لا يزال من الخطأ الشعور بالهلع من التضخم في الولايات المتحدة

لا يزال من الخطأ الشعور بالهلع من التضخم في الولايات المتحدة
في شباط (فبراير) الماضي كانت الأسعار الاستهلاكية منخفضة 1.7 في المائة لكنها كانت أعلى من العام السابق.

صدرت أخيرا أرقام التضخم الأمريكية لكانون الأول (ديسمبر). أظهرت الأرقام أن معدل التضخم على أساس سنوي 7 في المائة، وهو أعلى معدل تم تسجيله في أربعة عقود. وقد تسبب ذلك في كثير من القلق، لكن كثيرا من هذه الأرقام يعتمد على قراءة خاطئة للبيانات، وذلك لثلاثة أسباب.
أولا، يرجى تجاهل مقاييس تحديد الأساس السنوي. فمهما كانت القوى المؤثرة في ديناميكية الأسعار، فإنها عرضة للتغير بشكل سريع وغير متوقع.
نحن متأكدون من هذا لأنها فعلا تتغير بسرعة وبشكل غير متوقع. إليك هذا المثال، في شباط (فبراير) الماضي، كانت الأسعار الاستهلاكية منخفضة 1.7 في المائة، لكنها كانت أعلى من العام السابق. لم يكن هذا دليلا جيدا على القفزات الكبيرة التي حدثت في الأسعار في الأشهر التي تلت ذلك مباشرة، وأدت إلى ارتفاع معدل الفائدة السنوية فوق 5 في المائة "وسيبقيها على هذا المستوى لبعض الوقت حتى لو عاد مستوى التضخم الشهري إلى الانخفاض مرة أخرى هذا الشهر".
لقد كان من الحكمة النظر إلى معدل التغير الشهري "عذرا فأنا لم أقم بذلك". فقد كان هذا التسارع الشهري للأسعار هو الرابع على التوالي، ما يظهر تغيرا سريعا في ضغوط التضخم، وقد وصل إلى معدل تغير من شأنه، إذا بقي كما هو، أن يدفع بالتضخم السنوي في النهاية إلى أعلى من 4 في المائة.
لهذا السبب، لا ينبغي أن تعود بيانات التضخم المؤثرة لكانون الأول (ديسمبر)، بل لأيلول (سبتمبر) وتشرين الأول (أكتوبر)، وذلك عندما ارتفع التضخم الشهري كثيرا مرة أخرى، فوق المستويات المستدامة، بعد تباطؤ من ذروة أوائل الصيف. وبعد ذلك، تم احتساب الأرقام المرتفعة على أساس سنوي في إصدار كانون الأول (ديسمبر)، لذا إذا ادعى أي شخص أنه تفاجأ من أرقام كانون الأول (ديسمبر) دون الإشارة إلى ذلك فإنه لا يثقفك جيدا "وربما ولا أنفسهم حتى".
ثانيا، ما الجديد الذي نتعلمه من الإصدار الخاص بكانون الأول (ديسمبر)؟
الأهم من ذلك، هو أن التضخم الكلي كان يعتدل بسرعة. فقد انخفض المعدل الشهري "الذي يتم تعديله موسميا" بمقدار النصف في الشهرين الماضيين. والنمط نفسه ينطبق على جميع الفئات الفرعية الرئيسة - بما فيها أسعار المواد الغذائية، حتى أن تضخم الطاقة تحول إلى سلبي – باستثناء واحد. الاستثناء هو جميع السلع ما عدا الطاقة والغذاء، حيث تنمو أسعارها بمعدل ثابت لكنه مرتفع.
وعلى وجه الخصوص، لم يحدث أي ارتفاع في تضخم الخدمات بشكل شامل، بل انخفض أيضا إلى النصف في الشهرين الماضيين. فيما استقر تضخم أسعار الخدمات غير المتعلقة بالطاقة، بينما كان تضخم أسعار خدمات الطاقة سلبيا.
أولئك الذين يتوقعون، مثلي، أن ينخفض التضخم من تلقاء نفسه، يظنون ذلك لأننا لا نعتقد أنه ناتج عن الإنفاق الكلي المفرط، لكن بسبب التحول الهائل وغير المسبوق للإنفاق بعيدا عن الخدمات وتحوله إلى البضائع. لا شيء في أرقام كانون الأول (ديسمبر) يدعو إلى التخلي عن هذا الاعتقاد. أولئك الذين يشعرون بالقلق إزاء التضخم يبحثون عن ضغط الأسعار التي تنتقل من البضائع إلى الخدمات. ولا يوجد ما يدعو إلى دعم هذه المخاوف أيضا.
إذا اعتقدنا أن الناس سيخصصون إنفاقهم في نهاية المطاف بين البضائع والخدمات بشكل أو بآخر كما فعلوا قبل الجائحة "أو أن الرأسمالية العالمية ستتكيف قريبا بما يكفي مع أي تغير متواضع، ودائم في أسهمهم"، إذن يجب أن نتوقع تضخما في أسعار البضائع - وهذا كل ما هو متاح في الوقت الحالي – كي تذهب بعيدا أيضا.
إذن، الإصدار المهم للبيانات الذي يجب انتظاره لا يعود للتضخم، لكن للناتج المحلي الإجمالي، في 27 من كانون الثاني (يناير) سنعرف ما إذا كان النمو في الربع الرابع قد استمر في الاتجاه المؤقت بعيدا عن الإنفاق على البضائع والعودة للخدمات، التي يمكن جمعها في الربع الثالث. وكما قلت من قبل، فالخلاف المعقول بشأن التضخم يجب أن يرجع بشكل منطقي إلى وجهات النظر المختلفة حول ما إذا كان سيحدث فعلا أم لا.
أشار أحد الزملاء إلى أن تضخم الخدمات 0.3 في المائة على أساس شهري لا يزال بإمكانه تحقيق نمو في الأسعار 3.7 في المائة على مدار عام إذا استمر في ذلك. هذا صحيح، لكنه يتحقق إذا كان على قدم المساواة مع تضخم الخدمات. لعقود من الزمن، كان التضخم الإجمالي نحو 2 في المائة يعني ارتفاع أسعار الخدمات 3 في المائة أو أكثر، وانخفاض أسعار البضائع بما يكفي لخفض المتوسط.
قد أشارت زميلتي رنا فوروهار إلى نقطة مهمة في عمودها الأسبوع الماضي، هي، إذا توقفت أسعار البضائع المعمرة عن الانخفاض كما كانت في السابق، فإن هذا المتوسط لن تكون له جدوى. لكن لماذا ستتوقف عن الانخفاض؟ لأن العوامل التي ذكرتها رنا – وهي إعادة التوطين، والتصنيع باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد وإزالة الكربون - يمكن أن تؤدي إلى زيادة تكلفة البضائع، لكن بغض النظر عن زيادة تحدث مرة واحدة، لماذا يجب أن تقلل هذه من نمو الإنتاجية في كيفية صنع السلع؟ الطباعة ثلاثية الأبعاد، على وجه الخصوص، يجب أن تعزز الإنتاجية. على أي حال بمجرد استقرار أنماط الاستهلاك، يجب أيضا أن تستقر معدلات التضخم القطاعية العادية.
ثالثا، عادة ما يتم التعبير عن الخوف من ارتفاع التضخم بالخوف من دوامة الأجور. لذا فإن سلسلة أخرى من إصدارات البيانات الأمريكية - عن بيانات الأجور، التي تظهر ارتفاع متوسط دخل الفرد في الساعة نحو 6 في المائة على أساس سنوي - قد أثارت قلق الناس. هنا أيضا، الأمور تبدو مختلفة مع التغييرات الشهرية - حيث انخفض نمو الأجور الإجمالي بشكل حاد. لكن أجور العمال العاديين "موظفي الإنتاج وغير المشرفين" تستمر فعلا في الارتفاع بقوة.
لكن ما يدعو للخوف هو أنه في الوقت الذي تواجه فيه الشركات ارتفاع التكاليف، فإنها تقوم في المقابل برفع الأسعار، لكن ضغط الأجور ليس هو نفسه ضغط التكاليف. إن أفضل مقياس لمقدار تعويضات العمل التي تقع تكلفتها على عاتق الشركات هو استخدام مؤشر تكلفة العمالة بدلا من ذلك، الذي يتضمن تكاليف التعويض خارج الأجور "مثل المزايا والتأمين الصحي". فقد ارتفع ذلك بقوة في الربع الثالث، وهو أحدث المعلومات المتاحة "ابحث عن الربع الرابع في 28 من كانون الثاني (يناير) - بـ1.3 في المائة في ثلاثة أشهر. أما على أساس سنوي فقد كانت النسبة 3.7 في المائة.
لكن يجب أن نلاحظ أن هذا يأتي بعد انخفاض في النمو في التعويضات في وقت مبكر من الجائحة، في المتوسط كان الموظفون يكلفون أصحاب العمل 6.2 في المائة فقط أكثر مما كانوا يكلفونهم قبل عامين. كما يأتي بعد مضي عقود من إخفاق تعويضات الموظفين في مواكبة نمو الإنتاجية. وللحكم على ما إذا كان النمو في تكاليف العمالة يشكل ضغطا، فإنه يتحتم علينا مقارنته بإنتاجية العمل. وإذا قمنا فقط بمطابقة النمو "الضعيف" في الناتج الحقيقي لكل ساعة عمل خلال العقد الماضي، الذي بلغ متوسطه 1.1 في المائة سنويا، فإن بإمكان أصحاب العمل، ودون ضغط التكلفة الحقيقية، أن يتحملوا نموا سنويا في تعويضات العمل يبلغ 3.1 في عالم تبلغ نسبة التضخم فيه 2 في المائة. لكن هذا التقدير متحفظ، فهو يتجاهل أن التعويضات قد تخلفت عن النمو في الإنتاجية - لذلك هناك مجال للحاق بالركب – وأن الاقتصاد عالي الضغط يمكن أن يساعد في رفع نمو الإنتاجية.
لكن هذا المنطق بأكمله يعتمد على حالة الاقتصاد الأمريكي. فقد شهدت الاقتصادات الأخرى ارتفاعا في التضخم لأسباب مختلفة. وعلى وجه الخصوص، لم تشهد أوروبا التأرجح نفسه غير العادي من الإنفاق على الخدمات إلى الإنفاق على البضائع، كما أوضحت لورانس بون، كبيرة الاقتصاديين في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، في مدونة قامت بنشرها أخيرا.
لكن هناك مصادر أخرى للتضخم – منها الضغوط في أوروبا بسبب الطاقة، قبل كل شيء - لكن هناك إشارات واضحة على أن صانعي السياسة في جميع أنحاء العالم يتصارعون الآن مع تضخم أسعار البضائع الذي بدأ بشكل واضح في أمريكا.

الأكثر قراءة