رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ارتفاع معدلات التضخم العالمي

سجلت معدلات التضخم ارتفاعا ملحوظا في كثير من دول العالم خلال الفترة الأخيرة مقارنة بالمعدلات السائدة قبل جائحة كورونا. ودأبت البنوك المركزية العالمية الرئيسة لعدة عقود خلت على استهداف معدلات تضخم منخفضة بحدود 2 في المائة. وتم تبني سياسات استهداف معدلات التضخم بعد فترات التضخم العالية التي كانت سائدة في سبعينيات القرن الماضي. استخدمت البنوك المركزية أدوات التشدد النقدي التي أهمها معدلات الفائدة في السيطرة على التضخم. وتستخدم البنوك المركزية، بصورة استباقية، معدلات الفائدة للحد من ارتفاع الأسعار المستقبلي المتوقع. ويقود التأخر في استهداف التضخم إلى حدوث موجات تضخمية يستغرق التغلب عليها فترة من الزمن.
ارتفعت معدلات التضخم خلال الربع الثالث من 2021 في كثير من الدول التي من أبرزها الولايات المتحدة ومجموعة اليورو إلى مستويات تفوق نظيراتها خلال العقود الثلاثة الماضية. ووصل معدلا التضخم إلى 6.2 و4.1 في المائة في الولايات المتحدة ومجموعة اليورو على التوالي خلال تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. ولم يقتصر صعود التضخم على الاقتصادين الأكبر في العالم؛ بل سجلت دول كثيرة متقدمة ونامية معدلات تضخم متنامية خلال الأشهر الأخيرة. وفاق أحدث معدلات التضخم في ثلاثة أرباع مجموعة العشرين المعدلات التاريخية المستهدفة البالغة 2 في المائة. وكانت الأرجنتين وتركيا الأسوأ في معدلات التضخم بين دول المجموعة، حيث وصل معدلا التضخم فيهما إلى 52 و21 في المائة على التوالي خلال تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. وشهدت منتجات واسعة الاستخدام والأهمية، وأبرزها منتجات الأغذية والطاقة والسيارات والإلكترونيات، ارتفاعات سعرية قوية على المستوى العالمي.
يعتقد المختصون أن هناك اختلافا بين مسببات التضخم الحالية وعوامل التضخم خلال الفترات السابقة. وجاء ارتفاع التضخم الحالي بعد فترة الإغلاق الاقتصادي الناتج عن الجائحة الذي ولد إشكالات اقتصادية مختلفة عن الفترات السابقة. وولد الإغلاق العظيم معضلات في سلاسل التوريد وأسواق العمل وتراجع مفاجئ واختلالات في العرض والطلب، كما أن معدلات التضخم الحالية جاءت مقارنة بمعدلات أسعار منخفضة العام الماضي. وتراهن البنوك المركزية على أن معظم التضخم المسجل أخيرا عابر وجاء نتيجة عوامل مرتبطة بالجائحة وطفرة الطلب وتشوهات العرض. وهناك احتمال كبير بصحة افتراضات البنوك المركزية، ولكن لا ينبغي إغفال حقيقة أن معدلات التضخم الحالية تلت سياسات توسع نقدي ومالي هائل في الاقتصادات العالمية الكبرى قاد إلى فقاعة طلب خلال فترة التعافي من الجائحة. ودفعت سياسات مماثلة وأقل حدة في الماضي معدلات التضخم إلى مستويات مرتفعة، وليست هناك ضمانات أكيدة بأنها لن تحدث مجددا.
تلعب العوامل الداخلية للدول دورا كبيرا في تحديد معدلات تضخمها، وهي التي تقف بدرجة كبرى خلف اختلافات معدلات التضخم فيما بينها. فسياسات طبع النقود المفرطة في دول كفنزويلا وزيمبابوي أحدثت معدلات تضخم فلكية في البلدين. عموما، تعاني الدول التي تشهد معدلات تضخم مرتفعة اختلالات مالية. كما يسهم تدهور معدلات صرف العملة في معدلات التضخم، خصوصا لدى الدول النامية والصاعدة التي تستورد نسبا مرتفعة من احتياجاتها. ومن المعروف أن عجز الموازين الخارجية المزمنة يضغط على أسعار الصرف، كما تؤثر معدلات الفائدة مباشرة في معدلات الصرف، حيث تقود معدلات الفائدة غير المناسبة إلى اختلالات أسعار الصرف.
أوصى صندوق النقد الدولي الولايات المتحدة، أخيرا، بتبني سياسات نقدية أكثر تشددا للحد من مخاطر التضخم. ويبدو أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) ينوي خفض عمليات شراء الأصول، لكنه يحاول طمأنة الأسواق بأنه لن يتجه إلى رفع معدلات الفائدة. ومن المتوقع أن يحث صندوق النقد الدولي البنوك المركزية الرئيسة الأخرى على اتخاذ إجراءات مماثلة. ويحذر بعض المختصين من التأخر في التصدي لمعدلات التضخم المتنامية، التي يقود استمرارها لفترة من الزمن إلى سيادة توقعات التضخم بين المنتجين والعمالة ما يعمق ويطيل معضلة التضخم. في المقابل، يرى آخرون إمكانية التخلي عن استهداف معدلات تضخم منخفضة لا تتجاوز 2 في المائة. ويعتقدون أن استهداف معدلات تضخم منخفضة في العقود الأربعة الماضية قاد إلى نمو اقتصادي ضعيف بسبب الحذر المبالغ فيه من قبل البنوك المركزية. ويرون أن رفع معدلات التضخم المستهدفة بعض الشيء سيولد نموا أفضل ويقود إلى سياسات أكثر جرأة من قبل المستثمرين والعمالة والمستهلكين.
أدت مخاوف الدول من حدوث كساد اقتصادي نتيجة للجائحة، إلى تبني سياسات توسع نقدي ومالي جريئة وقوية لم يسبق لها مثيل. وأسهمت تلك السياسات في انتشال العالم من كساد اقتصادي محتمل، لكن ليس من الضرورة ألا تكون لتلك السياسات عوارض جانبية سلبية؛ قد يستمر بعضها فترات طويلة. وارتفعت ديون دول العالم بمعدلات عالية بعد سياسات التوسع المالي التي ستترتب عليها زيادة أعباء سدادها. وارتفعت ديون دول العالم بمعدلات عالية بعد سياسات التوسع المالي التي ستترتب عليها زيادة أعباء سدادها. وستتفاقم تلك الأعباء إذا ارتفعت معدلات الفائدة؛ ما قد يجبر دول العالم على التغاضي عن معدلات التضخم المرتفعة مقابل خفض أعباء الديون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي