سلاح العقوبات الشامل
"أي غزو روسي لأوكرانيا سيقابله رد حاسم، وعقوبات سريعة وقاسية"
جو بايدن، رئيس الولايات المتحدة.
الخيارات كلها مفتوحة وجاهزة عند حلف شمال الأطلسي "الناتو"، إذا ما قامت القوات الروسية بغزو أوكرانيا، باستثناء طبعا إرسال قوات للقتال جنبا إلى جنب القوات الأوكرانية. وهذا يعني أن الخيارات ليست كلها مفتوحة، إلا إذا عدت الولايات المتحدة وحلفاؤها أن دعم الجيش الأوكراني دفاعيا، هو قتال مباشر على الأرض. وبعيدا عن التوصيفات لدور "الناتو" في أي مواجهة عسكرية بين موسكو وكييف وتأويلاتها، فإن الغرب وضع بالفعل سلسلة من العقوبات على روسيا، تنتظر القرار بإطلاقها في الوقت المناسب. وهذا الوقت صار معروفا للجميع، أي: عندما تدخل القوات الروسية الأراضي الأوكرانية، بحجة الحفاظ على أمن روسيا الاتحادية، ومنع أي محاولة لكييف أن تصبح عضوا في الحلف الأطلسي.
الحوار ما زال مستمرا بين الأطراف الغربية تحديدا، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بما فيها الاتصال الهاتفي المطول بينه وبين الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي يطلق عليه تهديداته المستمرة برد سريع وقوي في حال دخلت قواته الحدود الأوكرانية. ولا شك أن اللقاء المنتظر هذا الأسبوع بين المستشار الألماني أولاف شولتز وبوتين في موسكو سيكون واحدا من أهم اللقاءات والاتصالات التي تمت في الآونة الأخيرة، نظرا لارتباطات اقتصادية قوية تجمع برلين وموسكو، ولا سيما على صعيد الطاقة. يضاف إلى ذلك، أن المواقف الألمانية كانت أقل حدة حيال روسيا مقارنة بمثيلاتها في العالم الغربي، إلى درجة أن دفعت بايدن لتوجيه تهديدات علنية لبرلين، لتتخذ مواقف متماشية مع حلفائها، خصوصا ضمن نطاق "الناتو". ما يهم ألمانيا أن تبقى دائما إمدادات الطاقة الروسية التي لن تتمكن جهات أخرى من تعويضها على الأقل في فترة زمنية قصيرة.
لا أحد يعتقد أن المستشار الألماني شولتز سيخرج عن إطار حلفائه في الغرب، لكنه سيكون وسيطا أكثر فاعلية من غيره من الوسطاء الغربيين بمن فيهم إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي، وبوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا، وغيرهما. فالمصالح قريبة جدا بين برلين وموسكو، كما أن العلاقات كانت متوازنة بين الطرفين منذ انهيار جدار برلين، وتفكك منظومة الاتحاد السوفياتي. لكن أحد لا يستطيع أن يضمن مباحثات ناجحة تماما، خصوصا إذا لم ير بوتين أي مؤشرات تزيل مخاوفه أو تحفظاته على الوضع عموما. وأبرزها عدم تحويل أوكرانيا إلى عضو في "الناتو". وهذه النقطة ليست مطروحة في الواقع، إلا أنها تبقى أداة قوية لتعزيز الحجة الروسية المستدامة إن جاز القول. أما الضمانات الحدودية الأمنية، فيمكن توفيرها بالفعل عبر تفاهم واضح واتفاق ملزم دوليا.
أوروبا كبقية العالم تخشى بالفعل حربا بين موسكو وكييف، توتر الأجواء السياسية والاقتصادية الدولية، وربما أخذت منحى خطيرا لا يمكن توقع تبعاته ومخاطرها، وانعكاساته وسلبياتها، وبيئته واستدامتها. وإذا كان الغرب ليس مستعدا للحرب إلى جانب الأوكرانيين إلا أنه جهز أسلحته العقابية منذ زمن ليس قصيرا. وروسيا تخضع بالفعل لعقوبات غربية مختلفة، خصوصا في أعقاب إعلان ضم منطقة القرم، بما في ذلك عقوبات مباشرة على أشخاص مقربين من فلاديمير بوتين، وشركات لها صلة مباشرة وغير مباشرة بالكرملين. لكن الأمر سيكون مختلفا هذه المرة من حيث التوسع في العقوبات واستهداف حتى الرئيس الروسي شخصيا. وهذه النقطة دفعت ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين، للقول علنا: "إن العقوبات المقترحة التي تستهدف بوتين وكبار المسؤولين الروس، ستؤدي إلى قطع العلاقات بين موسكو وواشنطن".
العقوبات التي يتحدث عنها المسؤولون الأمريكيون شديدة جدا، وسيكون لها ثمن باهظ على الاقتصاد الروسي. والمجالات متعددة ومتنوعة القطاعات من الطاقة إلى الشركات التجارية المختلفة، فضلا عن المصارف والوصول إلى الأسواق المالية. لكن مشروع "نوردستريم 2" خط أنابيب نقل الغاز الروسي إلى أوروبا، يبقى المحور الرئيس لهذه العقوبات. صحيح أنه شريان طاقة محوري للقارة العجوز، لكن الصحيح أيضا أنه يمثل رافدا ماليا هائلا للخزينة الروسية. بايدن ذكر هذا الخط صراحة بأنه سيتم إغلاقه في حال باشرت القوات الروسية غزو أوكرانيا. وبالطبع لن تقاوم ألمانيا المستفيدة الأولى من هذا الخط، أي ضغوط أمريكية أو غربية للتعاون في هذا المجال. فهي تعلم أنها لا يمكن أن تخرج عن نطاق "درع الناتو"، مهما كانت المبررات.
لكن هذا لن يقلل الآثار الهائلة التي ستنعكس على روسيا من الساحة المالية. فالعقوبات ستشمل حتى تحويل العملة العائدة من صادرات النفط والغاز لبقية دول العالم. لكن الضربة الأكبر ستكون حظر تحويل الروبل الروسي إلى العملات الأوروبية، ولا سيما اليورو، الأمر الذي سيضرب بقوة القدرات المالية لروسيا. بمعنى آخر أن روسيا ستكون معزولة عن الساحة المالية العالمية، تماما كما فعلت واشنطن مع إيران، عبر سلسلة معروفة من العقوبات لا تزال قائمة حتى اليوم. كل شيء سيكون حاضرا على صعيد العقوبات ضد موسكو، والغرب قادر بالفعل على أن يسبب أضرارا لاقتصاد روسيا ستظل آثاره فترة طويلة، في حال كانت الحرب الخيار الحتمي.