لأرباب العمل .. العمل الهجين يضعف الولاء

لأرباب العمل .. العمل الهجين يضعف الولاء

المنافسة الحقيقية التي تواجهها نتفليكس، وفقا لرئيسها التنفيذي، ريد هاستينجز، ليست المذيعين أو خدمات البث، بل النوم. قال هاستينجز قبل خمسة أعوام، "عندما تتاح لك فرصة مشاهدة عرض أو فيلم تتوق حقا لمشاهدته، حينها سينتهي بك الأمر إلى السهر حتى وقت متأخر من الليل، لهذا السبب نحن نتنافس بالفعل مع النوم".
مع ظهور المزيج الهجين المتمثل في العمل من المكتب والعمل عن بعد بحسبانه مستقبل العمل لذوي الياقات البيضاء، هل يمكن أن يواجه أصحاب العمل معركة مشابهة؟ المنافسة على ولاء العاملين قد لا تكون مع الشركات الأخرى العاملة في الصناعة نفسها، لكن مع الأصدقاء والعائلة.
بعد أعوام من إلقاء الخطابات حول الحاجة إلى أن يكون لدى الموظفين شغف بالعمل، فإن الاكتشاف بأن الموظفين الآن يهتمون بدرجة أقل بكثير مما كان عليه الحال من قبل قد يكون صدمة لأصحاب العمل.
في الأيام التي سبقت الجائحة، زادت أنماط العمل المرن من الولاء لصاحب العمل لأن ذلك كان "امتيازا حصلت عليه القلة المحظية"، كما يقول ألان فيلستيد، الذي ألف كتابا جديدا اسمه "العمل عن بعد" Remote Working.
عندما يصبح العمل الهجين هو العرف، قد يتضاءل معه هذا الولاء. أحد الجوانب السلبية التي تتعلق بالعمل أربعة أيام في الأسبوع هو أن العمل قد يصبح مجرد معاملات وذا صبغة اجتماعية أقل بدعوى الكفاءة. إن الاستقالة الكبرى التي تصف العدد الكبير من التحركات الوظيفية في مختلف القطاعات في جميع أنحاء العالم، يمكن أن تتحول وتشكل مستقبل العمل لذوي الياقات البيضاء.
إذا أمضى الموظفون وقتا أقل معا تضعف روابطهم الاجتماعية، وكذلك الحال بالنسبة للعلاقة بصاحب العمل، لكن في الوقت نفسه، ستتعزز الروابط مع الأصدقاء والعائلة. يرى بريان كروب، رئيس الأبحاث في الموارد البشرية في شركة جارتنر للاستشارات، حدوث "تحول" محتمل، حيث يصبح العمل ببساطة "أقل أهمية" في حياتنا.
قبل الجائحة كان النقاش محتدما حول الحياة دون عمل، وبشكل رئيس حول زمن ما بعد العمل – وهو حديث عن مستقبل تقضي فيه التكنولوجيا على الوظائف وتغرق العمال في البطالة أو تمنحهم الحرية في الحياة ـ وذلك يختلف بحسب منظور الفرد. لقد استند النقاش إلى التفكير المناهض للعمل، ولا سيما الفكر الماركسي في القرن الـ19، لكل من بول لافارغ، والفيلسوف برتراند رسل، الذي تعزز على مدار العامين الماضيين – من اللافت للنظر، أن عدد أعضاء المجتمع المناهض للعمل على منصة ريديت وصل إلى 1.7 مليون شخص.
تقدم المنشورات التي تتحدث عن الرؤساء الاستغلاليين حجة قوية لتفضيل الحياة دون عمل. يذكرني فيلستيد، مع ذلك، أن العمل "يوفر للأفراد مجموعة واسعة من المزايا إلى جانب الفرصة لكسب المال، هيكلا زمنيا لليوم، وفرصة للتفاعل مع الآخرين خارج نطاق الأسرة، ووسيلة لتكوين هوية خارج المنزل".
مع ذلك، يجب السعي لتحقيق كل شيء باعتدال. وجدت أبحاث أجرتها جامعتا كامبريدج وسالفورد في العلوم الاجتماعية والطب "أن الناس عندما ينتقلون إلى عمل مدفوع الأجر بعد فترة من البطالة أو الإقامة في المنزل من أجل الأبوة أو الأمومة "..." فإن خطر تعرضهم لمشكلات الصحة العقلية ينخفض 30 في المائة في المتوسط". بالإمكان تحقيق ذلك من خلال العمل لمدة ثماني ساعات فقط، لكن الأبحاث لم تجد أي دليل على أن العمل لفترة أطول يزيد من جودة الحياة.
من المستحيل تخيل ثماني ساعات عمل في الأسبوع فقط. تجادل كل من آن هيلين بيترسن وتشارلي وارزل في كتابهما "خارج المكتب" Out of Office بأن "العمل سيبقى دائما جزءا رئيسا من حياتنا "..." ومع ذلك، ينبغي أن يتوقف عن كونه العامل التنظيمي الأساسي فيها، إن المصدر الأساسي هو الصداقة، أو القيمة الشخصية، أو المجتمع".
سيتجاهل بعض أرباب العمل مثل هذه التحولات ويجبرون الموظفين على العودة إلى المكتب. وبتشجيع من ظروف سوق العمل المزدهرة، قد يستقيل الموظفون من العمل على إثر ذلك. أشار تقرير صادر عن شركة مايكروسوفت إلى أن أكثر من نصف العاملين في المكاتب البريطانية سيغادرون الشركة إذا أجبروا على العودة إلى العمل في المكتب بدوام كامل.
لكن أصحاب العمل الآخرين سيتأقلمون، ويقومون بتخصيص الموارد لشبكات التوظيف والخريجين، إضافة إلى صياغة الوظائف - لتغيير نطاق ومهام كل وظيفة كي تتناسب وطموحات الموظفين. يقول كروب إنهم قد يحاولون إنشاء روابط اجتماعية وعاطفية لا تعتمد على المكتب. ويستشهد على ذلك بمثال من منظمة لديها تطبيق داخلي للتأليف بين الموظفين من خلال الاهتمامات الشخصية المشتركة.
أخبرني أحد المؤسسين، الذي يعمل موظفوه عن بعد، أنهم يستمتعون بالتواصل الاجتماعي، وتوجيهات الأقران لبعضهم بعضا، ويستمتعون كذلك بتطوير وظيفي من قبل متخصصين. لكن ذلك لا يأتي دائما من قبل زملائهم في العمل. "قد تجد كثير من المنظمات في هذا التغيير تهديدا". ويقول بالنسبة لأولئك الذين يلقون الحبل على الغارب "فإن الأمر سيكون مخيفا. وينبغي أن يكون كذلك".

الأكثر قراءة