قراءات
أين كانوا يكتبون؟
من أين تبدأ حميمية الكتاب والأدباء: من العالم الخارجي أم من داخل بيوتهم ومكاتبهم؟ الجواب عن هذا السؤال وجدته في هذا الكتاب "أين كانوا يكتبون، بيوت الكتاب والأدباء في العالم"، الذي قامت رجاء ملاح؛ زوجتي المهندسة والمترجمة بالعمل على ترجمته، بتشجيع مني، فأسلوب الكتاب مختلف تماما عما نقرأه في التحقيقات الصحافية الأخرى، لأنه يروي حياة الكتاب والأدباء من داخل الجدران ويسجل كيف التصقت أعمالهم وحياتهم بها، بأدق التفاصيل، من ديكورات الجدران إلى طاولات الكتابة وستائر غرف النوم وكل ما يتعلق بالعالم الحميمي للكتابة وكيف ولدت أعمالهم الأدبية بكل نبضاتها وأفكارها، يضاف إلى ذلك أنه ثمرة جهود ثنائية بين صحافية ومصورة، فهو كتاب أنثوي بالدرجة الأولى، تشعر بذلك من خلال كلماته وصوره حيث اعتنينا بتفاصيل ربما لا يرتكز عليها الرجل. الكتاب الحالي تناول عددا من الكتاب والأدباء، ولكل كاتب ذكرياته عن البيت الذي عاش فيه.
في أحضان الكتب
لأنني أحب الكتابة عن الكتب والحديث عن الكتب بمناسبة وغير مناسبة، كنت أتلقى خلال كتابتي المنتظمة في الصحف مع كل معرض للكتاب سيلا من طلبات الترشيح لما أراه من الكتب أولى وأحق بالاقتناء والقراءة؟ ولذلك صنعت هذه القائمة التي تضم عددا من أحلى الكتب التي أحب قراءتها دائما وأبدا، ويمكن أن تضم إليها الكتب التي تحدثت عنها في هذا الكتاب، مع رجائي أن تتذكر دائما أن هذه القائمة هي قائمة شخصية عشوائية مكتوبة من الذاكرة عمدا، ولا يوجد أي منطق في اختيارها سوى أنني استمتعت بقراءة كل ما فيها وأضمن لك برقبتي أنك ستعيد قراءة أغلبها أكثر من مرة دون أن تمل، لاحظ أن رقبتي سدادة كما يبدو لك من حجمها في الصور، قد ترى أن هناك كتبا أحلى مما اخترته، وبالتأكيد هناك كتب أحلى وأجمل وأهم سقطت من ذاكرتي "النقاواتية" وربما كان ذلك حافزا لأن تصنع لنفسك قائمة من أحلى الكتب، تتفوق على هذه القائمة الشخصية التي آمل ألا تحرم نفسك منها أو مما استطعت إليه منها سبيلا.
تأويلات وتفكيكات
بين دفتي هذا الكتاب فصول ومحطات في الفكر الغربي المعاصر تزاوج بين الطرح الأكاديمي والقراءة النقدية حيث لم نراع فيها التسلسل المنطقي بين السابق واللاحق أو التدرج بين الماضي والحاضر أو الهوية الفلسفية بين الاختلافات الجغرافية والتاريخية والفكرية. الشيء الوحيد الذي يمكن الانتباه إلى تطوره وتحوله أو انبجاسه وصيرورته هو المعنى، إذ يتدرج هذا الأخير من التنظير الفلسفي والمعالجة الفكرية في الهيرومينوطيقا (فاتيمو، جادامير، ريكور) إلى الانعدام أو الاندثار شبه الكلي مع بودريار مرورا بسياقات التمظهر والتجلي (دوسارتو) أو المأسسة والتلاحم مع الخطاب (فوكو) أو التحول والانخراط في العقل العملي (رورتي) أو التلاشي والتمفصل مع اللاشعور واللامعنى (دريدا ولارويل). لكن ليس المعنى هو المفهوم الرئيس في الخطاب الفلسفي الغربي المعاصر، لأن هذا الأخير حافل بجملة من المفاهيم جرى تداولها ومعالجتها ودراستها حسب الأولويات والاستراتيجيات، لكن يبقى المعنى مع ذلك صلب التفكير الفلسفي الغربي.