رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


عراقيل أوروبية وتنافسية مهزوزة

تواجه الشركات الأوروبية ضغوطا متنوعة بصورة متفاوتة على صعيد التنافسية بين بلد وآخر وحسب مؤشراته الاقتصادية ونموها. فالمؤسسات الألمانية لا تزال تتمتع بالقدرة التنافسية بحكم الخلفية الاقتصادية القوية لكن ليس كما كانت من قبل، وكذلك الأمر بالنسبة إلى شركات في عدد محدد من البلدان الأوروبية الأخرى، بما في ذلك الفرنسية والإيطالية وغيرهما. ومشكلة التنافسية الأوروبية ليست جديدة، فهي تعود إلى أعوام عديدة، وهي موجودة أيضا على ساحات أخرى، بما فيها الولايات المتحدة، مع تنامي حجم الإنتاج والخدمات في بعض البلدان الناشئة، التي استفادت من التسهيلات العالمية التي تكفلها القوانين الدولية لمثل هذا النوع من الاقتصادات، بما فيها الصين التي تحاول بشتى الوسائل ألا تخرج من هذه الدائرة، وتفقد الامتيازات التجارية. لكن أمر مشكلات التنافسية الأوروبية له أسبابه المتعددة الأخرى أيضا.
وفي أعقاب تفشي وباء كورونا المستجد، ظهرت الثغرات في مجال التنافسية من عدة زوايا، مثل ضعف سوق العمل والتضخم ونقص سلاسل الإمدادات الذي لا يزال حاضرا بصورة خطيرة في القارة العجوز. وعلى الرغم من أن الحكومات الأوروبية اتخذت سلسلة من الإجراءات خلال أزمة الوباء، لكي تخفف الضغوط على الشركات، إلا أنها لم تمنحها قوة دفع مناسبة. فالمسألة لم تعد خاصة بعمليات الإنقاذ والدعم التي سادت العالم أجمع، خصوصا في عام 2020، بل تتعلق بروابط الأزمة الاقتصادية الكبرى التي خلفها الوباء.
فحراك التصنيع الأوروبي أصابه التعثر وكما نعلم أن أوروبا كانت أكثر انتشارا للوباء في بدايته وتعرضت اقتصاداتها إلى هزات عنيفة وأزمات، حيث كانت بعض الدول تواجه مشكلات اقتصادية بداية الجائحة، ولا تزال هناك شركات متعثرة رغم عودة الحراك إلى الاقتصاد العالمي عموما. وهذا التعثر له أيضا أسبابه، على رأسها اختناقات سلاسل التوريد، التي شملت في الواقع كل الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة. ومشكلة سلاسل التوريد أو الإمدادات، لن تحل بسرعة، وفق المعطيات الحالية على الساحة الدولية.
ولعل من أهم المعوقات التي تواجهها شركات التصنيع الأوروبية حاليا، النقص المخيف في أشباه الموصلات والليثيوم وغيرها من المواد الأساسية التي تدخل في كل صناعة تقريبا. ومشكلة أشباه الموصلات موجودة في الميدان حتى قبل انفجار كورونا، وتسببت بالفعل في إرباك المشهد التصنيعي الأوروبي. التعطيل الذي يحدث لهذا السبب الحيوي جدا، أسهم في خفض الطلب من شركات أوروبا، خصوصا أن مؤسسات ضخمة ومعروفة تاريخية على الساحة العالمية، لم تتمكن من الإيفاء بالتزاماتها على صعيد التسليم. والحقيقة أن عدم الإيفاء أمر لم يتوقعه أحد من جهات إنتاجية تستند إلى سمعة تاريخية عريقة في مجال الإنتاج والوفاء بسجلات الطلبيات. مشكلات متعددة تواجه الشركات الأوروبية حاليا في مجال التنافسية، ويبدو أنها ستستمر إلى أن تتضح الصورة الشاملة للمشهد.
ففي ظل هذه الوضعية، تراجع في أوروبا إنفاق الأسر بصورة كبيرة، وسط ارتفاع تاريخي لمعدلات التضخم في كل أنحاء القارة، الأمر الذي ينعكس بالضرورة سلبا على إيرادات الشركات في أي مكان. ولذلك، فإن تفاقم الوضع الاقتصادي عامة يسهم أيضا في سحب جزء من القوة التنافسية لهذه المؤسسات. وتسعى الحكومات، خصوصا في الاتحاد الأوروبي، إلى المحافظة قدر الإمكان على قوة الشركات، بما في ذلك الإبقاء على معدلات الفائدة عند الحدود الصفرية، إلا أن العوامل الأخرى لا تزال تضرب الجانب التنافسي. فالنقص في الأيدي العاملة تفاقم في الأعوام الثلاثة الماضية، وهذا النقص لم يؤثر سلبا فقط في المخرجات الإنتاجية، بل أسهم مباشرة في تفاقم أزمة سلاسل التوريد. لكل هذه الأسباب ستواصل شركات أوروبا كفاحها في المرحلة المقبلة، ولا سيما مع عدم خروج الاقتصاد العالمي تماما من التأثيرات التي تركها كورونا. فالحلول المأمولة موجودة لكنها متشعبة، وتحتاج إلى مزيد من الوقت.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي