«الألم» صديقك الوفي
بقدر كرهك له وتنغيصه حياتك، إلا أنه يعد جرس إنذار ينبهك إلى ما يحدث داخل جسدك وفي ثنايا روحك سواء كان ألما جسديا أو نفسيا. إنها إشارات من خلاياك العصبية تحاول حمايتك من خطر وشيك من داخل جسدك أو خارجه قد يتلف أنسجتك وينقلك إلى مراحل أعمق وأسوأ من الألم وتلف الجسد، لذا ننادي دائما أن تنصت إلى صوت جسدك إلى" ألمك"!
والألم يشبه صديقك الصدوق الذي ينصحك ويصارحك بأخطائك فينبهك عند حدوث خلل في جسمك أو تفكيرك أو نفسيتك، حتى إنه قد يرشدك إلى احتمال وقوع الخلل قبل أن يقع. شعور الإنسان بالألم يدفعه إلى البحث عن سبل معالجة مواطن الخلل. ولولا الألم لما أحس بالضرر ولتضاعف هذا الضرر حتى يؤدي به إلى الهلاك لا قدر الله.
نسعى جاهدين إلى تجنب الألم وكأن في انعدامه سعادتنا ـ ولا نعلم أن الحياة من دون ألم ستكون بحد ذاتها هي أقصى درجات الألم ـ لذا نلجأ إلى المسكنات التي يستهلك منها البشر نحو 14 مليار جرعة، ورغم أن المسكنات إحدى أعظم النعم التي اكتشفها البشر، إلا أن علاج أسباب الألم هي الأساس وليس مجرد إسكات صوته!
يتعرض الإنسان عادة إلى جرح بسيط كالإصابة بسكين المطبخ أو شوكة نبات أو لسعة نار مرة كل أسبوع، أي ما يقارب أربعة آلاف مرة في حياته، ومن المتعارف عليه أن 95 في المائة من هذه الإصابات تكون في الأطراف، ويكون الإنسان في الغالب قادرا على حماية نفسه منها إلا عددا ضئيلا من البشر، فهناك واحد من كل مليون إنسان لا يشعر بالألم، وتعرف حالته بـ"اللاشعور بالألم الخلقي"، وكذلك مرضى الجذام والسكري نظرا إلى فقدانهم الإحساس في الأطراف، فتجد أجسادهم مليئة بالندبات والحروق والتشوهات التي لا يعرفون متى ولا كيف حدثت، وقد تعتقد لوهلة أنهم يرفلون في النعمة ولكن الواقع يقول أنهم يعانون مأساة حقيقية!
يذكر الدكتور جيف وودز من معهد كامبريدج للأبحاث الطبية، "قتل كثير من الذكور الذين يعانون عدم الشعور بالألم أنفسهم في أواخر العشرينيات من عمرهم من خلال القيام بأشياء خطيرة للغاية، لأنهم لم يرتدعوا بالألم، أو لديهم مفاصل تالفة لدرجة أنهم مقيدون على كرسي متحرك".
ومثل الألم الحسي يحرمك فقدان الألم العاطفي الشعور بالآخر ومن التفاعل الاجتماعي ومن الشعور بالفرح والامتنان والرحمة والمرح والحب، لأن الألم هو أساس غريزة البقاء على قيد الحياة.