لا وقت نضيعه .. فلنعمل سويا
إن تغير الطبيعة وفقدان التنوع البيولوجي والتدهور البيئي، وجميعها تهدد مستويات الصحة العامة والرفاهية المستقبلية التي سيرثها أبناؤنا. وتبين استطلاعات الرأي الأخيرة تزايد الوعي بتغير الطقس، ولا سيما بين الشباب. وهو ما تعده الأغلبية حالة طوارئ عالمية - أكثر من نصف السكان في الدول متوسطة الدخل وأقل الدول تطورا، ونحو ثلاثة أرباع السكان في الدول الجزرية الصغيرة، والدول مرتفعة الدخل. وقد تسببت جائحة كوفيد - 19 في زيادة المخاوف: حيث يعرب 43 في المائة من الناس عن ازدياد قلقهم في الوقت الراهن إزاء تغير الطبيعة. ومع ذلك، كما قال ليوناردو دافينشي: "المعرفة وحدها لا تكفي، فلا بد أن يصاحبها التطبيق. والرغبة في التطبيق وحدها لا تكفي، فلا بد أن تقترن بالعمل".
لكن كيف لنا أن نترجم هذا القلق إلى عمل؟ لقد أثمرت الطفرات المتحققة على صعيد العلوم والتكنولوجيا إنتاج لقاحات ضد مرض فيروس كورونا في زمن قياسي، وهو نموذج يبعث على الأمل من حيث إمكانية الابتكار والعمل اللازمين لتطوير تكنولوجيات منخفضة التكلفة وتسويقها. كما أن الاستجابات على مستوى السياسات إزاء الجائحة توضح قدرة الحكومات أيضا على اتخاذ إجراءات غير مسبوقة عند الحاجة. ومن الضروري أن نعمل بالعزيمة نفسها للتصدي لتغير الطقس والإسراع بوضع السياسات التي يمكن أن تحدث فرقا في هذا الصدد.
أولا، نحن بحاجة إلى إشارات تسوقية تعمل لمصلحة الاقتصاد الجديد، وليس ضده. ورغم ما قد يكتنف ذلك من صعوبات سياسية، فإن العالم بحاجة إلى التحرر من كل أشكال المعوقات الطبيعية، بما يعادل أكثر من خمسة تريليونات دولار سنويا، وإن كانت التكلفة أعلى من ذلك كثيرا على مستقبلنا. وسيسهم وضع نظام قوي لتسعير الكربون في إعادة توجيه استثمارات القطاع الخاص وابتكاراته نحو التكنولوجيا النظيفة وتشجيع كفاءة استخدام الطاقة. وبغير ذلك فإننا ببساطة لن نتمكن من تحقيق أهداف اتفاقية باريس. ولا بد أن تكتسب هذه الإشارة السعرية قوة أكبر على نحو محدد المسار، للوصول بمتوسط سعر الكربون العالمي إلى 75 دولارا للطن بحلول عام 2030، وهو أعلى كثيرا من السعر الحالي وقدره ثلاثة دولارات للطن. وسيكون التوصل إلى اتفاق بين الجميع.
ثانيا، نحن بحاجة إلى تكثيف الاستثمارات المتنوعة وتتوقع دراسة بحثية أعدها خبراء الصندوق أن سياسات سلاسل العرض بإمكانها زيادة إجمالي الناتج المحلي العالمي بنسبة قدرها 2 في المائة تقريبا خلال العقد الجاري وإيجاد ملايين الوظائف الجديدة. وفي المتوسط، من المتوقع توفير نحو 30 في المائة من الاستثمارات الجديدة من مصادر التمويل العامة، ما يستلزم تعبئة الجزء المتبقي من مصادر التمويل الخاصة.
ثالثا، يجب أن نعمل من أجل تحقيق انتقال عادل إلى اقتصاد منخفض الكربون داخل كل بلد وفيما بين الدول. فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام العائدات المتولدة من تسعير الكربون في التحويلات النقدية، وشبكات الأمان الاجتماعي، وإعادة التدريب، وما إلى ذلك، بهدف تعويض العمالة ومنشآت الأعمال في القطاعات المختلفة. ويتزايد في الوقت الراهن استخدام مثل هذه المناهج في إطار إصلاحات عامة، كما في حالة البرنامج الوطني الألماني لتداول حقوق انبعاثات الكربون وآلية الانتقال العادل المزمع تنفيذها في الاتحاد الأوروبي.
وعبر الدول سيتطلب الانتقال العادل توفير الدعم المالي وسبل نقل التكنولوجيا. ورغم أن أفقر دول العالم هي الأقل مساهمة في تغير الطقس فإنها الأكثر تأثرا بعواقبه والأقل قدرة على تحمل تكلفة التكيف. ونظرا لأن كثيرا من فرص تخفيف الآثار الأقل تكلفة موجودة في اقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية، فإن وفاء الدول المتقدمة بالتزامها بتوفير 100 مليار دولار سنويا لتمويل الأنشطة في الدول النامية سيكون في مصلحة العالم أجمع. ليس لدينا وقت نضيعه. وإذ نتطلع إلى مؤتمر الأمم المتحدة COP26، لا بد أن نكون مستعدين للتحرك الحاسم معا. فنحن نعرف ما يجب عمله، وآن لنا أن نعمل.