السعودية واستضافة الفعاليات الكبرى
ظلت الفعاليات الكبرى من مؤتمرات ومعارض وبطولات رياضية لعقود من الزمن محصورة على الدول الغربية ونشد الرحال نحن العرب لحضورها، بعضنا وهو كاره لمشقة السفر وللتكاليف العالية إذا كان يتحملها شخصيا، وبعضنا يجدها فرصة للسفر والسياحة مدفوعة التكاليف من جهة عمله حكوميا أو خاصا مع أن الفائدة من هذه المؤتمرات أو المعارض بالنسبة لبلادنا العربية محدودة، حيث ليس لدينا آنذاك ما نصنعه أو نصدره كبقية الدول المتقدمة، وأدركت الدول العربية وبالذات دول الخليج العربية أن عليها تهيئة نفسها لاستضافة الفعاليات بدلا من السفر إليها دائما. ولم تكن رحلة تهيئة الظروف لهذه الخطوة المهمة سهلة أو من الممكن تحقيقها في مدة قصيرة لأنها تتطلب توفير الإمكانات والبنية التحتية والمرافق التي تستوعب القادمين لحضور الفعاليات من مطارات وفنادق وقاعات، والأهم من ذلك تدريب الكوادر الوطنية القادرة على إدارة تلك الفعاليات بدل الاعتماد على شركات من الخارج لا يهمها إلا مقدار الأتعاب التي ستقوم بتسلمها في نهاية المطاف دون أن تهتم بالتدريب أو إيجاد وظائف مباشرة أو غير مباشرة للمواطنين. وفتحت بعض دول الخليج أبوابها لاستضافة الفعاليات وسهلت تأشيرات القدوم بشكل كبير بحيث يحصل القادم إليها من الدول الأخرى على التأشيرة بسرعة وربما في المطار، وظلت السعودية وهي أكبر سوق في المنطقة تراقب وتحضر الفعاليات في الدول المجاورة من مؤتمرات ومعارض حتى قيل إن نسبة السعوديين الذين يحضرون هذه الفعاليات تزيد على 70 في المائة ويقاس نجاح أي فعالية بعدد المشاركين السعوديين، كان هذا إلى وقت قريب جدا، ثم قررت القيادة السعودية ليس بشكل ارتجالي وإنما وفق رؤية محددة الأهداف واضحة النتائج أن تصبح هي المستضيف الأول والأكبر في المنطقة للفعاليات العالمية، فهيأت جميع الظروف ووفرت الإمكانات وسهلت الإجراءات ومنها التأشيرات التي يمكن الحصول عليها إلكترونيا في دقائق معدودة ودربت الشباب والفتيات السعوديات على إدارة الفعاليات، وظهر ذلك جليا في إدارة قمة العشرين العالمية العام الماضي بنجاح تام شهد به الجميع، وتبع هذه القمة عدة فعاليات منها مبادرة الشرق الأوسط الأخضر ومؤتمر مستقبل الاستثمار ومعرض الرياض الدولي للكتاب وغيرها من الفعاليات الاقتصادية والرياضية، وتجري الاستعدادات لإقامة معرض الدفاع العالمي للصناعات العسكرية كما يتوقع استضافة معرض إكسبو في 2030 الذي تقدمت المملكة بطلب استضافته.
وأخيرا: إن دخول السعودية في مجال استضافة الفعاليات العالمية دعم لجهود دول الخليج العربية للحصول على حق إقامة تلك النشاطات المهمة، خاصة أن موقعها الاستراتيجي بين ثلاث قارات كبرى يدعم هذا التوجه، وستشكل هذه الفعاليات مصدر دخل لدول الخليج بعد أن كانت عبئا على اقتصاد الدول التي بدأت في تنظيمها قبل الاستعداد لها، والأمل معقود على الهيئة العامة للمعارض والمؤتمرات التي تأسست العام الماضي للارتقاء بقطاع المعارض والمؤتمرات بجميع عناصره ومقوماته لتعزيز دوره في الاقتصاد الوطني عن طريق إيجاد حراك شامل ينشط جميع القطاعات، خاصة السياحة والصناعة الفندقية والخدمات اللوجستية والنقل بجميع أنواعه.