النفوذ التكنولوجي .. معطيات جديدة

ليس واضحا تماما إلى أين سيمضي حراك الشركات التكنولوجية الصينية الناشئة، التي اصطلح على توصيفها بـ"العمالقة الصغار"، وهذا التوصيف يأتي على أساس أنها ليست معروفة على الساحة، مقارنة بمثيلاتها الكبرى كـ"علي بابا"، و"تينسنت هولدنج"، مثلا، لكن الواضح، أن نشاط هذه الشركات يحقق خطوات لافتة، حتى بالنسبة إلى الجهات الغربية، وعلى رأسها الأمريكية، خصوصا من خلال نجاحها في تقديم منتجات مبتكرة تستهدف قطاعات مهمة استراتيجيا، مثل الإنسان الآلي "الروبوت"، والحوسبة الكمية، وأشباه الموصلات، وغيرها من منتجات أصبحت علامة من علامات المستقبل التجاري حول العالم، واحتلت مكانة مميزة في الأسواق.
نشاط "العمالقة الصغار" المتصاعد لا يتفق مع استنتاجات البعض سابقا بأن المواقف الحكومية المتشددة حيال شركات التكنولوجيا الصينية المعروفة سيؤثر سلبا في سباق بكين مع واشنطن على هذه الساحة، فالأخيرة لا تزال مسيطرة، ورائدة في ميدان "وادي السيليكون".
الأسئلة كثيرة ومتنوعة حول "العمالقة الصغار" في الصين، وعلى رأسها السؤال المحوري الأهم، وهو هل ستكون بمنزلة أسلحة في الحرب التكنولوجية بين الصين والولايات المتحدة. هذه الحرب موجودة بالفعل منذ أعوام عديدة، رغم أن الجانب الأمريكي لا يزال يحقق فيها انتصارات متتالية، والقدرات الصينية في هذا المجال لا تتطلب زمنا فحسب، بل تستوجب التطوير الدائم للتوجهات الحكومية في بكين، بما يتناسب مع غاياتها، وهذه الحكومة لم تتوقف في حراكها التطويري المشجع بصرف النظر عن بعض مواقفها السلبية حيال الشركات الكبرى، ولذلك فهي تستهدف وجود أكثر من عشرة آلاف شركة تحمل لقب "العمالقة الصغار" بحلول عام 2025.
يبدو واضحا أن عزم الصين قوي في هذا المجال، علما بأن اختيار الشركات يخضع لاحتياجات وسياسات صناعية محددة للدولة كلها، بمعنى آخر، إنها تلائم المتطلبات التكنولوجية الوطنية. وفي هذا الجانب تسعى الصين إلى أن تكون رقما صعبا في المجال التكنولوجي، منذ أن ركزت على التنمية والتنافسية بشكل كبير، لكنها واجهت صعوبات خلال أعوام الحرب التجارية التي وقعت بينها وبين الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، ولم تتحسن أصلا في عهد خلفه جو بايدن، لأسباب لا تتعلق فقط بالتجارة، بل بالسيادة، والتوسع، النفوذ الصيني هنا وهناك.
لذلك، فإن تشجيع وإنشاء شركات التكنولوجيا التي تتصف بـ"العمالقة الصغار"، يدخل أساسا من باب سد الاحتياج المحلي لها، قبل أن تكون منافسا قويا على الساحة العالمية، فالمكونات الأمريكية في هذه الصناعة لا تزال أساسية، مثل الرقائق، والبرمجيات الصناعية، وأنظمة تشغيل الأجهزة الذكية، وقد انكشف أمرها خلال الحرب التجارية المشار إليها.
ربما تكون هذه الشركات قوة الصين المقبلة، إلا أنها تحتاج إلى مزيد من الوقت، وكثير من القفزات النوعية، فالمسألة لا ترتبط فقط بعدد الشركات والمؤسسات المختصة، بل تشمل أيضا مدى قوة هذه الشركات ومحوريتها، ونفوذها، في ميدان واسع معقد تنافسي، علما بأن عدد الشركات الموجودة أصلا التي استحقت لقب "العمالقة الصغار" يبلغ حاليا 4762، وفي غضون ثلاثة أعوام ربما يتجاوز عشرة آلاف.
لا شك في أن التسهيلات التي تمنحها الحكومة الصينية كبيرة جدا في هذا المجال، بما في ذلك التمويلات المصرفية التي وصلت قيمتها لإحدى الشركات إلى نحو 160 مليون دولار. والمطلوب دائما للحصول على قوة الدفع هذه أن تتخصص الشركة في مجالات لا تختص بها شركات أخرى، بمعنى أن تكون متميزة بالمنتج، لتمثل إضافة للمشهد المأمول، ولا تكون تكرارا، وصولا إلى الاستفادة من الجدوى الاقتصادية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي