الألغاز ووصفات الطهي الخلطة السرية للأخبار

الألغاز ووصفات الطهي الخلطة السرية للأخبار

استحواذ صحيفة "نيويورك تايمز" على "ووردل"، لعبة الكلمة المكونة من خمسة أحرف مقابل مبلغ منخفض من سبعة أرقام الأسبوع الماضي، بدا وكأنه صفقة مالية، ما يثبت الصفة الإدمانية للعبة. أي تحد يتطلع الملايين، بمن فيهم أنا، إلى مواجهته كل صباح يعد أصلا ثمينا.
لا يبدو للوهلة الأولى أن الأحجية المثيرة للعقل التي يمكن لعبها على هاتف محمول، مع مشاركة النتائج على منصة تويتر، مناسبة لصحيفة إخبارية تأخذ نفسها ومهمتها على محمل الجد، وقد حددت للتو هدف جديد يتمثل في كسب 15 مليون مشترك بحلول 2027. "نسعى إلى الحقيقة ونساعد الناس على فهم العالم"، هذا ما نشرته الصحيفة بفخر.
لكن كثيرا من العملاء لا يأتون من أجل "كل الأخبار المناسبة للطباعة"، كما وعدت "نيويورك تايمز" على صفحتها الأولى. إنهم يتجمعون عبر الإنترنت بحثا عن الألغاز والوصفات، الآن تضم مواقع الويب والتطبيقات الخاصة بالطهي والألعاب التابعة للصحيفة أكثر من مليوني اشتراك وهي تضيف إلى الإجمالي بسرعة - أسرع من معدل اشتراك المشتركين في الأخبار السياسية والاقتصادية والعامة.
عاش صحافيو الصحف دائما مع معلومة مؤلمة هي أن كثيرا من القراء كانوا أكثر تمسكا بالكلمات المتقاطعة اليومية من تمسكهم بالمقالات. عندما أبعدت شبكة الإنترنت الإعلانات المطبوعة، أزالت إلى الأبد حزمة من الأخبار والتعليقات والألعاب والفضول في كثير من الصحف.
عادت هذه الحزمة عبر الإنترنت في "نيويورك تايمز". ظهرت الكلمات المتقاطعة الرئيسة لأول مرة فيها في 1942، لكنها أضافت الألغاز منذ 2014 في إطار جهودها لزيادة الاشتراك الرقمي. الكلمات المتقاطعة المصغرة تتناسب بشكل جيد مع الهاتف ـ تم لعبها 245 مليون مرة العام الماضي، وهو درس استوعبه جوش واردل، مخترع لعبة ووردل.
ثم يأتي الطبخ المنزلي. بدأت "نيويورك تايمز" في طباعة الوصفات في خمسينيات القرن الـ19، وكتب أحد القراء في القرن الـ21 باعتزاز عن طهي وصفة تعود لـ1967 بشكل متكرر "شرائح لحم العجل بيو سيجو". قال، "لا أزال أستخدم النسخة الأصلية من الورقة التي أصبحت، مع تقدمها في العمر، صفراء غامقة، وهشة، ومثبتة بوساطة شريط سكوتش (...) هذا العشاء المفضل، على ما أعتقد، قد أسهم في إطالة عمر زواجنا".
لذلك ليس من المستغرب أن تجذب "نيويورك تايمز" عددا كبيرا من المشتركين بـ40 دولارا سنويا إلى موقع الطهي الخاص بها، الذي يحتوي على قاعدة بيانات تضم 21 ألف وصفة، مضيفة 700 وصفه في 2021 وحده. الوصفة الأكثر شعبية في العام الماضي كانت "يخنة اللحم على الطريقة القديمة" التي تعود إلى 1994 من مولي أونيل، التي تمت مشاهدتها 5.6 مليون مرة ـ توفيت أونيل في 2019، لكن عملها لا يزال حيا.
يلاحظ مارك طومسون، الرئيس التنفيذي السابق لـ"نيويورك تايمز"، أن تغطية كثير من الموضوعات الترفيهية، من الطهي إلى المسرح ومراجعات الكتب، أضافتها الصحف في الأصل إلى الأخبار الثقيلة لأنها جذبت الإعلانات. لكن "تلاشي الإعلانات المطبوعة لا يعني أن الأنشطة فقدت اهتمام القراء".
سأذهب لأبعد من ذلك. ليس من الممتع قراءة كثير من الأخبار هذه الأيام، خصوصا أن المهاترات الحزبية حولها على وسائل التواصل الاجتماعي لا تساعد. الوصفات والألغاز المستخدمة للتخفيف من حدة "السيدة الرمادية" المطبوعة، كما عرفت "نيويورك تايمز"، هي أيضا الآن سلوى في عصر القلق عبر الإنترنت.
لعبة ووردل بارعة في هذا. عندما تجولت في قسم أخبار "فاينانشيال تايمز" هذا الأسبوع، كان المحررون منشغلين بشدة في مقارنة نتائجهم في "ووردل" في ذلك الصباح الباكر. اللعبة ليست صعبة للغاية - من النادر ألا تكون قادرا على تخمين الإجابة خلال ست محاولات لكنها تمنح لاعبيها شعورا يثلج صدورهم بأنهم واجهوا تحديا فكريا.
تم إنشاء الأحجية أيضا بخبرة لتشجيع المشاركة عبر الإنترنت والتنافس الحسن. من المغري نشر المحاولات القليلة على تويتر لأنك أثناء التباهي ستبدو مفيدا، وهي خدعة صممتها "ووردل" من خلال السماح للاعبين بعرض نتائجهم بمربعات خضراء وبرتقالية وسوداء فارغة "أخضر للحرف الصحيح في المكان المناسب، وبرتقالي للحرف الصحيح في المربع الخطأ".
تدور كثير من مقالات "نيويورك تايمز" حول الولايات المتحدة ومقالات ذات أهمية ثانوية للقراء العالميين. يمكن ترجمة "ووردل" وألغازها الأخرى "والوصفات بالتأكيد" بسهولة عبر الحدود، على الأقل بالنسبة إلى 135 مليون شخص يتحدثون الإنجليزية تستهدفهم الآن. اندلعت أقرب ما تكون إلى حرب ثقافية في "ووردل" في كانون الثاني (يناير) بسبب تهجئتها الأمريكية، وليست البريطانية، لكلمة favor.
لم ينفر ذلك البريطانيين. غرد ريتشارد مور، رئيس جهاز المخابرات السرية، هذا الأسبوع بأنه "يفكر في إلغاء متابعة الذين ينشرون نتائج ووردل"، ردت عليه الوكالة السيبرانية "مركز الاتصالات الحكومية" GCHQ "آسف" بأحرف في مربعات خضراء. عندما تكون جهة لعبت دورا رئيسا في فك شفرة إنجما في الحرب العالمية الثانية تمزح بأنه يمكنها حل أحجية الكلمات، لا بد أن ذلك انتشر انتشارا واسعا.
يثير هذا تساؤلا حول ما إذا كانت "نيويورك تايمز" ستبقي "ووردل" مجانية أو تدرجها ضمن اشتراكاتها الرقمية، التي طبقتها على الأخبار في 2011 وحققت إيرادات بلغت 774 مليون دولار العام الماضي. إنها تقدم بعض الألغاز مجانا، لكنها كانت حذرة هذا الأسبوع بشأن مصير "ووردل"، واعدة فقط بأنها ستكون مجانية "في الوقت الذي تتحرك فيه".
أيا كان ما تقرره مالكة "ووردل" الجديدة، فإن حماس الإنترنت اليوم سيتلاشى يوما ما وسيتحول إلى جزء أساس آخر بالنسبة إلى القارئ، مثل الكلمات المتقاطعة والوصفة القديمة ليخنة لحم البقر. لكن الكلمة المكونة من خمسة أحرف التي يكسبونها جميعا هي: المال.

الأكثر قراءة