على طريق ازدهار الصناعة السينمائية السعودية .. ولادة جمعية «الفن السابع»
وسط أجواء يغلفها التفاؤل، شهد أهل "الفن السابع" ولادة جمعية سينمائية سعودية، وسط حفاوة واسعة ونمو مطرد وقياسي للبنية التحتية للقطاع على مستوى المملكة، وصفه خبراء بأنه النمو الوحيد للصناعة السينمائية على مستوى العالم، خلال "عام الكورونا" 2020.
جاءت أول جمعية أهلية سينمائية متخصصة في تاريخ المملكة تعنى بقطاع صناعة الأفلام بعد ثلاثة أعوام مليئة بالقفزات النوعية في هذا القطاع، منذ الترخيص بإنشاء صالات سينمائية، تلاها إنشاء هيئة للأفلام، مرورا بإعفاء الفيلم المحلي من المقابل المالي على التذاكر، وصولا إلى مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي الذي يترقب السينمائيون فعالياته، ويعقد دورته الافتتاحية المؤجلة في ديسمبر المقبل، بحسب التحديث الأخير للموقع الإلكتروني للمهرجان.
ترحيب .. انتظارا للمبادرات
قوبل قرار وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بالموافقة على تسجيل جمعية السينما رسميا بترحيب كبير، ولا سيما أن من يقف وراءها مجموعة من النخب السينمائية، من مخرجين وكتاب وفنانين مبدعين، حيث تضم الجمعية في مجلس إدارتها كلا من الكاتبة والمخرجة هناء العمير "رئيسا لمجلس الإدارة"، ورئيس مهرجان أفلام السعودية الشاعر أحمد الملا "نائبا للرئيس"، أحمد الشايب "مشرفا ماليا"، والأعضاء سعد الدوسري، عوض الهمزاني، الدكتور مسفر الموسى، إبراهيم الحساوي، هند الفهاد، عبدالعزيز الشلاحي، ضياء يوسف، ومجتبى سعيد.
كما ضمت قائمة الأعضاء المؤسسين، إضافة إلى أعضاء مجلس الإدارة، كلا من يوسف الحربي، فهد الأسطا، علي الكلثمي، بدر الحمود، شهد أمين، جواهر العامري، ريم البيات، محمد الصفار، الدكتور محمد العوبثاني، الدكتور عبدالرحمن الغنام، فيصل بالطيور، والدكتور فهد اليحيا.
عقب الإعلان عن موافقة الوزارة على تسجيل الجمعية بموجب قرار وزاري، أكدت العمير في تصريح صحافي بثه حساب الجمعية على "تويتر" أن تسهيل إجراءات التسجيل في فترة قياسية جاء تحقيقا للرؤية السعودية التي مهدت الطريق لكل المبدعين والمبدعات لتحقيق مشاريعهم الإبداعية والمنافسة بها عربيا وعالميا، خدمة للتكوين الجديد للثقافة والفن في المملكة، في حين أوضح أحمد الملا أن تسجيل الجمعية رسميا سيتيح ضم كل المبادرات التي سعت في الأعوام الماضية لخدمة صناعة الأفلام، في قالب موحد، كما سيتيح لصناع الأفلام - لأول مرة - الوجود تحت مظلة واحدة، سعيا لخدمة هذا القطاع الإبداعي المهم.
وأشار إلى أن وثيقة التأسيس اعتنت بتنويع المبادرات، سواء في إقامة الفعاليات والمسابقات السينمائية وعروض الأفلام، أو في بناء قدرات صناعة الأفلام من خلال التدريب والتطوير، أو في إثراء المحتوى المعرفي والثقافي في السينما.
استقلالية وآمال
تضم جمعية السينما أسماء وصفت بـ"اللامعة"، من المعروفين في الوسط الفني بالخبرات والمعرفة، وستضم في مقبل الأيام مزيدا من السينمائيين، إلى جانب مجلس إدارتها والمؤسسين، وفقا لتأكيد رئيس مجلس إدارة الجمعية في لقاء لها أن نظاما كاملا لعضوية الجمعية سيعلن عنه لاحقا، وأبوابها ستفتح لجميع السينمائيين.
ولا يزال مبكرا الحديث عن مهام الجمعية ودورها، وحتى مواردها المالية التي قالت عنها هناء العمير "إنها ستوفرها بشيء من الاستقلالية"، إلا أن متخصصين ومتابعين تمنوا أن تطلع الجمعية بدور في عملية حماية حقوق الملكية الفكرية وجرائم النشر، وغلق مواقع الأفلام ومنصات البث غير المرخصة، وحماية حقوق العاملين المادية والأدبية، وتنظيم المسابقات والدورات التدريبية، وفتح قنوات اتصال بالمهرجانات الدولية وكذلك النقاد والإعلاميون من داخل المملكة وخارجها، ونشر إنتاج السينما السعودية في المحافل المتخصصة، على غرار طريقة عمل جمعيات عالمية غير ربحية، مثل جمعية الفيلم الأمريكي، وجمعية الفيلم الهندي، واتحادات نوادي السينما وجمعياتها حول العالم.
صناعة نامية
في تقرير رصدي تحليلي تفاعلي عن قطاع السينما، تفيد الإحصائيات بأن إيرادات "الفن السابع" حققت 11.5 مليار دولار حول العالم خلال 2020، رغم تأثير جائحة فيروس كورونا، حيث يعد هذا الرقم الأقل من 40 عاما تقريبا، ومقارنة بالعام الذي قبله، حققت السينما العالمية إيرادات تجاوزت 42.5 مليار دولار.
وعلى الصعيد المحلي، بلغت إيرادات السينما المحلية نحو 73 مليون دولار خلال العام الماضي، وفي مقارنة بين 2019 و2020 قفزت أعداد دور العرض من 12 إلى أكثر من 33 دارا، وارتفع عدد التذاكر المبيعة من أربعة ملايين تذكرة إلى 6.6 مليون تذكرة، وكذلك وصل عدد الشركات المشغلة إلى خمس شركات، فيما أعلن برنامج "جودة الحياة" أنه جرى الترخيص لـ11 شركة متخصصة في تشغيل دور السينما، منها تسع شركات دولية.
ويذكر التقرير، الصادر أخيرا عن شركة التأثير المباشر، أن إجمالي العاملين في هذه الصناعة النامية يبلغ نحو 2276 فردا، منهم 38 مدير إنتاج سينمائي، و123 إخصائي إنتاج أفلام، 210 ممثلين وممثلات "ثمانية منهم من غير السعوديين"، و176 كاتب سيناريو وحوار، و105 مصورين سينمائيين، 483 فني صوت، 258 فني إضاءة، 25 مدير تصوير سينمائي، 46 رسام رسوم متحركة، و812 كاتب إنتاج.
وبحسب بيانات الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع، فإن عدد شاشات السينما في المملكة تجاوز 385 شاشة، وشهدت دور العرض تقديم عشرة أفلام سعودية العام الماضي، فيما لم يتم تقديم أي فيلم سعودي خلال 2019.
5 تحديات
لا يستوي الحديث عن "جمعية السينما" دون الخوض في تحديات الصناعة، حيث يبرز التحليل خمسة تحديات تواجه السينما في المملكة، أبرزها أسعار التذاكر، فمجلة "فارايتي" الأمريكية الأسبوعية تحدثت عن متوسط أسعار التذاكر الذي يصنف بأنه الأعلى في المنطقة، ويبلغ نحو 17.60 دولار، مقابل 12.8 دولار في الإمارات، وتأتي ثانيا بعد المملكة، ويشكل هذا الأمر تحديا كبيرا، خصوصا حينما يقارن أفراد المجتمع هذه التكلفة بدول الجوار، إذ يمكن أن تكلف زيارة عائلة للسينما نحو 500 ريال، تشمل التذاكر وفشارا وعصيرا.
أما ثاني التحديات التي تواجه السينما فهو البنية التحتية، إذ لا تزال البنية التحتية لصناعة الأفلام تشكل تحديا لدور العرض والصناع، وهذا ما ذكرته وزارة الثقافة في تقريرها السنوي، ولا تزال هناك شريحة كبيرة من رواد القطاع تعتمد على العمل الفردي والاجتهادات الشخصية، ويأمل رواد المجال أن يحدث تغيير واسع فيه قبل 2030.
ولعل حداثة قطاع السينما أحد التحديات التي تجعل الأفلام المحلية تحتاج إلى صقل ونمو مع التجربة والأيام، ويتجلى ذلك في فيلم "123 أكشن" على سبيل المثال، الذي تعرض لانتقادات حادة من الجمهور، سواء في اختيار الشخصيات المشاركة أو أخطاء الفيلم والضعف العام فيه، كما وصفه النقاد، ما يجعل هذا التحدي يصب في صميم عمل "جمعية السينما" الوليدة، التي ينتظر أن تحدث تحولا وحراكا إيجابيا.
وليس جديدا أن منصات العرض الرقمية تشكل تحديا آخر للسينما، إذ تكشف الدراسات أن الفئة العمرية من 15 إلى 45 عاما تفضل المنصات الرقمية على دور السينما، وهو تحد عالمي وليس خاصا بالسعوديين وحدهم.
أما التحدي الأخير فهو ندرة الكوادر الوطنية المؤهلة، رغم ظهور مواهب سعودية كممثلين ومخرجين، ولا يزال عديد من المهن داخل صناعة السينما يفتقر إلى العنصر الوطني، وذلك ما تكشفه أيضا إحصائيات وزارة الثقافة.