كيف يمكن لليابان أن تصمد بعدد متناقص من البشر؟
في العام الماضي تقلص عدد سكان اليابان 630 ألف نسمة، أي ما يعادل عدد سكان لوكسمبورج. وفي الفترة من الوقت الحالي إلى عام 2040، من المتوقع أن ينخفض 16 مليونا أخرى، أو ما يعادل عدد سكان كمبوديا. ووصل عدد اليابانيين الشباب الذين يبلغون سن البلوغ الرسمية إلى أدنى مستوياته بعد الحرب، فيما وصل المد الذي يكتسح الفئة العمرية فوق 65 عاما إلى مستوى قياسي.
لا يوجد نقاش متفائل حول التركيبة السكانية لليابان. لكن لا توجد طريقة أيضا لتجنب مناقشة هذا الموضوع، ولا سيما مسألة كيف يمكن للشركات اليابانية أن تأمل في العمل كما فعلت حتى الآن، لكن بعدد أقل من البشر باستمرار.
مع ذلك، التطورات التي تحدث خلف الكواليس في جزء واحد من الاقتصاد تقدم طريقة جديدة للتفكير في المشكلة.
تمثل رد تقليدي على نقص القوى العاملة في اليابان في الشعور بالراحة لفكرة أن تكنولوجيا تغيير المشهد باتت موجودة بالفعل، أو أصبحت قاب قوسين أو أدنى. لقد أعطت روايات الاستثمار الصاخبة حول الذكاء الاصطناعي هذا ميزة جديدة من المعقولية.
تراوح التوقعات بشأن دور التكنولوجيا باعتبارها منقذا، بين تنبؤات واقعية تتعلق بأتمتة أكبر للمصانع وغيرها من الصناعات كثيفة العمالة، ومزيد من مشاهد الروبوتات الخيالية حيث يملأ الإنسان الآلي قطاع الخدمات؛ يطبخ، وينظف، ويخدم الطاولات، ويتفقد المكاتب بعد ساعات العمل، ويساعد كبار السن ويقدم لهم خدمات التمريض.
في حين أن بعض الناس يعتقد حقا أن الروبوتات ستتولى المزيد والمزيد من الأدوار التي يشغلها البشر حاليا، يرى بعض آخر أن فائدة الروبوتات تؤدي بسهولة إلى تأجيل نقاش حول الهجرة، ما يجعل المجتمعات في البلاد تجفل بشكل جماعي. وكلا النظرتين من الطرق العتيقة بشكل غريب للتعامل مع المشكلة.
ربما وجدت شركة تاكافومي يانو الناشئة طريقة أخرى. في اليابان، أعمال الاستعانة بمصادر خارجية لأداء الأعمال تقف بشكل غامض إلى حد ما وراء هذه المناقشات: على الرغم من أن عددا كبيرا من شركاتها انتهزت الفرص (خاصة عن طريق التصنيع في الخارج)، كان الأمر مختلفا بالنسبة لكثير من الشركات الأخرى، التي أبقت الوظائف في البلد، معتبرة أن المخاطر المتصورة حول الجودة، والسمعة، وعلاقات العملاء، واللغة، والرقابة تفوق فوائد التصنيع في الخارج.
كان أحد الآثار الجانبية لهذا هو إخماد النقاش الجاد حول مقدار العمل الذي تقوم به القوى العاملة اليابانية ويمكن في الواقع أن تقوم به القوى العاملة في بلد آخر.
يقول يانو، البالغ من العمر 31 عاما، من كيوتو، الذي أسس شركة أثناء إكمال الدكتوراه في تصوير إشارات الدماغ، إن التكنولوجيا تؤدي هذا الدور الأساسي. تدرس مؤسسته، روتيليا، خطط إدراجها في طوكيو وتجري محادثات مع بعض أكبر الأسماء الصناعية في اليابان، ومنها شركة تويوتا.
تنبع الفكرة وراء مؤسسة روتيليا من وجهة نظر مفادها أن عددا كبيرا جدا من العاملين اليابانيين - يقدرهم يانو بـ500 ألف - يشاركون في بعض جوانب فحص الجودة والرقابة. هذه الوظائف التي تراوح من فحص المكونات عالية الهندسة إلى التأكد من وضع صناديق الغداء بشكل صحيح، تعمل على ربط جزء كبير من قوة العمل المتقلصة. يجادل يانو بأنه إذا تم تحريرهم وإعادة توزيعهم، فإن هؤلاء الـ500 ألف شخص سيكونون أكثر إنتاجية عدة مرات من أفضل الروبوتات في السوق.
ولتحقيق ذلك، يعرض يانو إنشاء نظام يجمع بين الذكاء الاصطناعي – وهو كما يقول في هذه المرحلة، فعال جزئيا فقط لفحص الجودة - إضافة إلى الفحوص البصرية التي يقوم بها البشر خارج اليابان باستخدام هواتفهم المحمولة. قال إن الكاميرات الموضوعة في المصانع وخطوط الإنتاج توفر تفاصيل كافية لنسبة كبيرة جدا من هذه المهام. ذكر أن عمال الوظائف المؤقتة في جميع أنحاء العالم - تركيا وإندونيسيا تبرزان في المجال - مرتبطون ببعضهم بعضا كقوة عاملة واحدة مرنة يمكن لأفرادها إجراء عمليات الفحص من منازلهم في الساعات التي تناسبهم.
هل اليابان مستعدة للتغيير الثقافي الذي يصاحب هذا التحول؟ فعلى مدى عقود سعت إلى جعل اهتمامها بالجودة نقطة بيع فريدة لصناعاتها الإنتاجية، وهي عنصر أساسي في قيم ما يعرف بأخلاقيات "مونوزوكوري" (صنع الأشياء) التي تدعم كثيرا من الفخر الوطني.
على هذا النحو، فإن فكرة الاستعانة بمصادر خارجية لهذا العنصر من عملية التصنيع تتجاوز إلى حد ما مسألة جاهزية التكنولوجيا، كون التكلفة جذابة والنتيجة العملية هي نفسها كما لو كانت قد تم إجراؤها في الوطن. في الواقع، بالنسبة إلى يانو، تمثل مسألة الاستعانة بمصادر خارجية لمراقبة الجودة قرارا لا يمكن الرجوع عنه خاصة للشركات اليابانية.
هذا هو سبب أهمية تقدم شركة روتيليا والصفقات التي ستبرمها مع الشركات اليابانية في الأشهر والأعوام المقبلة. كلما تعاملت اليابان بجدية مع فكرة استخدام التكنولوجيا لإعادة نشر قوتها العاملة البشرية، قل الوقت الذي ستضيعه في انتظار جيش من الروبوتات التي قد لا تأتي أبدا.