أشباه الموصلات لعبة العصر الكبرى
الرهانات في سوق أشباه الموصلات العالمي آخذة في الصعود. هذا الشهر قالت شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات TSMC، إحدى الشركات الرائدة في صناعة الرقائق في العالم، إنها سترفع النفقات الرأسمالية إلى 44 مليار دولار هذا العام، أي ما يقارب ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في 2019. وكانت شركة سامسونج إلكترونكس الكورية الجنوبية قد أشارت سابقا إلى زيادة هائلة في الإنفاق على أشباه الموصلات. كذلك أعلنت شركة إنتل الأمريكية الأسبوع الماضي أنها ستستثمر أكثر من 20 مليار دولار في بناء مصنعين للرقائق في أوهايو.
أحد قادة الصناعة شبه المنافسة بقتال المصارعين في روما القديمة. كريستيانو آمون، الرئيس التنفيذي لشركة تصميم الرقائق الأمريكية، كوالكوم، قال لـ"فاينانشال تايمز"، "إذا فزت، فإن كل ما أنجزته هو الحق في الذهاب إلى المدرج الروماني مرة أخرى".
لكن معارك أشباه الموصلات لا تدور فقط بين الشركات المتصارعة، اليائسة، لتوفير الطلب المتزايد على الرقائق الدقيقة، ولكن من قبل الحكومات ذات العقلية الاستراتيجية العازمة على تأكيد التفوق التكنولوجي أيضا. فقد أصبحت أشباه الموصلات، التي تدير كل شيء من الهواتف الذكية إلى الأجهزة الطبية إلى الطائرات المقاتلة من طراز إف-35، ساحة معركة لمنافسة جيوسياسية شرسة تحاول فيها الولايات المتحدة تعزيز هيمنتها التكنولوجية وإبطاء صعود الصين.
يتحول الكفاح من أجل السيطرة على صناعة أشباه الموصلات بسرعة إلى المعادل الصناعي الحالي للعبة الكبرى في القرن الـ19، عندما اشتبكت القوى المتنافسة حول آسيا الوسطى. الآن، كما كان الحال آنذاك، تتمثل الاستراتيجية في تأمين الموارد وسلاسل التوريد وتحديد الحلفاء وحرمان المنافسين من الأصول الاستراتيجية. لكن اللعبة الحديثة تدور في الغالب حول تعزيز رأس المال الفكري، وتقوية القدرة الصناعية وريادة أحدث التكنولوجيات.
ولتلك الغاية، حثت جينا ريموندو، وزيرة التجارة الأمريكية، الكونجرس الأسبوع الماضي على تمرير قانون الرقاقات، الذي سيحرر 52 مليار دولار من الإعانات لتصنيع الرقائق المحلية. وفي الاتحاد الأوروبي، كانت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية، تدفع أيضا بقانون مشابه يتعلق بالرقاقات، بهدف مضاعفة إنتاج الكتلة من أشباه الموصلات إلى 20 في المائة من الإجمالي العالمي بحلول نهاية العقد. كذلك تبحث الحكومة البريطانية في عملية بيع شركة تصميم الرقائق، آرم هولدينجز، إلى شركة نفيديا الأمريكية العملاقة لأسباب تتعلق بالأمن القومي.
الصين التي أنفقت أموالا على استيراد أشباه الموصلات أكثر من النفط في 2020، تتعرض لضغوط شديدة بسبب قيود التصدير الأمريكية على الرقائق المتقدمة وأعلنت أنها أولوية "للمجتمع بأسره" لتحقيق الاكتفاء الذاتي التكنولوجي. ومكنت الصناديق الوطنية والمحلية السخية الصين من التنافس مع تايوان وكوريا الجنوبية كأكبر مشتر لمعدات تصنيع أشباه الموصلات.
وكما هو مقصود منها، أضرت قيود الصادرات الأمريكية بالصين وأضعفت بشكل كبير شركة هواوي الصناعية العملاقة. لكن كما يجادل دان وانج، المحلل التكنولوجي في شركة الأبحاث، جافيكال ريسيرش في شنغهاي، بأن القيود الأمريكية ساعدت أيضا على إعادة تنظيم المصالح التجارية لشركة التكنولوجيا الصينية مع مقتضيات الأمن القومي لبكين و"جعلت أشباه الموصلات جذابة مرة أخرى". مع وجود سوق محلية واسعة، ورجال أعمال جريئين، وصناعة رأس مال مغامر نابضة بالحياة، ومجموعة كبيرة من التكنولوجيين المدربين في الولايات المتحدة، وطوفان من التمويل، تحول الصين تركيزها وعقولها ورأس مالها من الإنترنت الاستهلاكية إلى تكنولوجيات أكثر استراتيجية. يقول وانج، "لقد قامت حكومة الولايات المتحدة بشحذ أكثر الشركات ديناميكية في الصين للسعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي الاقتصادي والعظمة التكنولوجية".
مع ذلك، اتساع نطاق حملة القمع الصينية ضد أجزاء من صناعة التكنولوجيا قد يقوض قوة الأعمال التجارية الريادية في الصين. تصف الكاتبة نينا شيانغ في كتاب يدور حول التكنولوجيا، كيف لم تنته الحملات التكنولوجية السابقة التي كانت تديرها الدولة بشكل جيد دائما. فلا يزال تصميم وتصنيع شرائح "3 نانومتر"، مثل تلك التي تصممها أكثر المصانع تقدما في العالم، يمثل تحديا هائلا بالنسبة إلى الصين. ذلك أن واحدة من أكثر العمليات الصناعية تعقيدا تم اختراعها على الإطلاق، تتطلب تفاعل عقود من الخبرة التكنولوجية والمهارة. لكن، كما تخبرني شيانغ، لا تحتاج الصين بالضرورة للوصول إلى طليعة تكنولوجيا أشباه الموصلات لجني معظم فوائدها.
يمكن أن تنبع الميزة الاستراتيجية من نشر التكنولوجيا الحالية بشكل فاعل، وليس فقط تطوير أحدث الاختراعات. ستحدد قدرة الدولة الأساسية نتيجة اللعبة الصناعية الكبرى بقدر ما تحدد القدرة التكنولوجية. وعلى هذه الجبهة، لدى الولايات المتحدة سبب يدعو للقلق، فهي لا تستطيع حتى نشر شبكات اتصالات الجيل الخامس 5G دون إحداث اضطراب في السفر الجوي. وفي النهاية، قد يكون لإصلاح البنية التحتية الأساسية في الوطن أهمية تتجاوز مجرد السعي وراء الميزة التكنولوجية الاستراتيجية في الخارج.