«تاج الفنون» يختتم عامه .. والقهوة السعودية تبهج العالم في 2022

رمز ضيافة السعوديين وأيقونة الكرم على موعد مع عام حافل بالمبادرات النوعية، للتعريف بالطقوس والمزاج الأصيل للقهوة السعودية، رفيقة الصباح والمساء، التي تنفرد باستثمارات مليونية تسهم في الناتج الوطني، وكانت على مر الأجيال جزءا من لقاءات المجتمع السعودي، ورمزا للكرم والضيافة.
القهوة، أو "السمراء" كما تلقب، جاءت بعد "عام الخط العربي"، الذي كان عنوانا واسعا لمبادرات نوعية عابرة للحدود أطلقتها وزارة الثقافة، تحتفي بـ"تاج فنون الإسلام وتراثه"، في خطوة يمتد أثرها لأجيال قادمة، تكشف عن الإرث الثقافي الأصيل.
مصدر الأنس والسعادة
القهوة السعودية لها رمزية خالدة في التراث الوطني، ومنتج عالمي إذا ما أحسن تسويقه، وكذلك عنوان الكرم الذي وثقه بيركهارت الرحالة السويسري في 1814. "وفي جدة 27 مقهى، وتشرب القهوة بإفراط في الحجاز، فمن الشائع أن يشرب الناس من 20 إلى 30 فنجانا في اليوم، أما العمال فلا يشربون أقل من ثلاثة أو أربعة فناجين".
تكشف الروايات والمصادر التاريخية أن القهوة اكتشفت عندما لاحظ أحد رعاة الماعز نشاطا في ماشيته، مع قلة النوم عندما تأكل من مراع تنمو فيها شجرة البن، وهي شجرة لا يتجاوز طولها أربعة أمتار، لها أزهار بيضاء ذاتية التلقيح، تنتج من الثمار في العام الواحد ما متوسطه 0.7 كيلوجرام من البن المحمص.
عن "السمراء"، أوضح العلامة مرتضى الزبيدي في كتابه "تاج العروس" أن البن شاع اسمه بالقهوة، إذا حمص وطبخ طويلا، إذ يلقى على النار قليلا وهو جاف، ثم يدق ويغلى بالماء، وفي كتابه الآخر "تحفة الزمن في حكم قهوة اليمن"، جمع أقوال أهل اليمن في القهوة وخواصها، وكتب "إن القهوة سميت بهذا الاسم لأنها تشبع شاربها، وتفعل في النفس فعل النشوة والنشاط، وتمثل مصدر الأنس والسعادة لدى العربي، لذا حرصوا على أن تدار دائما في منازلهم".
القهوة وكرم الضيافة
"عام القهوة السعودية" أعلنه الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، وزير الثقافة، نهاية الأسبوع الماضي، للاحتفاء في 2022 بهذا العنصر الثقافي المرتبط بهوية وثقافة المملكة، وذلك عبر مبادرات وأنشطة وفعاليات تقام على مدار العام.
وتكتسب القهوة السعودية خصوصية ومحبة، وتتم زراعتها في المملكة، حيث ينتج البن الخولاني في الجنوب، كما تحضر القهوة بلون ومذاق مختلفين في كل منطقة من مناطقها، وتقدم للضيوف بطرق وأساليب متعددة، ما يمنح القهوة السعودية خصوصيتها، وعمقها الثقافي الفريد.
وقالت الوزارة في بيان عقب الإعلان عن "عام القهوة السعودية"، "إنها عنصر ثقافي يدل على قيم نبيلة يتميز بها الإنسان السعودي كالكرم وحسن الضيافة، حيث كانت القهوة وما زالت جزءا أساسيا في أي لقاء أو اجتماع بين أفراد المجتمع في المملكة".
وأوضح وزير الثقافة أن "مبادرة عام القهوة السعودية" ستكون مظلة جامعة لكل مظاهر الاحتفاء بهذا المكون الرئيس في الثقافة السعودية، مشيرا إلى أن الاعتزاز بالهوية الوطنية وبما يرتبط بها من عناصر ثقافية، يعد من الواجبات الأساسية التي تعمل على تنفيذها وزارة الثقافة، تحقيقا لتطلعات القيادة الرشيدة التي لم تأل جهدا في دعم الثقافة السعودية بكل مكوناتها الأصيلة.
وستعمل وزارة الثقافة على جعل "مبادرة عام القهوة السعودية"، التي تأتي ضمن "برنامج جودة الحياة" في "رؤية 2030"، منصة لإطلاق الأنشطة والحملات والأفكار الداعمة، وعامل تحفيز للجهات الحكومية والمؤسسات الأهلية والمقاهي المحلية والعالمية على المشاركة فيها، عبر أفكار مبتكرة تضمن حضور القهوة السعودية في قوائمها ومنتجاتها، إلى جانب تنظيم مسابقات وفعاليات لأفراد المجتمع لضمان تحقيق مستوى عال من المشاركة المجتمعية.
وبحسب تقديرات، فإن إيرادات القهوة تقدر بـ400 مليار دولار عالميا، وتعد السوق السعودية الكبرى في الواردات والأكثر استهلاكا للقهوة في منطقة الشرق الأوسط، فيما تكشف إحصائيات هيئة تطوير وتعمير المناطق الجبلية في جازان عن ارتفاع عدد مزارعي البن العام الماضي إلى 1596 مزارعا، فيما بلغ عدد أشجار البن 270 ألف شجرة ويتوقع ارتفاعها إلى 400 ألف شجرة، ويقدر متوسط الإنتاج السنوي بنحو 686 ألف كيلوجرام في مختلف المزارع الجبلية.
.. ونودع «عام الخط العربي»
بحضور "الاقتصادية"، احتفلت وزارة الثقافة بختام مبادرة "عام الخط العربي" وتدشين استراتيجية مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي، في حفل أقيم في المتحف الوطني في الرياض، بحضور الأمير سعود بن خالد بن الفيصل، نائب أمير منطقة المدينة المنورة.
وألقى حامد فايز نائب وزير الثقافة كلمة، بالنيابة عن وزير الثقافة، مستشهدا بالمنجزات التي حققتها مبادرة "عام الخط العربي" على مدى 2020 و2021، التي توجت أخيرا بنجاح قيادة المملكة - بالتعاون مع 15 دولة عربية - في تسجيل "الخط العربي: المعارف والمهارات والممارسات" على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لمنظمة اليونيسكو، مؤكدا أن اختتام المبادرة اليوم "لا يعني أبدا التوقف، فعلى عاتق بلادنا مسؤولية عظيمة ودائمة، بوصفها مصدر الثقافة العربية".
ونفذت المبادرة 57 مشروعا وطنيا مباشرا، و107 مشاريع فرعية، تظهر جمال الخط العربي وتعزز دوره في المجالات كافة، وقال: "كلنا يدرك مكانة الخط العربي في تاريخ الحضارة العربية، فهو الناقل الأمين للثقافة، وأداة حفظها، فضلا عن كونه فنا جميلا بأشكاله المتعددة وجمالياته اللافتة، ما يؤكد ضرورة ابتكار وسائل عصرية تسهم في تعزيز حضوره المتألق في حياتنا المعاصرة".
تدشين دار القلم
صاحب الحفل الختامي لـ"عام الخط العربي" تدشين استراتيجية مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي "دار القلم"، التي تهدف إلى تحويل المركز إلى منصة عالمية للخط والخطاطين دوليا، تخدم الخط العربي بوصفه وسيلة تواصل عالمية عابرة للثقافات في مجال التراث والفنون والعمارة والتصميم، إلى جانب احتضان المواهب وتنمية المعارف في مجالات الخط العربي.
وحددت الاستراتيجية رؤية المركز في "الارتقاء بالخط العربي بصفته وسيلة تواصل عالمية عابرة للثقافات في مجال التراث والفنون والعمارة والتصميم، مع تعزيز مكانة المملكة وتأثيرها في حفظه وتطويره"، فيما تمثلت رسالة المركز في "ترسيخ مكانة المركز مرجعا عالميا يعنى بحماية إرث الخط العربي، وذلك باحتضان المواهب وتنمية المعارف، وتطوير الآفاق الإبداعية، وتشجيع المشاركة المجتمعية في مجال الخط العربي".
كما حددت استراتيجية المركز التحديات الرئيسة التي يواجهها الخط العربي، وخرجت بخمسة محاور تتمثل في "المعرفة والتطوير"، "تنمية المهارات"، "المشاركة المجتمعية"، "الأعمال والفرص"، و"الابتكار"، وتندرج تحت هذه المحاور عشرة برامج رئيسة بخطط تنفيذية ومعالم مفصلة، يسعى المركز من خلالها لأن يصبح منصة لترسيخ عالمية الخط العربي وفنونه المتعددة. وهذه البرامج هي: وحدة البحث والأرشفة المتخصصة في محاور متعلقة بالخط العربي، وحدة تطوير المعايير المتعلقة بالخط العربي، برنامج تعلم الخط العربي، مِنح "دار القلم" للدراسات والأبحاث، متحف الخط العربي الدائم والمعارض المصاحبة والمتنقلة، برنامج الأنشطة المجتمعية ذات الصلة بالخط العربي، الجمعية الدولية للخط العربي، ملتقى ومقر أعمال "دار القلم" للخطاطين في المدينة المنورة، حاضنة للأعمال المرتبطة بالخط العربي، ووحدة الابتكار والتكنولوجيا في مجال الخط العربي.
تاج فنون الإسلام
ألقى ناصر الميمون عميد الخطاطين في المملكة كلمة للخطاطين في الحفل، قال فيها: "إن الخط العربي يمثل الركيزة الأولى للفنون الإسلامية، وهو تاج فنون الإسلام وتراثه"، مشيرا إلى أن انتشار الإسلام كان له الأثر الأكبر في تطور الخط العربي وتعدد أساليبه ونماذجه، "حيث اختزل الخط العربي الجمال، لما يتميز به من دقة ومهارة، حتى تبوأ منزلة رفيعة بين فنون العالم أجمع". مشيدا بمبادرة "عام الخط العربي" لـ2020 - 2021، التي قدمت وزارة الثقافة خلالها دعما سخيا وجهدا جبارا لتشجيع الخطاطين من شباب المملكة البارزين، إضافة إلى المهتمين بالخط العربي من الدول العربية وغير العربية". مقدما شكره - نيابة عن الخطاطين - لوزير الثقافة، على اهتمامه البالغ بتشجيع المواهب الإبداعية.
يذكر أن وزارة الثقافة كانت قد أطلقت مبادرة "عام الخط العربي" في 2020 ضمن مبادرات برنامج "جودة الحياة"، أحد برامج تحقيق رؤية المملكة 2030، ومددتها لعام إضافي، وذلك بهدف ترسيخ مكانة المملكة بوصفها الحامية للخط العربي والحاضنة له على مستوى العالم. وتضمنت المبادرة مشاريع ومبادرات عديدة أسهمت في تعزيز حضور الخط العربي في كثير من مفاصل الحياة المعاصرة.