الأسواق في منطقة مجهولة .. الحذر الحذر من ثقب السيولة

الأسواق في منطقة مجهولة .. الحذر الحذر من ثقب السيولة

في العقد الماضي، في الأغلب ما تردد لفظ "فخ السيولة" في الأسواق الغربية. البنوك المركزية قدمت كثيرا من التمويل للنظام المالي، من خلال التسهيل الكمي، لدرجة أن التخمة أصبحت تبدو غير فاعلة.
لكن هذا الأسبوع، سيكون من الحكمة أن يفكر المستثمرون في مفهوم آخر، "ثقب السيولة" - أو ربما بشكل أكثر دقة، ثقوب السيولة.
في حين أن الاحتياطي الفيدرالي لم يرفع أسعار الفائدة فعليا الأسبوع الماضي، إلا أن رئيسه، جاي باول، وعد بأن يبدأ رفع أسعار الفائدة في آذار (مارس). الأهم من ذلك، أن الاحتياطي الفيدرالي أصدر وثيقة مهمة تعهد فيها بتقليص ميزانيته العمومية أيضا.
مع أخذ كل ذلك في الحسبان، هذا يعني أن المستثمرين قد يرون قريبا شيئا ما يتحقق في الأسواق بالكاد شهده معظمهم في العقد الماضي "باستثناء صدمة الجائحة المبكرة"، نقص المشترين لبعض الأصول مقارنة بالعرض.
قال لي جريج جنسن، رئيس الاستثمار المشارك في صندوق التحوط بريدجووتر، "هذه الفجوة ستبدأ في أسواق السندات، لكنها ستنتشر بعد ذلك إلى أصول أخرى"، مضيفا، "سيكون الأمر مؤلما لكثير من المستثمرين لأنهم كانوا يستندون إلى عقد تخمة السيولة الماضي" - بالتالي هم غير مستعدين للثقوب.
إلى أي درجة مؤلم ذلك؟ قد يجادل المتفائل بأن أي صدمات تسعير ستكون متواضعة. في النهاية، بالمعايير التاريخية، النظام المالي العالمي بشكل عام - والنظام الأمريكي بشكل خاص - غارق في السيولة.
يرجع ذلك جزئيا إلى أن الاحتياطي الفيدرالي ضاعف حجم ميزانيته العمومية إلى تسعة تريليونات دولار خلال الجائحة، بعد أن زادها أربعة أضعاف في العقد السابق. نظراؤه في اليابان وأوروبا والمملكة المتحدة أيضا كانوا شديدي النشاط.
في الوقت نفسه، كان إنشاء الائتمان للقطاع الخاص شديد النشاط كذلك - ما تسبب في وصول مؤشر الأحوال المالية لـ"جولدمان ساكس"، المراقب من كثب، إلى مستوى قياسي منخفض بلغ 97.73 في نهاية 2021. هذا يعني أن التمويل كان وفيرا للغاية.
علاوة على ذلك، الأرقام الضمنية في خطط تشديد الاحتياطي الفيدرالي لـ2022 لا تبدو ضخمة مقارنة بميزانيته العمومية. من المتوقع أن يشتري الاحتياطي الفيدرالي 20 مليار دولار من سندات الخزانة الأمريكية و15 مليار دولار من سندات الرهن العقاري في شباط (فبراير).
تقدر شركة أكسفورد إيكونوميكس أنه عندما يوقف الاحتياطي الفيدرالي هذه المشتريات ويسمح للأصول الحالية بأن يحل أجل استحقاقاها، سيؤدي ذلك إلى "تخفيض فاعل في مشتريات الاحتياطي الفيدرالي يبلغ 90 مليار دولار من السندات شهريا - أي 400 مليار دولار في النصف الثاني من هذا العام وتريليون دولار في 2023". لكن لن يؤدي ذلك إلى تقليص الميزانية العمومية إلى أي مستوى مثل مستوى ما قبل الجائحة.
النقطة الأساسية التي يحتاج المستثمرون إلى تذكرها هي أن المعروض من السندات الحكومية آخذ في التوسع، في الوقت الذي تواجه فيه الحكومات الغربية جبالا من الديون. وفي حين من المتوقع أن تخفض الحكومة الأمريكية تدريجيا حافزها المالي في 2022، تظل احتياجاتها التمويلية مرتفعة للغاية.
لذلك، حتى التخفيض الشهري "البسيط" بمقدار 90 مليار دولار في مشتريات الاحتياطي الفيدرالي يمكن أن يحدث صدمات، ولا سيما بالنظر إلى أن الاحتياطي الفيدرالي يمتلك حاليا خمس سوق السندات المرتبطة بالتضخم وقد مول أخيرا "ما يصل إلى 60 ـ 80 في المائة من متطلبات الاقتراض الحكومي بالكامل" في الأعوام الأخيرة، بحسب لورانس جودمان، رئيس مركز الاستقرار المالي.
في الواقع يقدر "جيه بي مورجان" أن صافي المعروض من السندات الحكومية "الذي تحتاج السوق إلى استيعابه سيزداد إلى 350 مليار دولار" في النصف الثاني من هذا العام. هذا ثقب كبير.
علاوة على ذلك، سيولة السوق لا تتعلق أبدا بالأرقام النقدية الأولية فحسب، بل تتعلق أيضا بعلم النفس - وهناك بالفعل دلائل على أن مستثمري القطاع الخاص يتصرفون بحذر أكثر، بينما يخطط الاحتياطي الفيدرالي للانسحاب.
إحدى العلامات القوية هي النمط الأخير في أسعار السندات والأسهم. في العامين الماضيين، حسبما يلاحظ جنسن، ترافق انخفاض أسعار الأسهم الأمريكية - من النوع الذي شوهد في أواخر 2020 أو 2018 - مع ارتفاع أسعار السندات. يشير هذا إلى أن المستثمرين استجابوا للصدمات من خلال تدوير أموالهم بين فئات الأصول، وليس سحبها تماما.
لكن منذ بداية هذا العام، انخفضت أسعار السندات والأسهم معا. في الوقت نفسه، كان هناك اضطراب أكثر دراماتيكية في فئات الأصول المضاربة، مثل العملات المشفرة. بدلا من تدوير المحفظة، نشهد إشارات على هروب رأس المال.
من منظور طويل الأجل، يعد هذا تطورا صحيا، لأن عقدا من السياسة الفضفاضة للغاية دفع أسعار الأصول إلى مستويات عالية بشكل جنوني، مقارنة بالنمو الاقتصادي الحقيقي. في الواقع، أود أن أقول إن الاحتياطي الفيدرالي كان يجب أن يبدأ في التشديد منذ بعض الوقت.
سواء كان ذلك مرغوبا أم لا، لا ينبغي لأحد أن يتجاهل مدى خطورة هذا التحول - ومدى صعوبة صياغة الآثار المترتبة على السوق. لا أحد يعرف ماذا سيحدث عندما يحاول بنك مركزي رفع أسعار الفائدة وتقليص ميزانيته العمومية في آن معا، لأن شيئا من ذلك لم يحدث على هذا النطاق من قبل.
ولا نعرف أيضا كيف سيحدث التشديد في عالم يتحرك فيه كثير من أعمال الوساطة الائتمانية الآن عبر الأسواق "وليس البنوك، كما كان من قبل"، ولا أين يمكن أن يؤدي عدم المساواة في الثروة ـ الذي يرجع جزئيا إلى ارتفاع أسعار الأصول ـ إلى "منع انتقال السياسة النقدية"، كما تجادل الخبيرة المالية، كارين بيترو. لكل ذلك نحن في منطقة مجهولة.
لا عجب أن باول اعترف الأسبوع الماضي قائلا، "لا أعتقد أن من الممكن أن أقول بالضبط كيف سيسير هذا التشديد". لكن هذا تصريح متحفظ. يجب على المستثمرين أن ينتبهوا لثقوب السيولة تلك ويحذروا منها.

الأكثر قراءة