كيف يحافظ أرباب العمل على الموظفين في سوق ضيقة؟
جعل النقص في العمالة العالمية الشركات حول العالم وفي القطاعات تعاني لملء الوظائف الشاغرة. ففي العامين الماضيين، تضرر العرض بسبب الاستقالة الكبرى، حيث يترك الموظفون وظائفهم في أعداد مذهلة، ونقص الهجرة بسبب القيود على السفر.
لكن ما الذي تقوم به الشركات في جميع أنحاء العالم لسد فجوات العمالة؟ تتضمن الاستجابات الشائعة رفع الأجور وزيادة الاستثمار في التكنولوجيا التي تسمح للموظفين بقضاء مزيد من الوقت في إنجاز العمل.
كانت اليابان تعاني شيخوخة السكان وانخفاض معدلات المواليد قبل الجائحة. إن سكانها هم الأكبر سنا في العالم، بنسبة 29 في المائة للبالغين من العمر 65 عاما أو أكثر. هناك نقص في جميع القطاعات، مع وجود ضغط خاص على التمريض حيث تتقلص القوى العاملة الوطنية ويحتاج مزيد من الأشخاص إلى الرعاية. وقالت وزارة الصحة في تموز (يوليو)، "إنه ستكون هناك حاجة إلى نحو 690 ألف ممرضة إضافية بحلول 2040 لتلبية الطلب المتزايد"، لكن نحو 60 في المائة من دور الرعاية تقول "إن هناك نقصا بالفعل"، وفقا لدراسة بحثية أجرتها مجموعة استشارية في هذه الصناعة.
تأمل سومبو هولدنجز، مجموعة تأمين دخلت قطاع الرعاية الياباني في 2015، في أن الرقمنة ستساعد. في 2020، استثمرت 500 مليون دولار في "بالانتير"، مجموعة لتحليل البيانات ومقرها في كولورادو، بهدف تعظيم التكنولوجيا الخاصة بها لبناء منصة بالبيانات التي تم جمعها من أكثر من 280 دار رعاية تابعة لمجموعة سومبو في جميع أنحاء اليابان.
ويعتقد كين إندو، رئيس مجموعة سومبو للرعاية، وحدة التمريض، أن التكنولوجيا ستقلل من الأعمال الورقية، ما سيسمح للموظفين بقضاء مزيد من الوقت في رعاية المقيمين. في المجتمع الياباني، تقع مسؤولية الرعاية بشكل تقليدي على عاتق العائلات. وقد أدى ذلك إلى انخفاض الأجور والافتقار إلى نظام تدريب في قطاع الرعاية، وفقا لإندو، الذي "شعر بالمفاجأة لرؤية الصناعة مترددة للغاية في تدريب الناس".
وقد استجابت مجموعة سومبو لهذا الوضع بإنشاء مراكز وبرامج تدريبية، إلى جانب زيادة الأجور، ساعد هذا على جذب المواهب والاحتفاظ بها. معدل استقالة الموظفين، الذي تجاوز 20 في المائة، أصبح الآن 11 في المائة، مع انضمام مزيد من خريجي الجامعات إلى الشركة كل عام.
كما اتجهت مجموعة ويست مانجمنت الأمريكية لتعزيز الصحة إلى التكنولوجيا وسط الاستقالة الكبرى في الدولة. وذكرت وزارة العمل في وقت سابق من هذا الشهر أن نحو 4.5 مليون عامل أمريكي تركوا وظائفهم في تشرين الثاني (نوفمبر) وحده. وكان هذا هو أعلى "معدل للاستقالة" منذ أن بدأت في تتبعه في 2001. وتشير البيانات إلى أن الأغلبية تركوا وظائفهم بعد تلقي عروض أفضل.
وقالت شركة ويست مانجمنت "إنها بدأت في نشر شاحنات قمامة آلية جزئيا لا تتطلب من السائقين تفريغ الحاويات بأنفسهم. لم نعد نتنافس في صناعة النفايات وحدها على سائقي الشاحنات"، كما تقول تاملا أوتس فورني، كبيرة موظفيها، مشيرة إلى أن الشركة كان عليها التنافس على الموظفين مع أمثال شركة أمازون ومتاجر وول مارت.
ضغوط طويلة الأمد
يقول مديرو الشركات في الولايات المتحدة "إنهم لا يرون أن ضغوط العمالة ستتلاشى في المدى القريب، حيث إن القوى العاملة الحالية تتقدم في السن، والهجرة ما زالت منخفضة، ولا يظهر ملايين الأمريكيين الذين تركوا القوى العاملة أثناء الجائحة أي علامة على العودة". وكانت رغبة عديد من العمال المكتشفة حديثا لترك وظائفهم عائقا أمام أرباب العمل، الذين يقولون إن معدل الاستقالة المرتفع يجعل من المستحيل الحفاظ على مستويات توظيف ثابتة.
وقد تلاشت فاعلية مكافآت التوظيف والحيل مثل عروض السيارات والأموال التي اعتمد عليها أرباب العمال في الولايات المتحدة في وقت سابق من الجائحة، ما أجبر الشركات على إعادة تقييم من يمكنه القيام بعملها.
بدأت شركة هوت واير الاستشارية في مجال الاتصالات في تعيين مديرين تنفيذيين للحسابات دون خبرة تكنولوجية لمكاتبها في الولايات المتحدة، على الرغم من أن هذا القطاع هو السوق الأساسية للشركة. وتقول هيذر كيرناهان، الرئيسة التنفيذية للشركة "لا يمكننا اتباع النهج الذي اعتدنا عليه نفسه".
وتحاول شركة جي بي إس لمعالجة الطعام أن تجذب الموظفين الذين لم يعودوا مهتمين بالعمل في المستودعات على المدى الطويل من خلال تقديم مزايا تعليمية وإسكانية، بينما تعمل نحو وظائف أخرى. وقد أطلقت الشركة برنامجا يمول التعليم الجامعي للموظفين أو من يعولونهم، حتى لو كان تعليمهم يؤدي بهم إلى وظيفة خارج شركة جي بي إس في أقل من عامين.
يقول كريس جاديس، مدير الموارد البشرية في شركة جي بي إس في الولايات المتحدة "أعتقد أن الوظيفة بالنسبة إلى عدد من عمال الإنتاج بالساعة لدينا، على الرغم من بذلنا قصارى جهدنا، مجرد وظيفة".
وظائف شاغرة قياسية
كان لدى المملكة المتحدة رقم قياسي بلغ 1.2 مليون وظيفة شاغرة في الأشهر الثلاثة المنتهية في تشرين الثاني (نوفمبر) من 2021، وأفاد أكثر من نصف الشركات التي أبلغت عن نقص في العمالة أنها كانت غير قادرة على تلبية المطالب.
ووفقا لمعهد دراسات التوظيف، وهو مركز فكري، فإن سوق العمالة البريطانية في أشد مستوياتها ضيقا منذ 50 عاما على الأقل. وقد تركزت الجائحة مع خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، ما زاد من حدة نقص العمالة. وعلى الرغم من ذلك، يقول راسل بيك من شركة إيماجن ثينك دو، شركة استشارية لاستراتيجيات الأشخاص، "إن الجائحة قد أدت إلى تضخيم الاتجاه الذي كان يحدث بالفعل".
ويقول تحليل أجرته كلية لندن للاقتصاد عن كيفية استجابة الشركات البريطانية لنقص العمالة "إن نحو ثلثها رفع الأجور، ونحو 20 في المائة تستثمر في التكنولوجيات الجديدة".
يقول سيمون روبرتس، الرئيس التنفيذي لمجموعة المتاجر البريطانية جيه سينسبيري، "إنه كنتيجة للحظات التشغيل الصعبة خلال الأشهر الـ18 الماضية، كان يجب علينا أن نتحلى بالمرونة والقدرة على التكيف".
في استجابة لنقص في سائقي شاحنات البضائع الثقيلة، على سبيل المثال، قال "إن بائعي التجزئة اتخذوا خطوات جذرية للتأكد من أنه لدينا القدرة على الطريق لنقل المنتجات". وتتضمن هذه الجهود أجورا أعلى وتقديم مدفوعات الاحتفاظ بالموظفين. وقد قامت مجموعة سينسبيري بزيادة أجور الموظفين في جميع متاجر سينسبيري وأرجوز. وقد قامت الشركات الأخرى، مثل سوبرماركت ألدي، وبريت -أ- مانيجر، سلسلة متاجر الشطائر، برفع الأجور أيضا.
كما تتم مواجهة نقص العمالة بزيادة الأجور في القطاعات المهنية مثل البنوك والقانون. وتتجه صناعة القانون إلى الموظفين المؤقتين، بعد طفرة عمليات الاندماج والاستحواذ التي أدت إلى زيادة عبء العمل - تم الاتفاق على صفقات تزيد قيمتها على 5.8 تريليون دولار عالميا في 2021، وزيادة بنسبة 64 في المائة على أساس سنوي - ومعدلات تناقص أعلى بسبب عوامل كالإرهاق.
ومع ذلك، يضيف بيك، المتحدث باسم شركة فيستج - شبكة قيادية - أن "زيادة الأجور ليست سوى إصلاح قصير المدى حيث يتلاشى تأثيرها بسرعة"، ويقول "المال يشبه إلى حد ما مرطب الشفاه. إن شفاهنا مشققة، ونشعر بأنها ملتهبة، أحتاج إلى قليل من مرطب الشفاه. لكنه يبلى ولذا فأنا بحاجة إلى مزيد قليلا".
ويضيف أنه "إذا استقال شخص ما وعرض رب العمل زيادة في الأجر، تظهر جميع الإحصائيات أن نحو 80 في المائة من الأشخاص لا يزالون يغادرون في غضون ستة أشهر".
إدوارد جيمس، الذي يمتلك ثلاثة صالونات لتصفيف الشعر في جنوب غرب لندن، يعمل لديه 75 شخصا وهو حريص على التركيز على الاحتفاظ بالموظفين. لذلك فإنه ينفق أكثر على التدريب والتطوير. يقول "إنه أمر جيد جدا لدفع أجور أعلى للناس، لكننا بحاجة إلى تحسين مهارات الأشخاص".
بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، شهد انخفاضا في عدد المتقدمين الأوروبيين، مضيفا أن "الصناعة تشتهر بأنها سيئة، لإرهاق الموظفين، وأن عدد المتدربين في تصفيف الشعر قد انخفض".
كما أنه غير قادر على رعاية الموظفين من دول أخرى لأن تصفيف الشعر في المملكة المتحدة لا يعد وظيفة "ماهرة"، وهو ما يتناقض مع الدول مثل نيوزيلندا وأستراليا، حيث تعد مؤهلات تصفيف الشعر شرطا قانونيا.
في الوقت الحالي، تعمل صالوناته بشكل جيد، ويقول جيمس "إنه يتأكد من قضاء الوقت في جميع المواقع الثلاثة". ويقول "أعرف كل من يعمل لدي". يحضر متدربو الصالون دورات في الكليات المحلية، ويضاف إليها مزيد من التدريب الداخلي بسبب "الاختلاف الكبير" في المعايير بين الكليات.
يقول بيك "إن مواجهة تحديات نقص المهارات ستكون صعبة حقا للشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم".
ويوافق إريك شيفيه، نائب رئيس اتحاد الشركات الصغيرة والمتوسطة الفرنسي على ذلك، ويقول "إنه في فرنسا تكافح ثلثا الشركات الصغيرة والمتوسطة للتوظيف".
أدت الجائحة إلى تفاقم النقص الحالي في العمالة في قطاعات في جميع أنحاء أوروبا مثل تكنولوجيا المعلومات والبناء والرعاية الصحية. فقد فقدت الفنادق والمطاعم في فرنسا نحو 237 ألف موظف بين شباط (فبراير) 2020 و2021، وفقا لمديرية البحوث والدراسات والإحصاءات في وزارة العمل الفرنسية.
تحقيق التوازن
إن زيادة الأجور والمزايا الأخرى غالبا ما تعرض لجذب موظفي الضيافة واستبقائهم. وتقول جوليا روسو، مؤسسة "إيثيكو آر إتش"، شركة استشارات التوظيف، "من الضروري تعديل ساعات العمل وزيادة الأجور وجعل الطلاب يرغبون في الانضمام إلى المدارس الفندقية".
تعتقد روسو أن قضاء بعض الوقت بعيدا عن العمل أثناء فترات الإغلاق جعل كثيرا من الموظفين بساعات دون نشاطات اجتماعية يبدأون التشكيك في الروتين الخاص بهم. وقد ساعدت كثيرا من الطهاة ومساعدي المطبخ على تغيير حياتهم، ومن بين أولئك الذين بقوا في الصناعة، ينجذب كثيرون إلى "المطابخ المظلمة"، حيث يتم طهي الطعام للتسليم فقط، مع عدد متوقع من الطلبات.
في باريس، تقوم أعداد متزايدة من المطاعم الراقية بالإغلاق أيام السبت والأحد. وتعمل بعض المطاعم الأخرى لساعات أقل أو تستخدم فرقا مختلفة لوجبات طعام الغداء والمساء.
كان الشيف جاي سافوي الحائز نجمة ميشلان يغلق مطعمه الذي يحمل اسمه بالفعل لمدة يومين ونصف أسبوعيا قبل انتشار الجائحة، من أجل السماح لموظفيه بالراحة، ويعتقد أن هذه الممارسة، إضافة إلى الأجور التي يقدمها وقوة علامته التجارية، ساعدته على الاحتفاظ بهم.
ويقول "من المنطقي بشكل أكبر إغلاق المطعم ليوم إضافي والاحتفاظ بالفريق نفسه". لكنه يقر بأنه لا يمكن لجميع الشركات تحمل ذلك. حل طويل الأمد؟ "يحتاج نظام التعليم إلى التأكيد على أن المهن اليدوية لا تقل أهمية عن المهن الأكاديمية".