أدنى تكلفة تمويل للسعودية .. صكوك نوفمبر تستفيد من انخفاض العوائد الأمريكية
عادت السعودية لأسواق الدين المحلية بحجم إصدار هو الأصغر منذ 13 شهرا، وذلك مع الطرح المنفرد لأوراق مالية حكومية (بقيمة 614.179 مليون ريال) الذي تم إغلاقه في الـ24 ساعة الماضية، حيث كانت آخر مرة تم فيها طرح إصدار صغير الحجم في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي عند 270 مليون ريال.
ووفقا لتحليل وحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية"، حصلت السعودية على أدنى تكلفة تمويل خلال الربع الرابع من العام الجاري، إذ بلغ العائد حتى تاريخ الاستحقاق الممنوح مع شريحة الـ12 عاما ما مقداره 3.02 في المائة.
وجاء الإصدار في ظل ارتفاع أسعار النفط وعقب تعديل وكالة التصنيف "موديز"، النظرة المستقبلية للسعودية إلى "مستقرة" من "سلبية". ويعد توقيت الإصدار جيدا لأنه جاء بعد انخفاض عوائد سندات الخزينة الأمريكية خلال الأيام الماضية، الأمر الذي انعكس بشكل طفيف على عوائد طرح تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري مقارنة بالشهر الماضي.
من ناحية أخرى علمت "الاقتصادية" أن المستثمرين كانوا يتوقعون أن يشمل طرح تشرين الثاني (نوفمبر) على صكوك ثمانية (كان عائدها المتوقع يتراوح ما بين 2.52 في المائة، إلى 2.60 في المائة) إلا أنه وفي اللحظات الأخيرة من المزاد (وبعد وصول إجمالي حجم طلبات الاكتتاب (خلال المزاد) إلى 1.07 مليار ريال، فضلت جهة الإصدار المضي قدما بالصكوك ذات أجل استحقاق يصل إلى 12 عاما فقط (التي تم طرحها بالمزاد عند عائد يتراوح ما بين 2.92 في المائة، إلى 3.02 في المائة).
وبحسب البيانات التاريخية المتاحة لوحدة التقارير، فإن تلك هي المرة الثانية خلال عامين، التي يتم فيها العدول عن طرح شريحة إصدار للمستثمرين. وليس من المعتاد تلبية جميع طلبات المستثمرين ويرجع ذلك لتنوع قنوات وخيارات التمويل المتوافرة لجهة الإصدار السيادية، فضلا عن عمليات الاستدانة السابقة التي تمت خلال الأشهر العشرة الماضية من هذه السنة (وفقا لما هو مخطط له سابقا).
وأظهرت البيانات الأولية انخفاض تكلفة التمويل مع طرح الشهر الحالي مقارنة بالشهر الماضي وذلك بفضل انخفاض عوائد سندات الخزينة الأمريكية خلال فترة الطرح (مع العلم أن الصكوك، ذات أجل استحقاق يصل إلى 12 عاما، قد كان العائد حتى تاريخ الاستحقاق لها في تشرين الأول (أكتوبر) يصل إلى 3.05 في المائة، غير أن نطاق العائد خلال مزاد طرح تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي كان أدنى من ذلك بقليل.
واستقبلت السعودية طلبا قويا من قبل المستثمرين خلال المزاد، حيث اشترى المستثمرون خلال المزاد جميع وحدات الصكوك المطروحة لأجل 12 عاما (إعادة فتح لإصدار سابق)، وذلك في علامة على حرص مستثمري أدوات الدخل الثابت للحصول على جزء من تلك الأوراق المالية ذات الجدارة الائتمانية العالية.
وتوزع إصدار تشرين الثاني (نوفمبر)، الذي تجري تسويته اليوم الخميس، على شريحة وحيدة وبواقع "عائد حتى تاريخ الاستحقاق" للصكوك ذات أجل 12 عاما عند 3.02 في المائة، وذلك وفقا لسعر الإصدار بالسوق الثانوية عند 955 ريالا.
والصكوك ذات أجل 12 عاما التي تمت إعادة فتحها هذا الشهر تم إصدارها للمرة الأولى في كانون الثاني (يناير) 2021 وذلك وفقا لمنصة "سي بوندز" Cbonds للبيانات المالية.
وسجلت الصفقات الخاصة نسبة استحواذ الصفقات الخاصة في سوق الدين رابع هبوط فصلي على التوالي، وابتدأت سلسلة التراجع في سيطرة الصفقات الخاصة على تداولات بورصة الدين منذ الفصل الرابع من 2020 واستمرت إلى الآن.
وأظهر رصد لـ"الاقتصادية" استمرارية اعتماد المستثمرين المؤسسيين على منهجية الصفقات الخاصة خلال الربع الثالث ولكن بوتيرة أقل نسبيا، وتم تنفيذ 126 صفقة خاصة في سوق الدين بقيمة 23.89 مليار ريال (تشكل 45.8 في المائة من إجمالي التداولات عن الفترة ذاتها) خلال الأشهر التسعة الأولى 2021.
غير أن نسبة الاستحواذ المسجلة خلال الأشهر التسعة الأولى من هذه السنة تعد أقل بنسبة 6.3 في المائة من نسبة الصفقات الخاصة المسجلة عن الفترة ذاتها بالسنة الماضية.
وبذلك تسجل الصفقات الخاصة بسوق الدين أدنى مستويات لها من حيث إجمالي التداولات لأول مرة منذ أكثر من 21 شهرا (نطاق استحواذات الصفقات الخاصة من بين إجمالي تداولات بورصة الدين يتراوح ما بين 48.9 في المائة إلى 47.2 في المائة).
وأظهر تحليل وحدة التقارير الاقتصادية أن الصفقات الخاصة في سوق الدين المحلية تعد أعلى من المعدلات الطبيعية في سوق الأسهم الذي تشكل فيه قيمة الصفقات الخاصة أقل من 1 في المائة من إجمالي قيم الأسهم المتداولة. وقد يعود ذلك لطبيعة أحجام الصفقات (التي تقدر بمئات الملايين) التي يتطلب تنسيقها بين البائع والمشتري، حيث يضطر بعض المشترين أن يتفاوض، عبر الوسيط المالي، مع البائع حول كمية أدوات الدخل التي يرغب بشرائها والاتفاق على سعر معين.
وبلغ إجمالي الصفقات المتفاوض عليها في سوق الصكوك والسندات السعودية خلال الأشهر التسعة من العام الجاري 23.89 مليار ريال، وتمركزت في المعظم على الصكوك ذات أجل 12 عاما وبدرجة أقل على الصكوك السبعية.
وأظهر التحليل، أن المستثمرين المؤسسيين باتوا يفضلون تنفيذ صفقاتهم الكبرى في سوق الصكوك والسندات السعودية عبر الصفقات الخاصة.
وبحسب "تداول"، فإن الصفقات الخاصة هي الأوامر التي يتم تنفيذها عندما يتفق مستثمر بائع ومستثمر مشتر على تداول أوراق مالية محددة وبسعر محدد، بحيث تتوافق مع ضوابط السوق المالية السعودية (تداول) والقواعد واللوائح الصادرة عن هيئة السوق المالية ذات العلاقة.
ولا تؤثر الصفقات الخاصة في سعر آخر صفقة أو أعلى أو أدنى سعر للصك، أو سعر الافتتاح أو سعر الإغلاق، أو مؤشر السوق أو مؤشرات القطاعات.
الطرح المحلي - وكانت وزارة المالية قد ذكرت في بيان لها أن المركز الوطني لإدارة الدين قد انتهى من استقبال طلبات المستثمرين على إصداره المحلي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 تحت برنامج صكوك حكومة المملكة العربية السعودية بالريال السعودي. وحدد المركز حجم الإصدار بمبلغ إجمالي قدره 614.179 مليون ريال سعودي، وتضمن الإصدار شريحة واحدة تمثل القيمة الإجمالية للإصدار لصكوك تستحق في 2033.
المزاد الهولندي - منذ تموز (يوليو) 2018 تم استخدام منهجية المزاد، التي يرى صندوق النقد أنها ستضفي درجة من المرونة على آليات تسعير الإصدارات المحلية الجديدة.
وشهد إصدار تموز (يوليو) 2018 (الإصدار السابع) تطبيق تلك المنهجية لأول مرة مع أدوات الدين في المملكة، حيث تستخدم السعودية "المزاد الهولندي" وهو المزاد نفسه الذي تستعمله الخزينة الأمريكية عندما تبيع سنداتها.
وبالاستعانة بأحد منتجات "بلومبيرج" الخاصة بالمزاد، تم منح المتعاملين الأوليين "سعر سقف محدد" لا يستطيعون التسعير فوقه، بحيث يكون التسعير النهائي على المستوى نفسه سقف التسعير أو دونه، وتم الطلب من المتعاملين الأوليين أن يقدموا طلبات الاكتتاب الخاصة بهم، وكذلك الخاصة بعملائهم.
وآلية المزاد هذه تختلف عن المنهجية التسعيرية، التي كانت تستخدم في السابق وتدور حول تحديد نطاق تسعيري معين (أي حد أعلى وحد متوسط وآخر أدنى)، والطلب منهم التسعير في هذا النطاق ثم يتم تحديد السعر النهائي من قبل جهة الإصدار.
منحنى العائد - يعرف منحنى العائد بأنه خط يحدد الفائدة على أدوات الدين في وقت بعينه تمتلك فيه جهة الإصدار جدارة ائتمانية متوازنة، لكنها متباينة من حيث الاستحقاق، حيث يكون هناك على سبيل المثال فارق فائدة بين الصكوك والسندات لأجل خمسة أعوام ولأجل 30 عاما. ويتخذ منحنى العائد عادة اتجاها صعوديا وهو المنحنى الطبيعي، ولكن عندما ينقلب يكون العائد على السندات الأقصر أجلا أعلى من العائد على نظيراتها الأطول أجلا.
وتحظى السعودية بمنحنى عائد طبيعي، سواء مع إصداراتها المقومة بالعملة المحلية أو الصعبة. ونجحت السعودية منذ 2019 في تمديد آجال استحقاقات الصكوك في السوق المحلية عبر إصدارات جديدة تشمل 12 و15 و30 عاما، وذلك لاستكمال منحنى العائد خالي المخاطر، ما يسهم في دعم مختلف الأسواق شاملة أسواق الدين العقارية.
والأمر نفسه كررته في 2020 عندما شهد إصدارها الدولاري استحقاقات بأجل سبعة أعوام و12 عاما، ولأول مرة شريحة الـ35 عاما، التي أتت جميعها خلال فترات استحقاق متباعدة، مساهمة في الوقت نفسة في إطالة أجل تلك الاستحقاقات، وفقا لسياسة إدارة الدين العام للدولة.
ويستعين العاملون بأسواق الدخل الثابت بمقياس "العائد حتى تاريخ الاستحقاق"، وذلك من أجل حساب العائد المستقبلي لأداة الدين، وذلك في حال الاحتفاظ بها إلى أن يحين أجل إطفائها.
ويحدد هذا المقياس مدى جدوى الاستثمار من عدمه، ويكثر استخدام هذا المؤشر (بين المستثمرين) من أجل إجراء مقارنات بين العوائد السنوية لأدوات الدين، وذلك بغض النظر عن آجال استحقاقاتها.
مشاركة الأفراد من المنتظر أن يدعم إصدار الشهر الحالي مخزون الصكوك الادخارية المتوافرة لاستثمارات الأفراد بالسوق الثانوية، وجاء قرار تفعيل تخفيض القيمة الاسمية للصكوك الحكومية المدرجة لتكون في متناول الأفراد، وذلك ابتداء من حزيران (يونيو) 2019 ليعني أن السعودية قد فتحت المجال أمام مواطنيها للمشاركة بدعم المشاريع التنموية في البلاد، في خطوة تقدمية تتماشى مع كثير من الدول حول العالم، التي تتبع هذا النهج.
وأسهمت الإصلاحات الاقتصادية، التي عمت أسواق الدخل الثابت في المملكة في جعل مسألة استثمار الأفراد بالصكوك أمرا ممكنا بعد أن تم تخفيض القيمة الاسمية للصك إلى ألف ريال (مقارنة سابقا بمليون ريال).
استحقاقات 2022 - وأعلنت السعودية، ممثلة بوزارة المالية في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) 2021 عن اكتمال عملية شراء مبكر لجزء من سندات وصكوك المصدر القائمة المستحقة في آب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر) و تشرين الأول (أكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر) وكانون الأول (ديسمبر) من 2022 بقيمة إجمالية وصلت إلى 32.9 مليار ريال. حيث تمكنت السعودية خلال تلك الفترة من إعادة تمويل 43.5 في المائة من ديونها التي يحين موعد سدادها في 2022.
ويحل في 2022 أجل استحقاق لديون "محلية" تقدر بـ57.4 مليار ريال، غير أن جهة الإصدار السيادية فضلت انتهاز ظروف السوق الموائمة في 2021 وقررت إعادة تمويل 32.9 مليار ريال من مبلغ الـ57.4 مليار ريال.
يذكر أن الديون المحلية التي يحين أجل استحقاقها في 2022 انخفضت بعد عملية الشراء المبكر الثانية من 57.4 مليار ريال إلى 24.4 مليار ريال، من ضمنها صكوك خمسية أواخر تموز (يوليو) بقيمة 12 مليار ريال، وفقا لمنصة "سي بوندز" للبيانات المالية.
ويحل في 2022 أجل استحقاق يقدر بـ18.1 مليار ريال لسداد أصل الديون الدولية، منها استحقاق نيسان (أبريل) الذي بموجبه سيتم سداد رأس المال والأرباح المتبقية لصكوك دولارية خمسية (بعائد 2.89 في المائة) تم إصدارها بقيمة 4.5 مليار دولار (تعادل 16.8 مليار ريال).
واستندت تحليلات "الاقتصادية" الخاصة بمواعيد آجال الاستحقاق على البيانات التي حصلت عليها من منصة "فاكتست" للخدمات المالية.
يذكر أن لدى "فاكتست" واحدة من أشهر منصات التحليلات المالية التي يستعين بها المجتمع الاستثماري العالمي من أجل تقييم الأوراق المالية وبناء القرار الاستثماري.
وارتفع الدين العام للسعودية بنهاية الربع الثالث من العام الجاري إلى 948.3 مليار ريال، مقارنة بنحو 922.8 مليار ريال بنهاية الربع السابق.
وسجل الدين العام نموا بلغ 2.8 في المائة مقارنة بالربع السابق، في حين شكل الدين الداخلي عند 560.56 مليار ريال، بينما بلغ الدين الخارجي 387.77 مليار ريال بنهاية الفترة. ولا يزال الدين العام ينمو ولكن بوتيرة أبطأ عما كان عليه العام الماضي، حيث سجل النمو في الربع الأول من العام الجاري 5.6 في المائة، ثم 2.4 في المائة للربع الثاني.
ومنذ بداية العام الجاري ارتفع الدين السعودي بنحو 11 في المائة مقارنة بما كان عليه نهاية العام الماضي عند 853.5 مليار ريال، وإذا ما قورن معدل النمو للفترة ذاتها من 2020، فإن حجم النمو كان عند 25 في المائة.
وتستهدف السعودية استقرار الدين العام على المدى المتوسط، وذلك استكمالا لجهود الحكومة في تعزيز كفاءة الإنفاق وتحقق مستهدفات الانضباط المالي.
وتتوقع وزارة المالية بلوغ الدين العام نحو 989 مليار ريال في موازنة 2022، وبنمو 5.5 في المائة مقارنة بحجم الدين المتوقع في 2021 البالغ 937 مليار ريال، ليستمر تباطؤ النمو الدين العام للعام السادس على التوالي.
وتوقعت وزارة المالية أن يستقر حجم الدين العام للميزانية في 2022 و2023 و2024 عند 989 مليار ريال، مقارنة بتقديرات سابقة عند 1016 مليار ريال في 2022 و 1029 مليار ريال في 2023، وذلك بعد أزمة كورونا التي أثرت في اقتصادات العالم أجمع والتي دفعت بالدين العام فوق المستوى المستهدف، ولا سيما بعد تأكيد وزير المالية أن الحكومة ستقوم بزيادة الاقتراض هذا العام لمواجهة الجائحة.
وتهدف السياسة المالية في السعودية إلى تحقيق التوازن بين أهداف الحفاظ على الاستقرار المالي وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام ومساندة مرحلة التحول الاقتصادي والاجتماعي التي تمر بها السعودية، وفقا لرؤية السعودية 2030.
وفي 2023، فإن التوقعات أن يسجل الدين العام نموا صفريا، وبذلك يتوقف نمو الدين العام لأول مرة منذ 2016، الذي سجل فيه الدين نموا فاق 100 في المائة حينها.
ويعود ثبات حجم الدين على المدى المتوسط نتيجة توقعات وزارة المالية إلى تحقيق فوائض في الميزانية بدءا من 2023، وتوجية الإصدارات إلى سداد الدين، ومن خلال ذلك ستعزز السعودية من الحفاظ على معدلات مناسبة من الاحتياطيات الحكومية لتعزيز قدرتها على التعامل مع الصدمات.
وتستهدف السياسة المالية في السعودية تعزيز الاحتياطيات الحكومية لدى البنك المركزي، لتستمر بالتزايد على المدى المتوسط بدعم من الفوائض المتوقع تحقيقها في 2023 و2024.
وحدة التقارير الاقتصادية