كيف تدار الاجتماعات والمجالس؟
في الاجتماعات الرسمية، والمجالس العامة تناقش أمور خاصة، حسب طبيعة الاجتماع الرسمي، إن كان اقتصاديا، أو أكاديميا، أو خدميا، كما أن المجالس العامة تكون مواضيعها حسب الحضور، من حيث إن كانوا من هواة الرياضة، أو إن كانوا متخصصين في موضوع معين يكون نقاشهم في مجال تخصصهم، أما إن كانوا من كبار السن المتقاعدين فإن أحاديثهم تتنوع في استرجاع الذكريات السابقة، والقصص المسلية، إضافة إلى أخبار متناثرة من هنا، وهناك، وبعضها يتناول أخبار الحي، أو شيئا مما يتناوله الإعلام، خاصة الرسمي، إن كانوا ممن لا يجيد التعامل مع الإعلام الحديث، ووسائل التواصل الاجتماعي.
لاحظت في الاجتماعات الرسمية أن من يتصدر الحديث أحيانا رئيس المجلس مستغلا نفوذه، ومحاولا توجيه الحديث بما يخدم مصالحه في أمر من الأمور، أو بما يتسق مع رغبة رئيسه الأعلى الذي قد يكون أوعز له أن يكون القرار بهذه الصفة، أو تلك، حتى أن تدخلاته تكون فجة، وبلا منطق ما يشعر الحضور بضغط يمارس على رئيس المجلس، أو رغبة شخصية بحتة عنده، وقد يفقد أعصابه، ليرتفع صوته، وتتعثر كلماته، بل يظهر الغضب على وجهه، حين تطرح أفكار تتعارض مع ما يريد أن يكون القرار، أو التوصية. لكن هذا النمط من الشخصية ليس السائد، بل يوجد الحكيم الذي يدير الاجتماع بسلاسة، وكلام عذب مقنع للبعض، ومرجح ليكون القرار حسب ما يريد رئيس المجلس، دون نزاع، أو نقاش حاد وتوتر بين أعضاء الاجتماع، وهذا النمط تغلب عليه الحكمة، والاستماع الجيد، والتأني، ليكون رده مبنيا على منطق، واستشهاد بفقرة من نظام، أو بحالات مشابهة، كما يلاحظ عليه تجنب الألفاظ، أو ما يثير حفيظة الحضور.
في الاجتماعات الرسمية أيضا يمكن تقسيم الحضور إلى أنواع، منهم من لديه رأي مستقل، ويقارع الحجة بالحجة، لا بهدف النقاش فقط، لكن بهدف التبصير بأمور قد تخفى على البعض، حتى يكون القرار، أو التوصية مبنية على أسس متينة تجنب المجتمعين الملامة لو جاء القرار دون تأسيس على نظام، أو حقائق، أو مصلحة راجحة يلزم السعي لتحقيقها، كما توجد فئة ثانية يمكن وصفها بالإمعات، نظرا لافتقادهم الرأي المستقل، وغالبا هؤلاء يتبعون رئيس المجلس فيما يقول، ومثل هؤلاء ضررهم أكبر من نفعهم، نظرا لترجيحهم كفة توجه النقاش بما يتعارض مع المصلحة العامة، أو مع ما تقتضيه الأنظمة.
فئة ثالثة صامتة طوال وقتها، وفي كل المجالس، إما لافتقادهم الرأي لقلة الخبرة، أو لترددهم، وعدم قدرتهم على الحديث في الاجتماعات، وهؤلاء يمكن أن ينطبق عليهم المثل القائل: "لا مع العير ولا مع النفير"، وأثرهم في توجيه النقاش معدوم إلا أن أثرهم يظهر عند عد الأصوات في حال اتخاذ القرار بالتصويت. كما أن ما يؤثر في هذه الفئة باختيارهم الصمت توجسهم، وتخوفهم من التأثير في مصالحهم الذاتية، فيما لو تحدثوا، وناقشوا الموضوع المطروح للنقاش.
سواء في الاجتماعات الرسمية، أو المجالس المفتوحة التي لا توجد محددات وشروط لحضورها لا يجب أن ننسى أن الثقة بالنفس تمثل أساسا مهما في المشاركة في الحديث من عدمها، كما أن ما يتمتع به البعض من فصاحة، وحسن بيان يساعد الفرد على الحديث، والمشاركة بالرأي، ويضاف إلى ذلك سعي البعض، واستغلالهم المجالس رسمية، أو غير رسمية لإثبات أنفسهم من خلال تصدر المجالس، والحديث فيها، حتى لو كان حديثهم بلا قيمة تذكر، مع إمكانية استخدام السجع، وبعض الاستشهادات بالنصوص، أو امتلاكهم لهالة خارجية، ربما تحدث أثرا مؤقتا.
إثبات الذات الحقيقي المفيد يتحقق من خلال تطوير الذات بالقراءة المتأنية، والاطلاع على الأنظمة، ذات العلاقة بالموضوع الذي يطرح للنقاش، مع الحديث الهادئ الرزين، المحترم لآراء الآخرين، حتى، وإن لم يتفق معهم، أما من يسعى لإثبات ذاته بكلام يفتقد المنطق، فسريعا ما ينكشف لخلو رأيه من مقومات الإقناع، ولتتحول محاولة اكتساب الأتباع إلى تندر.