عمالقة البث المباشر تشعر بالضغوط التنظيمية الأوروبية

عمالقة البث المباشر تشعر بالضغوط التنظيمية الأوروبية
مسلسل كول ماي أجينت أحد روائع منصة نتفلكس الذي انبثقت عنه العديد من المسلسلات بسرعة مذهلة.

مسلسل كول ماي أجينت، أو بالفرنسية ديكس بور سنت، هو أحد روائع منصة نتفلكس الذي انبثق عنه عديد من المسلسلات بسرعة مذهلة. لقد تمت إعادة إنتاج المسلسل الباريسي الأصلي الممتلئ بالموهوبين المائلين إلى الغضب بسرعة والمندوبين بصفقاتهم الخادعة في عشرة مواقع مختلفة، من بوليوود إلى إسطنبول.
لكن هناك شيئا واحدا مميزا بشأن امتياز بث مسلسل كول ماي أجينت في عصر البث المباشر. فقد حققت له منصة نتفلكس الشهرة بجمهور من 220 مليون مشترك لكن - وبفضل القانون الفرنسي في النهاية - كان منتجو المسلسل المستقلون هم من حصدوا ثمار إعادة إنتاجه.
وقال بيير أنطوان كابتون، وهو الرئيس التنفيذي لشركة ميدياوان، وهي شركة إنتاج مستقلة مدعومة من قبل شركة كيه كيه آر التي تمتلك المسلسل، "من ناحية الحقوق، فإن مسلسل ديكس بور سنت هو مثال جيد على العالم القديم والحديث لأنه في ذلك الوقت لم يكن أحد يعلم أنه سيصبح تلك الظاهرة العالمية".
بالنسبة إلى شركات نتفلكس، وديزني وأمازون، فهذه علامة مقلقة محتملة للأمور المقبلة في أوروبا، حيث بدأت الضغوط التنظيمية بتقليص حرية التشغيل لمنصات البث المباشر العالمية في واحدة من أهم أسواقها.
مثلما يزدهر الإنفاق، وترتفع تكاليف الإنتاج ويقل نمو الاشتراكات، يتصارع القائمون على منصات البث المباشر مع مشكلة أوروبية أخرى - أهداف الاستثمار المحددة من قبل الدولة ونظام الحصص غير الملائم. كان هذا هو التحدي الذي دفع ريد هاستينجز، وهو مؤسس شركة نتفلكس، لزيارة بروكسل في كانون الثاني (يناير) للاجتماع بمفوضي الاتحاد الأوروبي.
يقدم مسلسل كول ماي أجينت لمحة عن عودة ظهور القواعد القديمة لاقتصاد البث المباشر الجديد. تم إنتاج المسلسل وتمويله لأول مرة من قبل قناة فرانس 2 التلفزيونية في 2015، في ظل نظام كانت فيه حقوق المنتجين للتلفزيون التقليدي تتمتع بحماية القانون.
وكان هذا يعني أن ملكية العلامة التجارية تعود في النهاية إلى منتجيها - على عكس الأغلبية العظمى من أعمال نتفلكس الأصلية مثل سكويد. لذلك في حين أن بعض نسخ مسلسل كول ماي أجينت التي أعيد إنتاجها موجودة على منصة نتفلكس، كان لدى منتجيه صلاحية بيع إصدارات أخرى إلى خدمات ومنصات بث مباشر منافسة، مثل ديزني في إندونيسيا، وأمازون في المملكة المتحدة وإتش بي أوه في الفلبين.
بعد أعوام من الضغط المكثف من المنتجين، مددت فرنسا في العام الماضي بشكل فاعل نموذج مسلسل كول ماي أجينت من التلفزيون التقليدي إلى خدمات البث المباشر العالمية، معززة بذلك المنتجين المحليين الذي يرغبون في الاحتفاظ بحقوق أعمالهم. وتنظر حكومات الاتحاد الأوروبي الرئيسة الأخرى في الأمر باهتمام.
تمثل الأنظمة، إلى جانب "الالتزامات الاستثمارية" والضرائب الإلزامية، حقبة جديدة بالنسبة إلى شركات نتفلكس، وديزني، وأمازون ووارنر ميديا - وهي خدمات بث مباشر تتم إعاقة طموحها العالمية المتزايدة من قبل السياسيين الوطنيين الذين يخبرونها أين تستثمر، ومن يمكنه المشاركة في الأرباح.
قال كابتون، الذي بنى شركة ميدياوان لتصبح واحدة من أكبر شركات الإنتاج المستقلة في أوروبا، "ينظر المنتجون الذين نعمل معهم في إسبانيا، وإيطاليا وألمانيا وأماكن أخرى في أوروبا إلى النظام الفرنسي بعين الحسد ويقولون إنهم يتمنون لو كان هناك أمر مشابه في أسواقهم. إن فرنسا نموذج في عالم الإنتاج التلفزيوني والسينمائي. لقد تغيرت ديناميكية القوى مع الاستوديوهات الأمريكية".
باستخدام الصلاحيات بموجب أمر توجيهي للاتحاد الأوروبي تم تبنيه في 2018، طالبت فرنسا المنصات العالمية الكبرى باستثمار ما لا يقل عن 20 في المائة من مردود أعمالها الفرنسية في الإنتاج الأوروبي. كنتيجة لذلك التزمت شركة نتفلكس، وأمازون وديزني بشكل إجمالي باستثمار ما لا يقل عن 250 مليون يورو في فرنسا كل عام اعتبارا من 2022، بغض النظر عن جودة المشاريع المتاحة.
إضافة إلى ذلك، يجب أن تكون 85 في المائة من هذه الأعمال المنتجة باللغة الفرنسية - ويجب أن يكون معظمها أعمالا "مستقلة" يحتفظ المنتجون بحقوق فيها.
تفتح هذه المرونة الوطنية في إطار العمل في الاتحاد الأوروبي الباب أمام ظهور 27 نظاما استثماريا منفصلا، إلى جانب قيود محتملة أخرى على الحقوق. وهذا بعيد كل البعد عن النموذج القديم، الذي سمح بشكل أساس لشركة نتفلكس أن تقيم مقرا لها في هولندا، وتمتثل لقواعدها الوطنية وتسويق خدماتها عبر الاتحاد.
بينما كانت إسبانيا أكثر حذرا، اتبعت إيطاليا خطا فرنسا بنهج أكثر تقييدا، حيث تتطلع لتطبيق "التزام استثماري" يصل إلى 20 في المائة من حجم الأعمال مع المشاريع المستقلة. وفي ألمانيا، وهي سوق حيوية لمنصات البث المباشر، يضغط المنتجون على الحكومة الائتلافية لاتخاذ إجراءات مشابهة.
وقالت جولييت تيري، وهي مسؤولة في هيئة تنظيم البث الفرنسية آركوم، "إن هذه نقطة تحول. لقد استغرق إدخال منصات البث المباشر في نظام تمويل الأعمال السينمائية والصوتية والمرئية وقتا طويلا، ويتم تنفيذه الآن".
أنفقت شركة نتفلكس أربعة مليارات يورو على الأفلام والمسلسلات الأوروبية بين 2018 و2021، وما زالت ترخص كثيرا من المحتوى، ثلاثة أرباع العناوين الأوروبية المضافة إلى فهرسها خلال هذه الفترة لم تكن أعمالا أصلية مملوكة لشركة نتفلكس.
قال لاري تانز، وهو نائب رئيس شركة نتفلكس الذي يشرف على المسلسلات الناطقة باللغات المحلية في أوروبا، "لقد تطورنا كثيرا على مر الأعوام حيث لا يوجد نهج واحد يناسب الجميع ونريد أن نتحلى بالمرونة في تلبية احتياجات المنتجين والمشاريع".
لكن الحرية هذه في اختيار متى يتم الاحتفاظ بالحقوق في مشروع ما، أو مقدار الاستثمار في بلد ما، ما تزال تقدرهما منصات البث المباشر، وتتعرض للتهديد بشكل متزايد.
قال جان كويبن، وهو رئيس شركة ديزني في أوروبا، والشرق الأوسط وإفريقيا، إن المجموعة كانت "تدفع بمزيد من الاستثمار في الإنتاج الأوروبي المحلي أكثر من أي وقت مضى".
"لم يكن هناك وقت أفضل لتكون صانع محتوى في هذه المنطقة، لكن السوق الحرة مهمة لضمان ذهاب الاستثمار إلى أفضل المشاريع، في الوقت المناسب، حيثما كانت في أوروبا".
قالت لورا سبورينا من شركة كولين إنترناشونال، وهي مجموعة بحثية تنظيمية، إن تطبيق الأمر التوجيهي قد "أنهى بالفعل حقبة كانت فيها منصات البث المباشر العالمية قادرة على أن تقرر بحرية متى، وأين وكم تنفق على الإنتاج في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي".
ويأتي الأمر التوجيهي في الوقت الذي تؤدي فيه طفرة الإنتاج إلى زيادة التكاليف وإيجاد مشكلات حقيقية في العثور على طواقم عمل ومخرجين، ارتفعت المسلسلات بترخيص من منصات البث المباشر العالمية في أوروبا 57 في المائة العام الماضي، وفقا لشركة أمبير أناليسيس.
بالنظر إلى هذه الضغوط الموجودة، قارن مسؤول تنفيذي التزامات الاستثمار الإضافية "بملء وعاء المشروب بينما يتعثر الجميع بالفعل من الثمالة".
كما يخشى بعض المسؤولين التنفيذيين أن تسقط أوروبا في سباق التسلح التنظيمي بينما تتشوه تدفقات الاستثمار. تعد الدول الأصغر معرضة بشكل خاص لتحويل الأموال إلى أنظمة أكثر صرامة مثل فرنسا.
بالتحدث نيابة عن التحالف الأوروبي للفيديو عند الطلب - الذي يضم أعضاؤه شركة نتفلكس وديسكوفري - أشارت جوليا ماكسويل، التي تشرف على القضايا التنظيمية لشركة نوردك إنتيرتيمنت جروب، إلى أن التزامات الاستثمار "يمكن أن تصبح عائقا أمام دخول" الشركات الراغبة في تقديم خدمات عابرة للحدود.
وقالت، "إنهم يخاطرون بتحويل التركيز بعيدا عن إنتاج محتوى أوروبي عالي الجودة يرغب فيه المستهلكون، ويمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى تنوع، وابتكار وتوافر أقل للمحتوى عالي الجودة".
بينما تنفق معظم منصات البث المباشر بالفعل ما يكفي لتلبية التزامات الاستثمار بشكل سهل إلى حد ما، حذر فرانسوا جودارد من شركة إندرز أناليسيس من أن هذا قد يتغير.
حيث قال، "في مرحلة ما في المستقبل، عندما تكون في موقف تحتاج فيه للتوقف قليلا والعودة إلى نموذج أكثر استدامة، سيصبح ذلك عبئا. لقد عطلت الجهات التنظيمية الأمور".
تتمثل إحدى المخاوف طويلة المدى بالنسبة إلى مجموعات الترفيه الأمريكية في مخاطر تشديد النظام التنظيمي مع مرور الوقت، إما على المستوى الوطني وإما عندما يتم تحديث الأمر التوجيهي للأعمال الصوتية والمرئية للاتحاد الأوروبي في المرة المقبلة.
تقود فرنسا دعوات للمفوضية الأوروبية لإعادة النظر في تعريف "الأعمال الأوروبية"، ولا سيما في ضوء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ودور بريطانيا الضخم كمركز إنتاج.
يتطلب قانون الاتحاد الأوروبي أن تملك خدمات البث المباشر ما لا يقل عن 30 في المائة من المحتوى الأوروبي، ولكن الأهلية لا تزال قائمة على اتفاقية تشمل الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل المملكة المتحدة وتركيا وسويسرا.
سيكون للانتقال إلى التعريف الأكثر تحديدا للاتحاد الأوروبي آثار كبيرة نظرا لأهمية المملكة المتحدة بالنسبة لشركة ديزني ونتفلكس. لكن دبلوماسيين من الاتحاد الأوروبي قالوا إن سياسة استبعاد المملكة المتحدة فقط، أو إعادة كتابة الالتزامات الواردة في اتفاقيات التجارة الأوروبية الأخرى، قد تجعل من الصعب تغييرها بسهولة.
وفي الوقت الحالي تدرس المفوضية الأوروبية هذه القضايا. حيث أخبر تييري بريتون، وهو مفوض السوق الداخلية في الاتحاد الأوروبي، صحيفة فاينانشال تايمز أنه كان "على علم جيد" بقضية المملكة المتحدة، وأنه سيتم نشر تحليل بشأن "مرونتنا" هذا العام. وأضاف، "سنقوم باتخاذ قرار على هذا الأساس".

الأكثر قراءة