مقامرة "كل شيء أو لا شيء" لـ"ناسا" على تلسكوب "ويب"

مقامرة "كل شيء أو لا شيء" لـ"ناسا" على تلسكوب "ويب"

حدث نوع من شروق الشمس الكوني منذ أكثر من 13.5 مليار عام. فقد أشرق هذا الضوء المبكر في الكون من النجوم والمجرات التي تحولت إلى الوجود بعد الانفجار العظيم.
ظل ضوء النجم القديم يسافر مذاك. والآن، مع إطلاق تلسكوب جيمس ويب الفضائي التابع لـ"ناسا"، عشية عيد الميلاد يأمل علماء الفلك في اللحاق به. سيدور تلسكوب ويب، وهو خلف تلسكوب هابل الفضائي، حول الشمس، وبالتركيز على جزء صغير من الفضاء السحيق، يبحث عن هذا الضوء الخافت الذي يعود تاريخه إلى نحو 300 مليون عام من الانفجار العظيم.
إن التحديق في الفضاء السحيق يشبه النظر إلى الوراء في الزمن. فضوء الشمس يستغرق ثماني دقائق للوصول إلينا، لذلك دائما ما نراه كما ظهر قبل ثماني دقائق. وكذلك، فإن إلقاء نظرة خاطفة على المجرات الأبعد سيكون أشبه برؤية لقطات للكون الوليد.
تقول ماجي أديرين بوكوك، وهي عالمة فضاء بريطانية عملت على التلسكوب، "إن ويب هو آلة زمنية، تسمح لنا بإلقاء نظرة على كيفية تشكل بعض المجرات الأولى لمساعدتنا على فهم أصولنا الكونية. إنه يجمع ضوء الأشعة تحت الحمراء الذي يمكنه اختراق سحب الغبار التي لا تستطيع الأجهزة البصرية الرؤية من خلالها".
وتعد قدرة الأشعة تحت الحمراء هذه أمرا أساسيا، فبينما ينطلق ضوء النجوم عبر كون شاسع ومتسع، فإنه يتمدد مثل سلك لولبي مفكك. ويتحول الضوء الذي بدأ على شكل أشعة فوق بنفسجية أو إشعاع مرئي نحو الجزء ذي الطول الموجي الأطول من الأشعة تحت الحمراء من الطيف. تعرف هذه الظاهرة بالانزياح الأحمر.
وعلى عكس هابل، الذي يراقب بشكل أساس أطوال الموجات الضوئية والأشعة فوق البنفسجية، ينبغي أن يكون "ويب" قادرا على اكتشاف الضوء شديد الانزياح إلى الأحمر من كون صغير في العمر. وسيبحث أيضا عن الكواكب التي يحتمل أن تكون صالحة للعيش فيها حول النجوم البعيدة.
إن هذه الطموحات تتوقف على التنفيذ المثالي لواحد من أكثر المشاريع الفلكية جرأة على الإطلاق. فمرآة ويب كبيرة جدا - يبلغ قطرها 6.5 متر، أي أكثر من ضعف حجم مرآة هابل - لدرجة أنه يجب طيها لإطلاقها وفتحها في الفضاء. إضافة إلى ذلك، يجب أن يعمل التلسكوب في ظروف شديدة البرودة لتجنب التقاط الأشعة تحت الحمراء من مصادر الحرارة الأخرى، مثل الأرض والشمس.
ولهذه الغاية، سيسافر تليسكوب ويب إلى موقع يبعد 1.5 مليون كيلومتر عن الأرض يعرف باسم نقطة لاغرانج الثانية، أو إل2. وفي هذه المرحلة، ستكون كل من الشمس، والأرض والتلسكوب متحاذية. وعند وصوله، سينشر التليسكوب مظلة لحجب أشعة الشمس بحجم ملعب التنس لمنع الإشعاع القادم من كلا الجسمين. فإذا عدت هذه المظلة دهونا واقية من الشمس، فسيكون لها عامل حماية من أشعة الشمس يبلغ واحد ميليجرام.
وعلى عكس تليسكوب هابل، الذي يدور حول الأرض قريبا بما يكفي لضمان مهمة إصلاحه عندما تم العثور على خلل في مرآته، فإن تليسكوب ويب سيكون أشبه بمقامرة للنجاح الكامل أو الفشل التام حيث يجب أن تسير كل الأمور بحسب المخطط. وبعد أن تصل المركبة الفضائية التي تحمل التليسكوب إلى موقعها المداري، يجب محاذاة قطعة سداسية مطلية بالذهب من عيار 18 على هيئة مرآة تشبه قرص العسل بشكل مثالي من أجل توفير مسطح مثالي فائق النعومة للتجميع. وسيتم تنسيق الالتصاق فيما بينها بوساطة مجموعة من المحركات القادرة على إجراء تعديلات متناهية الدقة بحجم شعرة من جسم الإنسان. ثم يجب أن تفتح المظلة المصنوعة من القماش التي ستستخدم لحجب الشمس دون أن تتمزق. حتى قبل ذلك، تعترف أديرين بوكوك بأنها ستشعر "ببعض الخوف... سنعيش شهرا من الانتظار الطويل أثناء قيام المركبة الفضائية بهذه الرحلة".
لقد غير تليسكوب هابل علم الفضاء، فقد ساعد على تأريخ الانفجار الكوني العظيم الذي حدث قبل نحو 13.8 مليار عام. كما كشف عن الثقوب سوداء في أعماق المجرات. وزودنا بصور أيقونية للحاضنات النجمية، مثل سديم النسر. ويعود الأمر الآن إلى تليسكوب جيمس ويب الفضائي، الذي سمي تيمنا بمدير وكالة ناسا الذي عهد إليه الرئيس جون إف كينيدي بإدارة برنامج أبولو، لاستكمال بعض الأعمال البحثية غير المنجزة حول ولادة الكون.

الأكثر قراءة