معركة كوفيد .. خسائر القادة والدول
تضاءلت شعبية جو بايدن. انخفضت نسب تأييده إلى أقل من 40 في المائة بسبب ارتفاع الأسعار واستمرار الفيروس العالمي. لكن ذلك لا يقتصر على رئيس الولايات المتحدة. المتحور أوميكرون يساعد على تقويض كثير من القادة الذين ظهروا سابقا وكأنهم يتغلبون على الجائحة.
من بين 15 دولة ديمقراطية كبرى تجري فيها استطلاعات الرأي بشكل منتظم، لا يحظى القادة بشعبية أو يفقدون شعبيتهم في عشر منها، من فرنسا إلى تايوان. الناخبون الذين سارعوا إلى دعم قادتهم في بداية هذه الحرب، مع ارتفاع نسب التأييد في ربيع 2020، أصبحوا الآن متعبين من الجهود المستنفرة. تساورهم شكوك في أن أي شخص لديه استراتيجية رابحة ضد هذا العدو المتغير الشكل.
تظهر البيانات من جامعة جونز هوبكنز، كما عرضت على موقع endcoronavirus.org، أن عدد الأماكن "الفائزة"، أي التي دفعت عدد الحالات الجديدة إلى ما يقارب الصفر، انخفض أكثر من النصف، إلى 12 فقط، منذ كانون الأول (ديسمبر). هذا سقف عال للنجاح، لكن الاتجاه في المسار الخاطئ واضح.
لم يتم تصنيف أي من الدول الـ50 الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم حاليا من بين الدول الفائزة على الفيروس. التي نجحت هي في الغالب دول صغيرة، مثل بالاو والفاتيكان. في الوقت نفسه، عدد الدول الخاسرة - التي "تحتاج إلى اتخاذ إجراءات" ضد أوميكرون - تضاعف منذ كانون الأول (ديسمبر) إلى أكثر من 110.
في وقت مبكر كان كثير من السلطات وكثير من الصحافيين يدرسون الدول التي لديها عدد حالات منخفض باعتبارها نماذج لكيفية التغلب على كوفيد. هذه الصناعة الصغيرة خاملة إلى حد كبير الآن. كثير من قصص النجاح فقدت بريقها بعد تعرضها لضربة قوية في موجات الجائحة اللاحقة. تشمل تلك القصص كندا وأستراليا ونيوزيلندا وتايوان والسويد وألمانيا.
انتقل بعضها من الفشل إلى النجاح والعكس. تمت السخرية من الولايات المتحدة في البداية على أنها "العالم الثالث" بسبب استجابتها غير العلمية في عهد دونالد ترمب، ثم حظيت بالإعجاب بسبب طرح اللقاح السريع. الآن لديها أسوأ عدد من الوفيات مقارنة بأي دولة متقدمة.
بايدن يدفع الثمن، لكنه ليس الوحيد الذي شهد تحول نسب التأييد الإيجابية إلى سلبية بشكل متزايد في الأشهر الأخيرة، التي تراجعت جزئيا بسبب الإرهاق العام مع استمرار الفيروس. عانى القادة في المملكة المتحدة وأستراليا وكندا من انتكاسات مماثلة.
يركز نقاد محليون على عدم الكفاءة المحلية في التعامل مع الجائحة، لكنهم يغفلون عن حقيقة أن الحكومات على مستوى العالم تعاني المصير نفسه. حتى رئيسة الوزراء النيوزيلندية، جاسيندا أرديرن، التي أصبحت نجمة عالمية بسبب استجابتها النشطة للجائحة في وقت مبكر، شهدت تراجعا في شعبيتها أخيرا مع تفشي المتحورات الجديدة.
تتراجع الثقة بالقادة السياسيين والسلطات الصحية في معظم أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، ويتزايد الشك ليس فقط بشأن بايدن، بل أيضا بشأن حكام الولايات والتدابير التي استخدمتها الحكومة لإبطاء الفيروس، من ضمنها أوامر ارتداء الكمامة وأخذ اللقاح أو الإغلاق.
إدراكا للإرهاق المنتشر، الحكومات الديمقراطية التي سعت إلى القضاء التام على الفيروس، بما في ذلك حكومات أستراليا وكندا ونيوزيلندا، تقلل الآن من هذا الهدف. الدولة الوحيدة الكبيرة المقاومة هي الصين، التي تفاخرت قيادتها بأن سياسة "صفر كوفيد" التي تتبعها تغلبت على الجائحة وأطلقت شرارة أول انتعاش اقتصادي في العالم بعدها.
لكن ليس الآن. هذا الشهر أبلغت بكين عن أول حالة إصابة بالمتحور أوميكرون الذي ينتشر بين سكان يفتقرون إلى حد كبير إلى المناعة، ويرجع ذلك جزئيا إلى انخفاض التعرض للسلالات السابقة. ربما تكون السياسة المبنية على التتبع القوي للمخالطين وعمليات الإغلاق قد تركت الصين "منعدمة المناعة" وضعيفة بشكل غير عادي للمضي قدما.
في الآونة الأخيرة، تحدث مسؤولو بكين عن "القضاء الديناميكي على الفيروس" بدلا من سياسية صفر كوفيد، ما يشير إلى أنهم ربما يغيرون المسار استجابة للأدلة على أن عمليات الإغلاق المتكررة تقوض الاقتصاد. كما أن المعلقين في الخارج لم يعودوا يروجون للصين باعتبارها نموذجا.
تمسكت معظم الحكومات، الشمولية والديمقراطية، بوعدها بأن الناس إذا دعموا قادتهم، فإن النصر سيأتي عاجلا غير آجل. بدلا من ذلك، أظهر الفيروس حدود الدولة في السيطرة على قوة الطبيعة الجبارة هذه أو حتى فهمها. بعد المشاركة في حرب قصيرة، بدأ يفقد الناخبون صبرهم.
قد يكون هناك تنفيس. وسط مؤشرات على أن أوميكرون بلغ ذروته في أجزاء من الولايات المتحدة وأوروبا، رفعت السلطات الصحية العالمية الأسبوع الماضي الآمال بأن "النهاية" تقترب. لكن الحديث السابق لأوانه عن "الفوز" يهدد بتعميق الغضب العام والتسبب في ضرر دائم لمصداقية الطبقة السياسية.
*كبير الاستراتيجيين العالميين في شركة مورجان ستانلي إنفستمنت مانجمينت، ومؤلف كتاب "القواعد العشر للأمم الناجحة"