة.
بالنسبة لكثير من المؤسسين، ليس هناك مجال للمقارنة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، حيث أسواق الأسهم أكبر وأعمق مع مجموعة شركات مشابهة أوسع، وحيث يحرر المستثمرون شيكات بمبالغ أكبر ويقدمون تقييمات أعلى لأسهم النمو.
قال مدير صندوق بريطاني متمرس: "أمريكا هي مركز رأس المال في العالم". أضاف، مشيرا إلى شركة آرم: "لماذا يتم إدراج أحد الأسهم الأكثر إثارة للاهتمام في حوض من رأس المال المتضائل؟ إذا كنت ترغب في الحصول على أعلى سعر له عندها بالتأكيد ستدرجه في البلد الذي يتمتع بالشهية الأعلى للمخاطرة؟".
يتجاهل آخرون أهمية مكان إدراج الشركة. قالت فيكتوريا فان لينيب، المؤسسة المشاركة لشركة لندابل ـ مقرها لندن ـ التي تبني منصة إقراض للمستهلكين تمتد عبر كل من الولايات المتحدة وأوروبا: "يجد المستثمرون العالميون الشركات الجيدة بغض النظر عن مكان إدراجها".
هناك اتجاهات هيكلية أخرى تلعب دورها. أجبرت قواعد الاتحاد الأوروبي – التي كتبت بدعم من المملكة المتحدة – مديري الأصول على فصل تكلفة أبحاث الاستثمار عن تكلفة تداول الأوراق المالية. وأدى ذلك إلى قيام مديري الأصول بتقليص ميزانياتهم البحثية لضبط تكاليفهم وقللت البنوك الاستثمارية من تغطية الشركات. ويشكو مسؤولون تنفيذيون من أن القواعد أضرت بشدة بأبحاث الأسهم، وخفضت من كمية ونوعية التغطية، وألحقت الضرر بالشركات الأصغر بدرجات متفاوتة.
في الوقت نفسه، لطالما اشتكى المسؤولون التنفيذيون من أنه، على عكس نظرائهم في الولايات المتحدة، لا توفر قاعدة المستثمرين المحليين في المملكة المتحدة عادة الرغبة في المخاطرة لدعم الأفكار الجديدة ولا دعم الشركات عند تعرضها للخسارة. تهيمن صناديق التقاعد الكبيرة على سوق المملكة المتحدة، التي يتمثل حافزها في إعطاء الأولوية للاستقرار والأرباح على النمو. قال دوم هالاس، المدير التنفيذي لشركة كواديك، التي تمثل الشركات الناشئة في المملكة المتحدة، إن صناديق التقاعد كانت متحفظة للغاية، ما حد من تدفق الأموال إلى أسهم التكنولوجيا في المملكة المتحدة.
كذلك تهمين قطاعات "الاقتصاد القديم" على أسواق الأسهم في المملكة المتحدة، مثل السلع والشركات المالية. وتماما كما هي الحال في أوروبا هناك عدد أقل بكثير من الصناديق المختصة في قطاعات مثل التكنولوجيا والرعاية الصحية حيث تحدث معظم النشاطات.
كانت الحكومة البريطانية تعمل لإصلاح قواعد الإدراج لتشجيع الاستثمار في الشركات البريطانية ودعم تطوير قطاعات الابتكار مثل التكنولوجيا والعلوم الحياتية. كما خففت القواعد للسماح للمؤسسين بالاحتفاظ بمزيد من حقوق التصويت في الشركات التي تسعى لطرح أسهمها وقللت من متطلبات الطرح الحر، ما يعني أن على المؤسسين بيع عدد أقل من الأسهم للإدراج.
قال تيم ليفين، الرئيس التنفيذي لصندوق أوجمينتوم فينتيك، وهو صندوق لرأس المال المغامر مدرج في المملكة المتحدة، إن الإصلاحات الحكومية عبارة عن "مادة مضافة" وليست "حلا لمشكلة معقدة". أشار إلى وصول شركات رأس المال المغامر الأمريكية الكبرى إلى أوروبا – آخرها كواتو كابيتال من مجموعة "تايجر كب" – باعتبارها دليلا على تحول المواقف من كبار المستثمرين. قال: "قطعنا شوطا طويلا في الأسواق الخاصة. أما الأسواق العامة فلا تزال متأخرة".
أطلقت الحكومة بالفعل مراجعة جديدة لكيفية تسهيل جمع التبرعات الثانوية وتبحث في طرق لتشجيع المزيد من مستثمري التجزئة على الدخول إلى السوق. دعا بعض المستثمرين إلى تعديل سقف رسوم المعاشات التقاعدية – الذي من الناحية العملية يحد من قيام المدخرين في برامج الاشتراك التلقائي بالاستثمار في الاستراتيجيات ذات الرسوم الأعلى – لمساعدة الصناديق المؤسسية على اتخاذ رهانات أكثر خطورة في الشركات غير المدرجة وشركات الطرح العام الأولي المبكرة التي تبشر بالنجاح. اقترح آخرون إصلاحات ضريبية لمساعدة الشركات على الانتقال إلى بورصة لندن وتخفيف القواعد بشأن تعويض المديرين في شكل أسهم.
في إشارة إلى مقدار ما هو على المحك، من المتوقع أن تكثف بورصة لندن جهود الضغط لإقناع شركة آرم بتغيير رأيها، أو على الأقل السعي إلى إدراج مزدوج في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وهو ما فعلته قبل أن تشتريها شركة سوفت بنك.
يجدد وضع شركة آرم الحاجة الملحة لضمان إنشاء ورعاية مجموعات التكنولوجيا الواعدة في المملكة المتحدة.
قال أندرسون، من شركة بيلي جيفورد: "هل هناك شيء متفش في الثقافة البريطانية يجعلنا نحاول أن نكون مقلدين على نطاق صغير لأمريكا بدلا من البحث عن مزايانا الموازية؟".

الأكثر قراءة