الاستثمار الزراعي خارجياً والمجتمعات الحاضنة
صدر قرار مجلس الوزراء الموقر يوم الإثنين الماضي 13/4/2009 بالموافقة على الترخيص بتأسيس شركة مساهمة سعودية مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة وبرأسمال يبلغ ثلاثة مليارات ريال باسم "الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني". وقد أشار خبر الموافقة إلى أن من أهم أغراض الشركة الاستثمار في المجال الزراعي والإنتاج الحيواني وفق دراسات جدوى اقتصادية وفنية مجدية للمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي للمملكة العربية السعودية عن طريق توفير أكبر قدر من الاحتياجات الغذائية والزراعية والمنتجات الحيوانية بشكل يساعد على استقرار الأسعار داخل المملكة.
بداية، يبدو أن قرار تأسيس الشركة مرتبط بالتضخم في أسعار المواد الغذائية الذي شهدته السوق السعودية في الأعوام 2003-2007 والذي كان ارتفاعاً عالمياً في المستوى العام لأسعار المواد الغذائية قد يعزى إلى زيادة استهلاك الصين والهند من المواد الغذائية وبالتالي رفع مستويات الطلب الكلي العالمي مع محدودية العرض بجانب قيام أمريكا بتشجيع استخدام الوقود الحيوي كبديل للوقود الأحفوري وهو ما يرفع أيضاً من الطلب على المواد الغذائية في ظل محدودية العرض وبطء تجاوبه فالقطاع الزراعي يختلف مثلاً عن القطاع الصناعي في تجاوب آليات العرض والطلب لظروف السوق، حيث إن ارتفاع مستويات الطلب يطول المعروض في السوق بما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، خصوصاً أن تجاوب العرض مع ارتفاع مستويات الطلب الكلي في القطاع الزراعي يحتاج إلى وقت لتضمنه استثمارات لتحسين وتأهيل أراض زراعية جديدة لا تأخذ مكاناً في العادة إلا إذا كان العائد منها مستداماً وبسبب موسمية المحاصيل التي تؤدي إلى تأخر العرض الكلي عن مواكبة الطلب الكلي على المواد الغذائية. هذا التجاوب البطيء للعرض الكلي للمواد الغذائية يحتاج كذلك إلى استثمارات كبيرة في الأراضي الزراعية، المعدات، الأسمدة والمبيدات، الجمع والتخزين، والنقل والتسويق. بمعنى آخر، يحتاج الاستثمار في الإنتاج الزراعي إلى التزام واستثمار طويل المدى يضمن استكمال المراحل الزراعية والحفاظ على الأراضي الزراعية واستغلالها بكفاءة تؤدي إلى تحسين الكم والنوع من المنتجات الزراعية.
ومن أهم أهداف الشركة المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي من خلال توفير المنتجات الزراعية والحيوانية للسوق السعودية من الأسواق الخارجية بأسعار منافسة. هذا الهدف يشير إلى عقلانية في التصرف مع الموارد المتاحة كأزمة المياه ومحدودية المياه الجوفية وصعوبة وعدم جدوى الزراعة في معظم مساحات المملكة. كما يشير هذا الهدف إلى واقعية في التعامل مع الموارد الاقتصادية بعيداً عن البهرجة الإعلامية التي صاحبت مشاريع زراعة القمح الفاشلة في الثمانينيات الميلادية وما صاحبها من نضوب للمياه الجوفية ودخولنا في مرحلة الخطر واستنزاف للموارد المالية من خلال دعم زراعة القمح غير المجدية اقتصادياً أو استراتيجياً.
أما توفير المنتجات الحيوانية للسوق المحلية فيصب في سياق توفير المنتجات الزراعية نفسه علماً بأن المملكة من أكثر الدول استهلاكاً للحوم نظراًُ لطبيعة العادات الغذائية. وبجانب ضمان استقرار نسبي لأسعار اللحوم، فإن تملك مزارع لحوم في الخارج قد يتيح الفرصة في مراقبة الجودة والنوعية بما يتناسب مع معايير الجودة المطلوبة في السوق المحلية وتوفير رقابة على أمراض الحيوانات في بلد المصدر وقبل وصول الماشية أو اللحوم إلى المملكة.
وختاماً، من المهم أن يتم إيلاء دراسات جدوى الاستثمار في القطاع الزراعي والمنتجات الحيوانية في الخارج الاهتمام الأكبر نظراً لتعقد المسألة وتنوع الخيارات فتكاليف الزراعة والأراضي تتفاوت بين مختلف الدول كما تختلف تكاليف النقل وتكاليف الأيدي العاملة والتسهيلات المقدمة والأمن وتقبل المجتمعات المحلية. وأشدد هنا على ضرورة فهم وإشراك المجتمعات المحلية للمناطق المستهدفة بالاستثمار الزراعي والمنتجات الحيوانية حيث إن هذه المجتمعات لا توفر فقط الأيدي العاملة بل توفر ضمانات نجاح المشروع وتقليل المخاطر المختلفة حين يتم إشراكها والاهتمام بتطورها واستفادتها.