رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


العالم يغرق بالديون

تفيد بيانات صندوق النقد الدولي بارتفاع إجمالي الديون العالمية في 2020 بأكبر وتيرة على الإطلاق. ووصل إجمالي الديون العالمية عند نهاية العام الماضي إلى 226 تريليون دولار أو ما يقارب 256 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. نما الدين العالمي خلال 2020 بنسبة 14.5 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي أو ما يقارب 28 تريليون دولار مقارنة بالعام السابق، وهو مبلغ هائل ساعد على تخطي الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تسببت بها جائحة كورونا. ويأمل صناع القرار في القطاعات الخاصة والعامة عبر العالم أن تدر الاستدانة الهائلة العام الماضي منافع أكبر بكثير من آثارها السلبية التي ستأتي تباعا خلال الأعوام المقبلة. تشمل الديون العالمية الديون الخاصة والعامة، وتشكل الديون الخاصة على الأسر والقطاعات الإنتاجية نحو ثلاثة أخماس الديون العالمية، بينما تحظى الديون الحكومية بالباقي الذي يقارب حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
ارتفعت ديون القطاعات العامة على حكومات الدول المتقدمة بمعدلات أسرع من نمو ديون القطاعات الخاصة. وجاء هذا الارتفاع لسعي الحكومات اللامحدود لإنعاش اقتصاداتها ولتراجع إيراداتها في الوقت نفسه نتيجة للإغلاق العظيم. وقد وصلت نسبة ديون الدول المتقدمة العامة عند نهاية 2020 إلى 124 في المائة من نواتجها المحلية الإجمالية. أما ديون القطاعات الخاصة لهذه الدول، فقد ارتفعت العام الماضي إلى نحو 178 في المائة من نواتجها المحلية الإجمالية. وحدثت معظم زيادة الديون العالمية في الدول المتقدمة والصين. ولم تتردد تلك الدول في الاستدانة العام الماضي بما يكفي للحيلولة دون تعرضها لكساد اقتصادي. وقد سهلت السياسة النقدية التيسيرية المتمثلة في خفض الفائدة وشراء الأصول الاقتراض لهذه الدول بتكاليف منخفضة ومعدلات فائدة متدنية.
ارتفعت أخيرا مخاطر ارتفاع معدلات التضخم العالمية حيث سجلت الأسعار القياسية في عديد من الدول المتقدمة – التي تعاني ارتفاع معدلات الديون - معدلات لم تصلها منذ أعوام طويلة. وفي حالة استمرار الضغوط التضخمية لفترة من الزمن وارتفاع مخاطر سيادة توقعات التضخم في الأسواق، فإن المصارف المركزية ستضطر إلى رفع معدلات الفائدة. وستجبر زيادة معدلات الفائدة وارتفاع تكاليف خدمة الديون الحكومات والقطاعات الخاصة على إعادة النظر في سياستها المالية. وقد تمكنت الدول المتقدمة والصين خلال أزمة كورونا من خفض تكاليف خدمة الديون العامة والخاصة. واستطاعت الحكومة اليابانية على مدى أعوام رفع ديونها العامة إلى ضعف الناتج المحلي الإجمالي لتدني معدلات الفائدة تاريخيا فيها، وبلغ الدين العام الياباني 226 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عند نهاية 2020. أما إذا زادت معدلات الفائدة مستقبلا فسيعني تفاقما في تكاليف الاستدانة العالمية، فارتفاع معدل الفائدة بنسبة 1 في المائة يعني زيادة تكاليف خدمة الديون العالمية بمبلغ يتجاوز 2.3 تريليون دولار سنويا، وهو مبلغ يفوق الناتج المحلي لكثير من الدول.
تؤكد بيانات ديون الدول تعمق غرق العالم بالديون مع مرور الوقت على المستويين العام والخاص. ويثير ذلك مخاوف كثيرين من حدوث آثار سلبية مستقبلية عاصفة للديون على المستوى العالمي الكلي والفردي. وعلى الرغم من التزايد المطرد للديون، فإن العالم يواصل مسيرة التقدم والنمو الاقتصادي ما يخفف من حدة المخاوف. ويأمل صناع القرارات حول العالم أن يتواصل الانتعاش الاقتصادي لأعوام مقبلة ما سيخفض مخاطر تعاظم الديون. وقد مكن رفع الديون العامة والخاصة والأسر من تخطي فترات صعبة اقتصاديا وتحسين الأوضاع المعيشية لكثير من البشر. وقد ساعدت الاستدانة العالم على الخروج من الكساد العظيم، كما أسهمت خلال الأعوام الأخيرة من التغلب على أزمتين اقتصاديتين معقدتين هما الأزمة المالية العالمية والإغلاق العظيم. ولا يحبذ معظم صناع القرار والبشر الاستدانة، ولكنها قد تكون الملاذ الأخير لتوفير الموارد وهي الأقل تكلفة من الناحية السياسية. ووفرت الديون موارد لتنفيذ عمليات تعافي الاقتصادات العالمية وتسريع نمو الطلب العالمي الكلي على السلع والخدمات. في المقابل أسهم نمو الطلب الكلي المدفوع بالاقتراض في زيادة الأسعار وتوليد جزء من التضخم العالمي الماضي والحالي. وقد يضطر عدد من الدول الكبرى اقتصاديا إلى تبني سياسات مالية ونقدية أكثر تشددا لخفض مخاطر التضخم ما يهدد الانتعاش الاقتصادي العالمي الحالي.
عموما يلاحظ على الديون العالمية الخاصة والعامة أنها ترتفع في الدول المتقدمة أكثر منها في الدول النامية. ويعود جزء كبير من هذا إلى تطور وضخامة الأسواق المالية والقطاعات المصرفية وقنوات الاستثمار في هذه الدول. ويسهم تنامي الائتمان وتوافره بدور فعال في تطور الدول ونموها، حيث يساعد على توفير المتطلبات المالية للمستثمرين والمستهلكين على حد سواء ما يحفز النشاط الاقتصادي ويضخ الاستثمارات ويساعد على تخطي الأزمات الخاصة والعامة. أما بالنسبة للأفراد، فإن ديون الأغنياء عبر العالم أعلى بكثير من ديون الفقراء، حيث يستغل الأغنياء ملاءتهم المالية للحصول على الموارد المالية واستثمارها لتحقيق مكاسب أكبر من تكاليف استدانتها. وهناك دلائل كثيرة على أن هناك انتقالا للثروة من المقرضين إلى المقترضين بسبب الفرق بين منافع القروض ومكاسب المقترضين منها، وكلما انخفضت معدلات الفائدة ارتفعت التحولات للمقترضين. ومن المرجح أن تراجع معدلات الفائدة في الأعوام الأخيرة أسهم في تفاقم فجوات الدخل والثروة بين الشرائح السكانية منخفضة الدخل والأخرى مرتفعة الدخل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي