المفارقة الإسبانية .. وظائف مزدهرة واقتصاد متباطئ
خوان مانويل كانالز وبسمة الظاهري، كلاهما في العشرينيات من العمر، هما جزء من السبب وراء ارتباك توقعات إسبانيا بشأن فقدان الوظائف الهائل في أعقاب كوفيد - 19. خلال الوباء، بدأ كانالز العمل مهندسا في تكنولوجيا المعلومات. وتعمل الظاهري في خط مساعدة خاص بكوفيد.
تعكس تجاربهما الأولى في العمل تغييرات أوسع في الاقتصاد الإسباني. يعمل الآن عدد أكبر من الأشخاص في قطاعات مثل الصحة وتكنولوجيا المعلومات والخدمات الاجتماعية أكثر مما كان عليه الحال عندما بدأ كوفيد - 19 الانتشار قبل أقل من عامين بقليل.
يساعد هذا النمو - الذي يغذيه الإنفاق الحكومي جزئيا - على تفسير سبب وصول عدد العاملين إلى مستوى قياسي بلغ 20 مليونا. انخفضت البطالة إلى أدنى مستوى لها منذ 2008، أي ما يقارب نصف معدل واحد من كل أربعة الذي توقعته مجموعات مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
يقول كانالز، المهندس في شركة "كيندريل"، وهي شركة خدمات تكنولوجيا معلومات انبثقت عن شركة آي بي إم العام الماضي: "من السهل جدا الحصول على وظائف في هذا القطاع، بصفتي شخصا دخل للتو في سوق العمل، أرى عديدا من الفرص (...) أشعر بتفاؤل كبير".
في جانب مختلف من سوق العمل، تعرب الظاهري أيضا عن تفاؤلها بعد أن تلقت المساعدة من مؤسسة إتير، وهي مؤسسة غير ربحية في مدريد لمساعدة الشباب في العثور على عمل.
قالت: "أحب حقيقة أنني أستطيع مساعدة الناس. عقدي (لخط مساعدة كوفيد) مدته ثلاثة أشهر، لكن بعد ذلك أود أن أعمل في شيء آخر مماثل".
لطالما كانت البطالة تمثل فشلا صارخا في إسبانيا لعقود من الزمن، ولا يزال معدل البطالة في البلاد، البالغ 13 في المائة، ضعف متوسط الاتحاد الأوروبي وكذلك معدل بطالة الشباب البالغ 31 في المائة.
لكن اللافت للنظر أن أكثر من ثلث الوظائف التي تم إنشاؤها في منطقة اليورو العام الماضي كانت في إسبانيا. انخفض معدل البطالة بين الشباب في البلاد عشر نقاط مئوية عن مستواه قبل عام.
تجادل الحكومة الإسبانية، التي أقرت الأسبوع الماضي بصعوبة إصلاحات تم التفاوض عليها منذ فترة طويلة لتقييد العقود المؤقتة، بأن التغيير التكنولوجي الأسرع وزيادة الإنفاق الاجتماعي الناجم عن الوباء باقيان. تخطط مدريد لإنفاق 30 في المائة من 70 مليار يورو في أموال الاتحاد الأوروبي للتعافي من فيروس كورونا على الرقمنة، إضافة إلى زيادة الأموال المخصصة للصحة.
قالت وزارة الضمان الاجتماعي الشهر الماضي إن هناك 429 ألف وظيفة أكثر مما كانت عليه في شباط (فبراير) 2020 - 229 ألفا في القطاع العام و200 ألف في القطاع الخاص.
قال مسؤول حكومي: "إذا نظرت إلى الأزمات الاقتصادية الثلاث الأخيرة في إسبانيا، فلن تتعافى الوظائف بهذه السرعة".
تعد أرقام إسبانيا جزءا من اتجاه عالمي يتحدى التوقعات التي تشير إلى فقدان ضخم للوظائف، حيث عاد الطلب إلى الاقتصاد وأثبتت العمالة أنها نادرة وليست فائضة.
قالت كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، الأسبوع الماضي إن هناك "أخبارا سارة تستحق الاحتفال بها" بعد أن انخفضت البطالة في منطقة اليورو إلى مستوى قياسي بلغ 7 في المائة، بينما انتعشت مشاركة العمال وأصبحت فوق مستويات ما قبل الوباء، عند 73.6 في المائة.
سجلت الولايات المتحدة أيضا أرقاما قوية الأسبوع الماضي، مع زيادة بلغت 467 ألف وظيفة في كانون الثاني (يناير) - ثلاثة أضعاف التوقعات.
تعكس الأرقام الإسبانية أيضا رهانا على مستوى أوروبا على مخططات الإجازة.
في ذروته، دعم مخطط إسبانيا - المعروف باسم "إي آر تي إي" 3.6 مليون شخص. ابتداء من الشهر الماضي، كان هناك 106 آلاف شخص فقط على مخطط الوباء. قال المسؤول الحكومي: "كان لدينا محللون يقولون إن مليون شخص في ’إي آر تي إي‘ سينتهي بهم المطاف عاطلين عن العمل. لكن عدد الأشخاص الذين لا يزالون في المخططات لا يمثل سوى عشر ذلك العدد، ويتناقصون باطراد".
قال رافائيل دومينيك، رئيس قسم التحليل اlلاقتصادي في بنك BBVA: "راهنت أوروبا على الحفاظ على الوظائف، استنادا إلى توقعات بأن تستعيد الشركات نشاطها السابق، وبالنسبة إلى معظم الشركات، في جميع القطاعات تقريبا، هذا ما حدث".
إنه تناقض مع تداعيات الأزمة المالية، عندما انهار قطاع البناء الضخم في إسبانيا - وأدى إلى تدمير أعداد هائلة من الوظائف ورفع معدل البطالة إلى 26 في المائة في 2013. كان أكثر من شاب من بين كل شابين عاطلا عن العمل.
لكنه يعترف بالمفارقة الإسبانية: على الرغم من التحسن في سوق العمل، لا يزال الناتج المحلي الإجمالي للبلاد متأخرا نحو 4 في المائة عن مستويات 2019. ويعتقد أن كثيرا من أسباب التفاوت يعود إلى السياحة، وهي عمل موسمي مسؤول عن نحو 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
في العام الماضي، انخفض عدد السياح الأجانب الذين زاروا إسبانيا - والأموال التي أنفقوها - بأكثر من 60 في المائة عن مستويات 2019.
انخفضت أيضا ساعات العمل مقارنة بمستويات ما قبل الجائحة، على الرغم من زيادة التوظيف. حتى في الربع الأخير من العام الماضي، انخفض العدد الإجمالي لساعات العمل 4 في المائة تقريبا عن الفترة نفسها عام 2019.
لا يزال الطلب المحلي ضعيفا في إسبانيا، وكما هو الحال في بلدان أخرى، فشلت الرواتب في مواكبة التضخم الذي وصل إلى 6.5 في المائة، مسجلا بذلك أعلى مستوياته في 30 عاما. قالت جيادا جياني، الخبيرة الاقتصادية في سيتي جروب: "يبقى السؤال الرئيسي هي ما إذا كان الاقتصاد قادرا على الحفاظ على نمو أعلى للأجور ومعدل البطالة لا يزال من رقمين".
وتظل بطالة الشباب مشكلة كبيرة. يقول كارلوس إنكا، الذي أجرى أخيرا دورة تدريبية لمؤسسة إتير بالقرب من مدريد: "بالنسبة إلى شخص غير متعلم، من الصعب جدا الحصول على وظيفة جيدة، تحصل فقط على العمل الذي لا يريده أحد".
لكن الأمور تبدو إيجابية للشاب البالغ من العمر 18 عاما، الذي حصل للتو على وظيفة في الترويج للألواح الشمسية - وهي منطقة أخرى تقول إسبانيا إنها تستثمر فيها أموال الاتحاد الأوروبي.