الابتسامة وردة الفعل
أعجبني مقطع لأحد مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي يتحدث فيه عن مبادرته لتحية كل من يقابله والسلام عليه والتبسم في وجهه. حيث اختلف رد فعل الناس تجاهه بشكل كامل بعد أن حياهم الرجل، ويبدو أن المبادرة بالتحية أذابت الجليد وفتحت الأفق للتعارف وتسهيل تحقيق الأهداف.
على أن كثيرا ممن يتحملون مسؤولية استقبال الناس أو خدمتهم مطالبون بالابتسام في وجوههم كمبدأ إنساني، لكنه - في كثير من الحالات - غير ملزم، بل إن البعض يعتقد أن الصرامة في المظهر تساعدهم للسيطرة على المخالفين وإخافة المذنبين. لا أستطيع أن أزكي مثل هذا السلوك كعمل أخلاقي ومنطقي مقبول، فقد شاهدت في دول كثيرة النوعين من البشر، وكلاهما يحقق مهمته ولكن بدرجات نجاح متفاوتة.
نبقى في التعامل البشري الذي نستنسخ مفاهيمه من تاريخنا وتراثنا وقبل ذلك ديننا، فالقرآن الكريم يدعونا إلى التبسط والتقبل والمرونة، وهو ما أمر به المولى جل وعلا رسوله صلى الله عليه وسلم حين قال: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين"، وفي آية أخرى يقول الله تعالى: "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"، وهذه القيمة المهمة ستحقق للإنسان أعظم الإنجازات، وفي الحديث الشريف يؤكد - صلى الله عليه وسلم - "تبسمك في وجه أخيك صدقة" والشواهد كثيرة في القرآن والسنة والتاريخ الإسلامي.
مسؤولية نشر هذه الممارسة تبدأ من الصغر وتمر عبر مراحل التعليم والمجتمع والوظيفة العامة والخاصة، ليكون الابتسام وسيلة كسب القلوب وإنجاز المهام الذي يؤكده كثير من علماء الإدارة وممارسو القيادة في العالم، فالتعاطف واللطف والمودة التي يتميز بها كثير من القادة، حققت لهم ولاء ومحبة العاملين ومعها تصبح المنظومة متجهة نحو هدف واحد لا يعيق الوصول إليه أي خلافات أو عداوات قد يكون سببها النظرة القاصرة وعدم تقبل الآخر.
نحتاج كمجتمع لبناء هذا المفهوم ودعم انتشاره في كل الفئات والأعمار، وبدل أن يشك الشخص الذي تبتسم له في أهدافك من الابتسامة أو يفسرها بطريقة ظالمة، نتحول جميعا إلى مجموعة من المتحابين ونستطيع أن نفتح قلوبنا وعقولنا لما هو أهم من حماية الذات الذي ينسجها البعض من خلال إيجاد حواجز حماية لا داعي لها بيننا.