استباقا للأزمة التالية .. مصباح يضيء في عتمة الأسواق الخاصة

استباقا للأزمة التالية .. مصباح يضيء في عتمة الأسواق الخاصة
جاري جينسلر

ربما كان الإرث السياسي الأكثر تدميرا للأزمة المالية 2008 هو الشعور السائد بين شريحة كبيرة من السكان الأمريكيين بأن النظام قد تم التلاعب به. لا يزال يشير نشطاء الإصلاح المالي بشكل متكرر إلى أن مالكي المنازل ودافعي الضرائب تحملوا الخطأ، في حين تم إنقاذ المصارف الكبرى و"لم يسجن أحد".
برنامج التسهيل الكمي التابع لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، حسن النية، ولكن غير الملائم بالضرورة (عندما لا يقترن بالسياسة المالية الذكية)، أدى إلى رفع الأجور قليلا، لكنه زاد أسعار الأصول بشكل كبير. أصبح الأثرياء أكثر ثراء، وازداد عدم المساواة. وبينما كان النظام المصرفي الرسمي ينهار تقريبا، انتقلت الأموال - مثل المخاطر - إلى نظام الظل المصرفي.
تضخمت تلك المجالات المالية الأقل تنظيما، مثل الأسهم الخاصة وصناديق التحوط، ورأس المال المغامر، لتصل قيمتها إلى 18 تريليون دولار، وتجاوز حجم رأس المال الذي تم جمعه في الأسواق الخاصة خلال العقد الماضي ذلك الذي تم جمعه في الأسواق العامة.
لذلك، كان إعلان هيئة الأوراق المالية والبورصات الأسبوع الماضي عن مزيد من التنظيم للأسواق الخاصة - بما في ذلك عمليات مراجعة الحسابات للصناديق الخاصة، ومزيد من الشفافية حول الرسوم ومقاييس الأداء، وحظر فرض شروط تفضيلية على مختلف المستثمرين، وما إلى ذلك - موضع ترحيب وتمس الحاجة إليه. إنها علامة على إحراز تقدم. المنظمون مثل جاري جينسلر، رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات، الذي يستحق الثناء على الطاقة التي يسعى بها ليس فقط لتنظيم السوق الخاصة، بل أيضا العملات المشفرة ومخاطر الأمن السيبراني، يحاولون استباق الأزمة التالية قبل حدوثها.
مع ذلك، صعود هذه الأسواق، التي تمثل الآن جزءا كبيرا من استثمارات برامج التقاعد والمعاشات الحكومية والأوقاف غير الربحية والجامعية في الولايات المتحدة، يوضح أيضا الطرق التي فشل بها صناع القرار والسياسيون منذ الأزمة في إعادة التمويل مرة أخرى إلى خدمة الاقتصاد الحقيقي. وول ستريت ليست في الأساس مساعدا للشارع الرئيسي، كما كانت من قبل، بل هي الذيل الذي يهزه الكلب.
لا يوجد قطاع يوضح هذا أكثر من الأسهم الخاصة، التي أصبحت غنية خلال الأعوام عديدة الماضية، جزئيا، عن طريق استغلال الدمار الذي خلفته أزمة الرهن العقاري. تمكنت شركات كبيرة من شراء عقارات بأسعار منخفضة للغاية، وزادت أسعارها ليس فقط على الأفراد بل حتى على جهات مؤسسية كبيرة فاعلة وأكثر تنظيما في سوق الإسكان، بما في ذلك المصارف الكبرى.
قصة الأسهم الخاصة التي تحقق أرباحا مذهلة عند شراء العقارات المرهونة أصبحت معروفة الآن. لكنها لا تزال تثير الغضب، كما يتضح من جلسة لجنة الشؤون المصرفية والإسكان والشؤون الحضرية في مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي، التي بحثت كيف غير ملاك العقارات المؤسسيون سوق الإسكان. قال شيرود براون، رئيس اللجنة: "المستثمرون يرفعون الإيجارات 50 في المائة، ويصدرون إخطارات بالإخلاء، ويتركون العفن السام والآفات تزداد سوءا، كل ذلك باسم أرباحهم النهائية".
رأيت كثيرا من هذه العقارات بأم عيني، ولكي أكون منصفة، رأيت بعض المنازل المستأجرة مملوكة لشركة أسهم خاصة تم الاهتمام بها جيدا أيضا (على الرغم من أنها تميل إلى أن تكون في مناطق أكثر ثراء حيث يمكن للمستأجرين أن يدفعوا أكثر). لكن حقيقة أن شركة أسهم خاصة متعددة الجنسيات يمكن أن تصبح أكبر مالك عقار في البلاد هو أمر لا يناسب كثيرا من الأمريكيين. إنها توضح كل ذلك بشكل صارخ للغاية كيف تبدو الأسواق المالية وكأنها موجودة في حلقة مغلقة لخدمة مصالحها.
إيلين أبيلباوم، المديرة المشاركة لمركز البحوث الاقتصادية والسياسية، وضحت في كتابها المؤثر الذي شاركت في تأليفه روزماري بات بعنوان "شركات الأسهم الخاصة منهمكة في العمل" أن ظهور شركات الأسهم الخاصة يمثل "تحولا أساسيا في مفهوم الشركة الأمريكية - بداية من منظور أنها مشروع منتج ومؤسسة مستقرة تخدم احتياجات مجموعة واسعة من المساهمين، إلى منظور أنها مجموعة من الأصول التي سيتم شراؤها وبيعها بهدف حصري يتمثل في زيادة قيمة حاملي الأسهم إلى أقصى حد".
لماذا تستثمر صناديق التقاعد العامة (التي تمثل الآن 35 في المائة من رأسمال الأسهم الخاصة) بطريقة يمكن أن تسبب ضررا لمتقاعديها من خلال زيادة الإيجارات؟ جزئيا لأنهم يائسون من الحفاظ على العائدات مرتفعة كما وعدوا في عصر سيصبح فيه ذلك أكثر صعوبة.
قد تكون هذه خطوة ذكية وقد لا تكون كذلك. على الرغم من بعض الأداء القوي الأخير، تظهر أبحاث أكاديمية أن العائدات التاريخية في الأغلب لا تتفوق على أداء السوق الأوسع أو حتى تضاهيه بعد احتساب الرسوم الضخمة الناشئة عن الاحتفاظ بالأصول لفترة طويلة. في كلتا الحالتين، مشكلات رأس المال والوسيط تجعل من غير المحتمل أن يقوم مدير صندوق معاشات التقاعد المسؤول عن اختيار الاستثمارات برفع يده ليقول ما يعرفه معظمنا بشكل بدهي، وهو أن من الأفضل لنا وضع أموالنا في صندوق مؤشر ونسيانها.
بعد 15 عاما تقريبا من بداية أزمة الرهن العقاري، أظن سيكون هناك تركيز سياسي متزايد على كيفية إعادة توازن العلاقة بين التمويل والاقتصاد الحقيقي. على مدى الأعوام القليلة الماضية، انتقلت الصناديق الخاصة من الإسكان إلى التعليم والرعاية الصحية (من الجدير بالذكر أنه بصرف النظر عن الاضطرابات الاقتصادية الأخيرة المرتبطة بكوفيد - 19، فإن هذين المجالين من أهم محركات التضخم طويل الأجل). بالفعل، هناك قصص عن كيف أن المستثمرين من القطاع الخاص الذين يبحثون عن عائدات أعلى قد رفعوا التكاليف وقللوا من جودة الرعاية المقدمة.
لست متفائلة بشأن الطريقة التي ستنتهي بها هذه القصص. الضوء الذي سلطته هيئة الأوراق المالية والبورصات على عتمة النظام المالي يمثل نقطة مضيئة في قصة مثيرة للقلق بخلاف ذلك.

الأكثر قراءة