زخم هبوطي لأسهم التكنولوجيا.. يتغذى على نفسه ويثير مخاوف من "دومينو"

زخم هبوطي لأسهم التكنولوجيا.. يتغذى على نفسه ويثير مخاوف من "دومينو"
أسواق التكنولوجيا تنفذ عملية تصحيح وغالبا ما يسجل الربع الأخير من العام أداءا إيجابيا.

يتعرض المستثمرون في البورصة الأمريكية لضغوط شديدة واختبار ثقة بشأن علاقتهم المستقبلية بالأسهم ذائعة الانتشار والشهرة، مثل مايكروسوفت وألفا بت الشركة الأم لموقع البحث جوجل وشركة فيسبوك وشركة نفيديا لصناعة الرقائق، وجميعها كما يلاحظ شركات رائدة في عالم التكنولوجيا.
القضية باختصار أن الارتفاع السريع في عائدات السندات الحكومية في الولايات المتحدة أدى إلى إلحاق الضرر بأسهم الشركات القوية في البورصات الأمريكية، وأسهم الشركات القوية تعود أغلبها لشركات التكنولوجيا، التي عززت لأعوام المؤشرات الرئيسة والاتجاهات التصاعدية في البورصة.
هذا الوضع يضع المستثمرين في اختبار ثقة حقيقي، فإما يعربون عن ثقتهم بعالم التكنولوجيا والشركات التي تقوده، فيتمسكون بأسهمهم ولا يجزعون من التراجعات الجارية في قيمتها، ويقبضون عليها كالقابض على الجمر، والأمل يحدوهم أن التحسن قادم ولو بعد حين، وإما يسرعون بالتخلص منها، خشية مزيد من الانخفاض في أسعارها، ما قد يكون البداية لمرحلة أقل ما يمكن قوله فيها إنها قد تقود لأزمة حقيقية إذا اتسع نطاق المخاوف، وبدأ الجميع في التخلص مما لديه من أسهم، سواء كانت في مجال التكنولوجيا أو غيرها من المجالات.
ولكن ما الذي حدث تحديدا، يمكن القول إنه حتى الأربعاء الماضي كان التراجع في قيمة أسهم شركات التكنولوجيا معتدلا، فأسهم شركة مايكروسوفت وألفا بت ونفيديا خسرت في الأسبوع الأخير من شهر أيلول (سبتمبر) نحو 5 في المائة أو أكثر قليلا من قيمتها، والنتيجة انخفاض في المؤشرات الرئيسة للبورصة، وإذا أضفنا للشركات المذكورة شركة أبل وأمازون وفيسبوك ونيتفليكس، فإن خسائر الشركات السبع بلغت الثلاثاء الماضي 315 مليار دولار، وهو أكبر انخفاض في عام.
وفي اليوم الأول من تشرين أول (أكتوبر) الجاري تحسن الوضع وحدث ارتفاع قوي في أسهم شركات التكنولوجيا، فقاد مؤشر داو جونز، الذي يضم أكبر 30 شركة صناعية أمريكية في بورصة نيويورك الطريق صعودا بنحو 1.4 في المائة، أما مؤشر S&P 500 فارتفع 1.2 في المائة، ومؤشر ناسداك بنحو 0.8 في المائة، لكن تلك الزيادات لم تفلح في أن تخفي تقلبات المشهد، فالفجوة كانت كبيرة بين وضع مؤشر ناسداك في الأول من تشرين أول (أكتوبر) ووضعه في 7 أيلول (سبتمبر) الماضي عندما حقق زيادة بنحو 5.2 في المائة، كما أن المسافة بين ما وصل إليه مؤشر داو جونز وما أغلق عليه في 16 آب (أغسطس) الماضي عندما وصل إلى 3.6 في المائة كانت تشير إلى أن هناك رياحا غير طيبة في الطريق.
وبالفعل بحلول الإثنين 4 تشرين الأول (أكتوبر) كانت بورصة وول ستريت تغلق على انخفاض حاد، فمؤشر ناسداك انخفض بنحو 2.1 في المائة، ومؤشر S& P 500 بـ1.3 في المائة، ومؤشر داو جونز الصناعي بـ1 في المائة، وطالت الانخفاضات أسهم كل من أبل ومايكروسفت وأمازون وألفا بت وهي الشركات الأربع الأكثر قيمة في سوق الأسهم الأمريكية بما يزيد على 2 في المائة، أما شركة فيسبوك فقد كانت خسائرها أعلى، إذ بلغت نحو 5 في المائة تقريبا بعد عطل دام لساعات وأصاب الموقع ومنصتي إنستجرام وواتس أب التابعتين له.
إال.كا. نيك، المحلل المالي في بورصة لندن، يحمل هذا الوضع للارتفاع في عوائد سندات الخزانة طويلة الأجل، التي زادت بأسرع وتيرة لها منذ شهور، ووصل عائد سندات الخزانة عشرة أعوام لأعلى مستوى له في ثلاثة أشهر، ما يجعل أسهم شركات التكنولوجيا تفقد جاذبيتها.
ويقول لـ"لاقتصادية" "عائد سندات الخزانة الأمريكية لآجل عشرة أعوام تجاوز 1.5 في المائة، وقام المستثمرون بالتخلص بالبيع مما لديهم من أسهم لشركات التكنولوجيا بنحو 1.2 مليار دولار خلال الأسبوع قبل الأخير من أيلول (سبتمبر)، وهذا أول تدفق خارجي من القطاع منذ نحو ثلاثة أشهر، كما أن بنك أوف أمريكا أشار إلى أن نحو 29 مليار دولار كانت تدفقات خارجية من صناديق الأسهم الأمريكية خلال الفترة نفسها، وتعد تلك التدفقات الخارجية الأكبر منذ ثلاثة أعوام ونصف العام".
بعض الخبراء يعدون أن التحركات الراهنة في سوق أسهم التكنولوجيا تعكس شعورا أعمق بالقلق لدى المستثمرين بشأن احتمالية ارتفاع أسعار الفائدة في الفترة المقبلة، خاصة بعد تحسن بيانات الاقتصاد الأمريكي وتزايد التضخم، وأشار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بأنه سيبدأ في تقليص مشتريات السندات في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، استعدادا لرفع أسعار الفائدة العام المقبل، وهذا الاتجاه يتعزز الآن نتيجة التحولات الاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا واضطرابات سلاسل التوريد وجميعها ترفع من معدلات التضخم، ولن يكون في يد مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي من حلول لكبح ارتفاع الأسعار غير رفع أسعار الفائدة في الوقت الراهن.
بدوره يرى شون بلاك ويل، الخبير الاستثماري أن ما يحدث أمرا طبيعيا، وأن السوق تقوم بعملية تصحيح، ولا يوجد مبررات حقيقية للفزع، وأنه إذا كان شهر تشرين الأول (أكتوبر) شهر تقلبات في الأسواق، فإن الأداء العام للربع الأخير من العام غالبا ما يعد إيجابيا.
ويقول لـ"الاقتصادية": "كان عديد من المستثمرين يستعدون للتراجع في الربع الأخير من العام بعد شهور طويلة من ارتفاع قيمة أسهم شركات التكنولوجيا، أضف لذلك القلق الجاري في الأسواق لاحتمال انهيار شركة إيفرجراند الصينية للتطوير العقاري، مع الصراع الداخلي بين الرئيس بايدن والجمهوريين حول مشروع القانون المتعلق بسقف الدين الأمريكي، وأمام الولايات المتحدة حتى العاشر من الشهر الجاري، لرفع سقف الدين، بعد هذا التاريخ لن تكون واشنطن قادرة على الوفاء بالتزاماتها كاملة، هذا يدفع بالمستثمرين إلى التخلص مما لديهم من أسهم والاحتفاظ بأموالهم حتى تتضح لهم صورة المشهد تماما".
المشكلة أن الزخم الهبوطي للأسعار يمكن أن يتغذى على نفسه، ليصنع ما يعرف بتأثير أو نظرية الدومينو، ما يجعل عمليات البيع أكثر حدة، وتزداد خطورة الوضع إذا أخذنا في الحسبان أن شركات تريليونية مثل أبل ومايكروسوفت وأمازون وألفابت تشكل جزءا رئيسا من المؤشرات الرئيسة للبورصة الأمريكية، ومن ثم فإن تعرض قيمة أسهمها لانخفاضات كبيرة، يمكن أن يكون له تأثير سلبي في مجمل الأسهم، فعلى الرغم من ارتفاع أسهم الطاقة 3.9 في المائة خلال الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، فإن مؤشر S&P 500 انخفض 2.2 في المائة.
من هذا المنطلق يعتقد جون ديفين، رئيس قسم إدارة الثروات في مجموعة نت ويست المصرفية أن التطورات الجارية في سوق أسهم شركات التكنولوجيا قد تنبئ بأن عهد هيمنتها النسبية على البورصات في طريقه للانتهاء، وضعف الأداء الحالي من وجهة نظره مؤشر على فقدان الهيمنة.
ويقول لـ"الاقتصادية" "في الأعوام الأخيرة كان مفهوم الزخم الاقتصادي يبرز في أعلى تجلياته في أسهم شركات التكنولوجيا وتمثل نحو 35 في المائة من MTUM وهو مؤشر يتتبع نتائج الاستثمار في توليفة من الأسهم الأمريكية ذات رأس المال الكبير والمتوسط التي تظهر زخما أعلى نسبيا في الأسعار، الآن هذا على وشك التغيير، حيث يتوقع أن يتم خفض الترجيح التكنولوجي إلى النصف، وتتوقع التقديرات أن القطاعات المالية الاستهلاكية والصناعية ستحمل وزنا أكبر داخل المؤشر، بحيث تجذب الاستثمارات إليه".
ويضيف: "الحفاظ على الأسعار الحالية لأسهم شركات التكنولوجيا تتطلب تحقيق مستوى نمو مستقبلي سيكون عمليا من الصعب عليها تحقيقه". مع هذا يمكننا القول أيا كانت أسباب التقلبات السلبية في أسهم قطاع التكنولوجيا حاليا، فإنه يستبعد تماما أن نشهد تحطما للقطاع أو انهيارا عنيفا لقيمة أسهمه، إذ يستبعد أن يتم تحييد هذا القطاع الاستراتيجي أو إخراجه من المشهد الاقتصادي، خاصة بعد أدائه المميز خلال فترة تفشي وباء كورونا.

الأكثر قراءة